قويٌّ هَشّ 🌱🍃
(٢٦)

كان أحمد يبكي رغما عنه، هو أحب ياسمين من كل قلبه، ولكنه لا يذكر كيف صار ينسى أمرها، ويتجاهل وجودها. لا يذكر كيف بدأ بالابتعاد حتى صار الفراغ بينهما بحجم المجرّة. لا يذكر غير أنه وجد فسحةً تنقله من جحيم المعاناة إلى رغد العيش. صحيح، هو لم يفكر بقلبها يوما، ولا أعطى قيمة لمرضها. لقد ظلم ياسمين وظلم يزن معها، "ثمّ ماذا يا الله! لقد أخطأت أجل! أنا ظالم صحيح! ولكنك عاقبتني بما فيه الكفاية! أريييد أن أعيش كما يعيش أصحاب الجااااه! قضيت عمري وأنا أركض خلف لقمة العيش.. ألا تكفي طفولتي المليئة بالمآسي؟!
وأنت يا ياسمييين ما الذي تريدينه؟؟ سيعود يزن إلى كنفي مجددا، وسأوضح له كل شيء. سيعيش ملكا معززا مكرما عندما تتم هذه الصفقة! لن ألجأ إلى هذه الصفقات بعد اليوم، ولكنني محتاج للمال..
سأُغرق الفقراء بالأموال لأعوض عن ذنبييي، لكنني لن أترك هذه الفرصة!
تبا للشرطة وتبّا للعصابة وتبّا للمخدراااات! كل همي أن أحيا مرتاحا أهذا كثيييير؟؟؟
يا ربي، أنا ابتعدت عنك ولكنك مسامح كريم، وأنا أريد حياة ممتعة، مريحة، كما أحب أنا، وليذهب هذا الواعظ وتهديده إلى الجحييييم!"

كان أحمد يصدح بهذه الكلمات في السيارة بأعلى صوته، لقد اتخذ قراره؛ لن يتخلى عن الصفقة أبدا، ولن يسمح لأي كان بأن يعيقه. أسند رأسه إلى المِقود، وأخذ يفكر بطريقة يبعد فيها ذاك المجهول "المتطفل" عن طريقه.

هو نسي أو تناسى أن الحياة لا تحلو بلا مرارة الكد والسعي، و أن لقمة العيش أطيب إن مزجت بالرضا والقناعة. نسي أن كثرة المال لا تجلب إلا تزايد الهموم فكيف بالمال الحرام! كان يطمع بكرم الله وقبوله للتوبة، ناسيا أن الإصرار على الذنب سيبعده أكثر عن طريق الحق!
...
جاد: صباح الخير أخيي. لدي أخبار لك!
يزن: صباح الأنواار. أسمِعني ..
جاد: لدى أبي نقص في عمال المستودع. يعني أولئك الذين يفرّغون البضاعة ويحمّلونها، ويوضّبونها، بالإضافة إلى الإحصاء.. هكذا أمور يعني.
يزن: يعني قبل أن أعمل أم لا؟؟
جاد: هو يريد من هم أهل للثقة مثل حضرتك ولكن..
يزن: ولكن ماذا؟
جاد: في الحقيقة أنا خائف عليك!
يزن: هاااا ولماذا تخاف؟
جاد: في هذا النوع من الأعمال جهد مضاعف، وانت.. أعني أخشى أن تتأذَّى من ذلك.. أقصدُ..
يزن: تخشى على قلبي ها.
جاد: أجل! أعني قد تجد شيئا يحتاج مجهودا أقل!
يزن: صحيح، كالاتجار بالمخدرات. ما رأيك لو أساعد أبي في صفقته؟ ما رأيك أن أنضم لإحدى هذه العصابات وأريح بالي؛ أضرب الناس قليلا وأجني كثيرا!!
جاد: اهدأ يا أخييي لم أقصد كل هذاا!

#قويٌّ_هَشّ 💜
قويٌّ هَشّ 🌱🍃
(٢٧)

يزن: عشتُ ١٠ سنوات مرفّها أجل! ولكنّ سنيّ طفولتي البسيطة مجبولة بالفرح. جاد حبيبي، كانت أمي تواسيني بغياب أبي الطويل عنا بالقول:" نشقى في هذه يا يزن، لتطيب كل جروح العمر. والدك يتعب كل النهار حتى يرسم الابتسامة على وجهك. التعب في سبيل لقمة العيش يا حبيبي يقربك من الله، ويديم في نفسك الشعور بالعز، ويغنيك عن الناس أجمعين. علينا دائما أن نسعى، قربةً إلى الله، طامعين بعطاياه الكثيرة."
أتعلم يا جاد، أنا مذ دخلت ذلك البيت، لم أسمع أبي أو خالتي يذكران الله أبدا، ثم نسيته بدوري. صحيح أني لم أرتكب حراما حتى الآن، ولكن الغفلة وحدها تكفي! عندما مرضتُ، ساعدني أبي لأتوضأ وأصلي، لقد أعادني لأيام كانت أمي تتوضأ ليلا، والبرد قارس، حتى "تتحدث مع الله" كما كانت تخبرني. تحدثتُ مع الله يومها يا جاد، وشكرته على عودة أبي لي، لكن انظر الآن إلى هذه الفوضى!
جادو، لا تخف عليّ يا أخي، قلبي لا يقوى على الخذلان والبُعد والقسوة، لكنه يقوى على الكدّ والجدّ.. والآن ابتسم، أخاف أن يتوقف قلبي من تجهّمك هذا وتُسجن بسببي!
جاد: قال أُسجن قال، سيعدمونني يا قليل الرحمة!
حسنا، يمكنك البدء من مطلع الأسبوع، ولكنني سأذهب معك، لن أسمح لك أن تجني المال من دوني، يا قزم!
يزن: هههه كما تشاء يا جادو الغالييي!
سأخبرك سرّا؛ قررت أن أسامح أبي إن عاد إلى رشده! رغم كل ما حصل يا جاد، أنا أفتقده بشدة!
...
خلال اليومين التاليين، كان أحمد يترقب الرسالة القادمة، ليس شوقا لما فيها، بل رغبةً في الوصول إلى صاحبها. وكان قد حبك خطة محكمة لإيقاعه.

وصل جان صباحا، ومرر الرسالة من تحت عتبة الباب. فتح أحمد الباب فورا، وقبل أن يفرّ جان، حاصره رجلان كانا متأهبين في سيارة أحمد، وأتى تنين وآخرون معه من خلفهما:
تنين: أهلا أهلا يا شاطر..
جان: من أنت؟ ماذا تريدون؟
أحمد: بل من أنت؟ هل أنت كاتب الرسائل؟ ماذا تريد منّي؟؟
جان: لا. أنا بريد فحسب. ولا أعرف المحتوى أصلا. هذا عملي ليس إلا! والآن دعوني أذهب!
تنين: ههههه، طريف جدا.. اتصل بصاحبك هيا! وإلا فيا ضيعة شبابك!
جان: ما شأنكم بالموضوع؟؟ حديث بين أب وابنه، لا دخل لكم أنتم!
أحمد: ماذا قلت؟؟
تنين: هل يقصد ابنك المتهور ذاك الذي واجهني؟ هاهاهاها الموضوع يزداد إثارةً! اتصل به إذن، اشتقت لخوض مشاجرة حقيقية!
أحمد: ابني أنااا يريد سَجني؟؟ ما هذه التفاهة، أنت تكذب يا ولد!
جان: يزن يريد مصلحتك! تستطيع مكالمته، أم أنك صرت مهملا لهذه الدرجة؟
تنين: اتصل يا أحمد، سلم على حبيب قلبك! هاهاهاها.

#قويٌّ_هَشّ 💜
قويٌّ هَشّ 🌱🍃
(٢٨)

رن هاتف يزن، كان يقرأ الاسم بتمعّن ولمّا يردّ بعد:
جاد: يا أخي ما بااالك؟ أجب هيا!
يزن: هل تعتقد أنه قرأ الرسالة حتى اتصل الآن؟
جاد: هذا أكيد. هيا لا تجعله ينتظر أكثر!
يزن: طيب..
أبيي سلام! لقد علمت أنك ستتصل..
أحمد: أخرق!
يزن: ماذا؟
أحمد: غبي!
ولد أحمق! قليل وفاء! عاااقّ!
يزن: أبي اهدأ أرجوك. أنا..
أحمد: أنت صبيّ جاهل! ليتك متّ قبل أن تتطاول على أبيك وتتدخّل بعمله! أهذا جزاء الدلال؟ تعال إلى بيت أم نوال فورا!
جاد: ما بك؟ لماذا تغير لون وجهك؟؟
يزن: لقد.. لا أدري هو لم يفهمني حتى.. لعله لم يقرأ الرسالة كاملة بعد.. يريد مقابلتي.. هيا نذهب!
سيغير كلامه عندما نتكلم..
لدي الكثير لأقوله..
جاد: طيب طيب اهدأ. أنا سأقود.. أنت خذ نفسا عميقا واهدأ!
...
جان: كيف تفعل هذا بابنك يا قليل الرحمة؟
تنين: اخرس انت. اِحمد ربك أنّا لم نطحن عظامك بعد! ثمّ نحن لن نقتل الصبي! سأفرك أذنه فقط! هههههه..
جان: مسكين يزن. كان يؤمّل أن تعود إلى صوابك يا أباااه. ااه! آسف! أنت لا تعرف معنى الأبوّة.
أحمد: هذا يكفي!! أنا أفعل كل شيء لأجلهم، لكي نعيش مرتاحين.. وهو يهددني بإخبار الشرطة! تبّااا...
...
جاد: شارفنا على الوصول. هل أنت بخير؟
يزن: بخير.. لدي أمل يا جاد. أنا واثق أنه سيتفهم ما قمت به.
جاد: أرجو ذلك. لكنني خائف.. ااااه من كل هذا.
أنظر، ها هو مع جان على الباب، هيا بنا.

اقترب يزن من والده ومد يده ليسلم عليه، ولكنه تلقى صفعة قوية،
يزن: لا بأس يا والدي. لك كل الحق، ولكني فعلت هذا لأجلك..

لم يشبع أحمد، بل انهال عليه ضربا وشتما حتى تعب،
أحمد: غبي، أخرق، جاهل..
يزن: حقك عليّ.. أنا آسف، أريد أن تعود لي لا أكثر. أبي نحن بحاجتك..
لا نريد أن نخسرك هكذا، أرجوك..
لم ينتظره أحمد حتى يكمل كلامه، ومشى بصمت إلى سيارته، في حين خرج تنين ورجاله من البيت -الذي خلا من كل ساكنيه، فالجميع كانوا ببيت أخت نوال الكبرى منذ الليلة السابقة- وأمسكوا بجان وجاد جيدا، بينما تحدى تنين يزن، "خذ هذه رسالتك الغبية، هيا قم يا ولد، الجولة الأولى انتهت لصالحي، دعنا نتسلى!"
يزن: أبيييي.. ما الذي تفعله. ما كل هذا؟ أردت مساعدتك.. لا تفعل هذا يا أبي، لا تتورط أكثر!
تنين: أنا أكلمك يا فتى!
يزن: ابتعد عن طريقي.. أبي! اقرأها أرجوك، ستتفهم موقفي، أرجوك لا تفعل هذا.. لا تخذلني أكثر!
أحمد: تنّين! لا تنسَ وعدك؛ فركة أذن لا أكثر! فهو يظلّ صبيا طائشا لا يعرف مصلحته!

#قويٌّ_هَشّ 💜
قويٌّ هَشّ 🌱🍃
(٢٩)

أمسك يزن بذراع أبيه وترجّاه أن يبقى ويسمعه، ولكن أحمد استشاط غضبا مجددا ودفع يزن إلى الأرض وانهال عليه ضربا:
جاد: ستقتله يا عمّييي ابتعد عنه.. اتركونيي يا أغبيااااء!
أحمد: أنا قتلت أمك أيها الغبي؟ أنا ركضت خلف الجاه والمال؟ أفعل كل هذا لأجلك وإخوتك، وأنت تريد أن تسجننيييي!!!

فقد أحمد أعصابه، وأمسك يزن -الذي لم يبدِ أي رد فعل- من رقبته وراح يشد عليها..
يزن: أبببيي..!
أحمد: الكل يغارون من حنكتي ويريدون تدميريييي.. وأنت الآن تساندهم! ولد عااااق.. أخرقققق!
جاد: سيقتله! دعونيييي...
تنين: هذا ممتع حقا.. هاهاهاها. أحسنت أحسنت، شريك قوي حقا هاهاهاها..
أحمد: الكل يريدون أذيتي.. الكل يخافون من نجاحي.. تبا لكم جميعااااا!
جاد: هذا يكفييييي! ما الذي تفعله!!!

بدأ يزن يشدّ على يدي أبيه ليفلت من قبضته عندما قرر تنين الانسحاب، "هذا حتى يتعلم أن لا يتطاول على الكبار، لا حاجة لبقائنا هنا يا شباب، هيا نرحل."
جاد: إلى جهنم! جان ساعدني لنبعده عنه..
عميي ابتعد.. ستخنقه.. عمّيي!
جان، سأدخله إلى المنزل، خذ يزن إلى السيارة.
جان: يزن.. خذ نفسا عميقا يا صاحبي.. لا عليك.
هيا، سأنقلك إلى السيارة.

أوصل جاد جان إلى المطعم، وانطلق مجددا:" صرنا وحدنا، هل أذهب إلى المشفى؟"
يزن: أطفئها..
جاد: طيب.
انزل هيا.
سنذهب إلى المشفى تاليًا، أريد الاطمئنان عليك، ثمّ..

لم يمهل يزن جاد حتى يكمل جملته، ارتمى عليه وحضنه بقوة ثمّ أطلق العنان لبكاءٍ مريرٍ. حتى جاد لم يقدر على التحمل وصار يبكي معه،" لا بأس يا أخي لا بأس! لله أمرك هذا ووحده يجبر خاطرك.." لم يتوقف يزن عن البكاء حتى خارت قواه، وصار تنفسه بطيئا طويلا، وصار شيئا فشيئا يغيب عن الوعي، كان آخر ما رآه وجه جاد القلق، وهو يحمله ليضعه في السيارة.
جاد: جميل أخي، أنت في المشفى الآن؟ يزن متعب جدا.. طيب، أنا أتجاوز السرعة القصوى، سنصل في غضون لحظات.

بعد الفحص الأوّلي، تقرر وضع يزن تحت المراقبة في قسم العناية القلبية. كان جاد يجلس بجانبه ويحبس دموعه ما استطاع:
جميل: ما بالك يا أخيي سيكون على ما يراام.. هسسس هذا يكفي، إن استيقظ الآن ورآك هكذا ماذا سيقول؟ اتكأتُ على كتف صديقي فكسرته؟ كن قويا لأجله.. قم واغسل وجهك وتعال.. هيا.
جاد: طيب.. وهل سيستيقظ قريبا؟
يزن: لا أدري. سيستيقظ متى ما استعاد قوته. هل اتصلت بأمي؟

#قويٌّ_هَشّ 💜
قويٌّ هَشّ 🌱🍃
(٣٠)

امرأة : يزن، يزن حبيبي..
يزن: من..
الامرأة : افتح عينيك الجميلتين.. أنظر إلي..
يزن: أ.. أمي؟
ياسمين: يا عُمر أمك.. منذ وقت لم ألمس
هذه الوجنة الطرية..ااه ما أحلاكَ يا ولدي..
يزن: هل متُّ يا أمي؟؟ احضنيني بقوة، لا تتركيني مجددا. أنا ضعيف من دونك، أنا ..
ياسمين: هسس. يزن ابني لا يضعف أبدا. هذا ظرف صعب فحسب. ثم كلا أنت لم تمت، أنت نائم، وستستيقظ قريبا..
يزن: ولكن..
ياسمين: ستستيقظ لأجل صديقك جاد، لأجل سمر، أسيل، أمجد وسامي..
يزن: لا أريد الابتعاد عنك بعد الآن!
الطبيب: ١.. ٢.. ٣.. ابتعدوا..
جاد: هياا يا يزن.. هياااااا
الممرضة: لا يوجد نبض..
ياسمين: أنا بجانبكَ دوما يا عزيزي.. عِدني بأنك ستبقى قويا، الحياة للأقوياء يا عمري، أقوياء الروح يا حبيبي..
يزن: ولكنني من الضعفاااء يا أمي! جسدي لا يساعدني، والألم ينبثق من زوايا روحي!
ياسمين: ألمك هذا لأنك تحب بصدق. لو أن أباك لا يعني لك شيئا لما تأذيت يا بني، والحب لم يكن يوما ضعفا!
على العكس، ما دمت صادقا بحبك فإنك أقوى، ولكن أحبب هونا يا عمري، وليكن إخلاصك الأقصى لله فقط!
يزن حبيبي، سامح أباك، هذه وصيتي لك، وانتبه على نفسك.. لا تنسَ، أنا دائما بقربك، في داخل قلبك!
والآن استيقظ هيا.. ١.. ٢.. ..
الطبيب: ..٣.. ابتعدوا..
الممرضة: حمدا لله، لقد استجاب!

أخذ يزن نفسا عميقا وفتح عينيه، ليرى الطبيب وممرضتين ينظرون إليه بلهفة:
الطبيب: حمدا لله على سلامتك. استرخِ الآن، توقف قلبك لبضع لحظات. أسند رأسك ببطء، أحسنت. تستطيع الدخول يا جاد.

دخل جاد وهو يمسح دموعه، رمى بنفسه على يزن بشوق وحرقة، "سأقتلك في المرة القادمة اذا ما حاولت الابتعاد عني!"
يزن: ههه، ستقتلني الآن ابتعد خنقتنيي..
جاد: هيا استرح، نم قليلا. لدي أخبار سااااخنة عندما تستيقظ.

لم يقاوم يزن كثيرا وغط في نوم عميق، وبعد عدة ساعات استيقظ وكان جاد بجانبه:
يزن: صباح الخير.
جاد: بل مساؤه يا حبيب أمك. هاهاها حسنااا صبرتُ بما فيه الكفاية، اسمع ماذا جرى..

أخبر جاد يزن أنه بعد أن أدخل والده إلى البيت صباحا، ناوله الرسالة، "اقرأها يا عمي. في الحقيقة أنت تسرّعت! يزن كان مشتاقا جدا إليك!"
جاد: لم أتوقع أن يقرأها بهذه السرعة، لا أدري ماذا كتبتَ له ولكنه أعطى مفعولا! اتصل بي بعد أن وصلنا إلى هنا بقليل، وبعدها بعشر دقائق، كان يقف خلف الزجاج وينظر إليك بحسرة. لقد آلمني حاله ولكنني كنت غاضبا وخائفا عليك فلم أحدثه، انصرف من دون أن يكلم أحدا..
يزن: أها.. ثمّ؟
جاد: كان أبي هنا قبل أن يسوء وضعك، اتصل به سعيد وأخبره أن أحمد سلمه أمور الشركة حتى إشعار آخر. وأخبره أنه مسافر وقد لا يعود قريبا!
يزن: وكيف يسافر وهو لا يملك مالا؟؟
جاد: أخبر والدُك سعيدَ أنه استدان مبلغا لنقل البضاعة من المرفأ، ولكنه سيصرفه على نفسه الآن.
أتعلم، هذا يبدو الحلّ الأمثل!
لن تتم الصفقة من جهة، ولن يُسجن أحدٌ لأن المسؤول ليس موجودا من جهة أُخرى!
يزن: صحيح.. وماذا عن نوال والأولاد؟
جاد: لا أعلم. عندما تتحسن سنزورهم ما رأيك؟
يزن: إن شاء الله.

#قويٌّ_هَشّ 💜
قويٌّ هَشّ 🌿🍃
(٣١)

أسند يزن رأسه على الوسادة البيضاء الناعمة، وتذكر نص الرسالة التي كتبها لأبيه:" صباح الخير سيّد أحمد..
أنا لست منافسا لك في السوق أهدف أن أراك خاسرا، ولست أحدا حرص أكثر منك على حياة زوجتك وأريد الاقتصاص لها..
أنا مجرد صبي أحس بقسوة الحياة حين فقد أمه، ثم عندما ظن أنه استعاد أباه، وجد نفسه مرميا خارجا ظلما وعدوانا.

الصعوبة لا تكمن في إيجاد منزل يأوي، يا أبي، إنما في استعادة الأمان الذي اعتراني عندما حضنتني منذ فترة قليلة.. الصعوبة تكمن في أن أسند ظهري لأجدك خلفي كالجبل، فلا أجد سوى الفراغ والكثير من الألم.. أن أنظر في عينيك مسليا نفسي بوجودك في ظل غياب أمي، فلا أجد أمّا ولا أبا..

شعرتُ باليتم يا والدي الحبيب، وعندما فهمت سرّ يُتمي الغريب هذا، وجدت نفسي أمام خيارين؛ أن تبقى بيننا تصرف علينا من مال حرام فتخسر احترامي وثقتي بك، أو أن تُسجن وتبقى كبيرا في عيني ونفسي..

كلّ تطاولي عليك ينبع من شوقي إلى أبي القديم، الذي عشِقته ياسمين، والذي وصل إلى ما وصل إليه بفضل نباهته وفطنته، لا الغش والخداع والاتجار بالممنوعات.

سامحني يا أبا يزن، وعد إليّ سريعا!
أشتاقك!
ولدك المحبّ."
...
بعد يومين، زار يزن بيت أهل نوال، وفهم منها أن والده ترك رسالة اعترف فيها بكل شيء، طالبا السماح.
يزن: سأبدأ بالعمل عند والد جاد من مطلع الأسبوع القادم. وقد استأجرت شقة قريبة من الشركة، إن أحببتِ، يمكننا السكن هناك جميعا.
نوال: أمي طلبت منا البقاء، وأنا طلبت من هيفاء أن تجد لي عملا. يمكن للأولاد أن يبيتوا معك إذا شاؤوا، لكنني سأصرف عليهم بنفسي، حتى يتمكن سعيد من تسيير أمور الشركة مجددا. وانت.. يمكنك القدوم متى ما شعرت بالوحدة.. حسنا؟؟
يزن: شكرا لكِ، لكن جاد لن يتركني وحيدا. هههه نقل أغراضه كلها إلى شقّتي!
نوال: جيد.
اسمع، كتب والدك أنه سيعود عندما.. عندما يقوى على النظر في عينيك مجددا.
سامحه يا يزن أرجوك.
وسامحني أيضا.. لقد أخطأنا جميعا بحقك، وأنا أتحمل جزءا من مسؤولية ما قام به أبوك..
يزن: لا عليكِ، مر الأمر على خير..
ثمّ، لقد سامحته بالفعل.. أمي طلبت مني ذلك!
عن إذنك!
...
جاد: وما الذي غيّرها فجأة؟
يزن: وما أدراني أنا! المهم أنها لن تترك الأولاد وهذا أزال الهم عن قلبي.
ما رأيك أن نزور جان؟
جاد: هاهاها هيا. أعتقد أنه لن يتعرف علينا! هاهاهاهااي..
يزن: إذن نضربه ونخرج، هاهاهاها!
جاد: غير معقول! هاهاهاها، يا إلهي! هيا كفى ضحكا!!
يزن: أتعلم يا جاد؟
لو لم تكن بجانبي..
جاد: لكنت متَّ منذ زمن أعرف أعرف!!
يزن: هاااي! طيب كما تريد.. يا قزم!
جاد: هاهاها..

#قويٌّ_هَشّ 💜
قويّ هَشّ🌱🍃


إنسانٌ أنا، آنسُ بمن حولي وأستمدّ قوّتي منهم، وعندما أحبّ، أحبّ بصدق وإخلاص، حتى أُضفي على حياة الأحبة، طعما حلوا، وصبغة خاصة بي، تملأ أيامهم بالفرَح.


عليّ التفكير بحركاتي وخطواتي المقبلة وخطَطي، فربما تكسر نظرةُ استهزاء قلب إنسان، أو تنقص كلمة من ثقته بنفسه.

عليّ مداراة الآخرين وكأني أراعي نفسي!
ولا يجب أن أنسى أنني سأمر بكل الظروف والمواقف التي جعلت غيري يمرّ بها، حتى أشعر بنفس مرارته! وكذلك إن أدخلت سرورا على قلب أحدهم، فسألقاه يوما ما!

فلنرأف ببعضنا قربةً إلى الله تعالى.♥️


إنسانٌ أنا، أفتح عينيّ الصغيرتين لأبصر أوّل من أبصر؛ أمي وأبي!

بعضُنا ابتلاه الله بفقد الأبوين، وعوّضه عنهما بحبّه الشديد ورأفته اللامتناهية، ولكنّ بعضنا ممن يمتلك أما وأبا، يعيش بينهما كالغريب.. وهذا مؤلم!

من جهة الأولاد، يجب مراعاة حقوق الأبوين فمهما بذلنا لن نوفي حقهما.

والرسول (ص) قال: رحمَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ.
الأم والأب، يتوجب أن يجبلا ابنهما بالحب، ويشبعاه بالعاطفة، حتى لا يشعر بالنقص أمام أحد، وحتى لا ينكسر أمام الظروف مهما كانت قاهرة. يجب عليهما أن يصقلا شخصيته ويوائما بين الظاهر والباطن، فلا يصطنع القوة وهو ضعيفٌ هَشّ..

علاقة متبادلة هي من الاحترام والحب. لا تخجلوا بالتعبير عن مشاعركم لأهلكم، ولا تبخلوا. حتى وإن بدا الأمر صعبا، ما إن تباشروا وتتلمّسوا وإيّاهم جمال الشعور وطيب الأثر، ستختارون أن تحيوا حياتكم كلّها بحبّ! مع جميع الناس!

دعائي لكم بدوام العافية والحب والقرب من الله.. ♥️ .. وأن يجبر كل خاطر مكسور بعطفه ورحمته.

#النهاية~💛
#قويٌّ_هَشّ 💜
.............
حبيتوا كتابتهاا ..💚 ؟
قويٌّ هَشّ 🌱🍃
(٥)

تأخر يزن كثيرا، فهو غادر المدرسة كليا. ذهب إلى المقبرة، جلس كالمعتاد، وسط الزهور التي تحيط قبرها، حضن صورتها، وبكى عندها كثيرا.. "أمييي، أنا الغريب يا أمّييي.. والدي صار غريبا.. حالنا صار غريبا.. أرجوك يا أمي عووودييي.. أنا أحتاجكِ.. آاااه يا أمي.. يزن كبر ولكن.. لا زال بحاجتك.." وظلّ يبكي عندها مطوّلا، حتى كلّ من البكاء وجفّت دموعه. كانت الساعة الرابعة حين انتبه إلى جوّاله يرنّ:
يزن: أبي..
أحمد: أين أنت؟؟ اتصل جاد يسأل عنك. خفتُ كثيرا..
يزن: في المقبرة..
أحمد: وماذا... اه، ح... حبيبي كيف ذهبت؟ ابقَ مكانك أنا قادم..

وصل أحمد، ووجد يزن نائما على القبر، ووجهه مبلّل بالدموع..
أحمد: يزن، بنيّ، افتح عينيك.. هيا قم معي لنعود إلى المنزل
يزن: أي منزل؟ أنت ستتركني.. هااا؟ أنا غريب الآن؟ متى أصبحت غريبا أخبرني؟؟
وعاود البكاء مجددا
أحمد: من أخبرك أنك غريب.. بنيّ ما هذه الترّهات
يزن: جااد، قال أن نوال..

وأخبره بكل شيء، وهو لا زال يبكي، ووالده يمسح على رأسه ويهدّئه..

أحمد: أنا آسف. أنا ضربتك وصرخت بوجهك، سامحني أرجوك.. والدك غبي.. والدك مقصّر.. سامحني حبيبي.. ولكني لست مجنونا لأتخلى عنك.. هيا اهدأ.. وقم معي لنذهب إلى البيت هيّا..
يزن: دعني هنااا، أشعر بالأمان.. ذاك البيت بارد، أنت لا تشعر بشيء لأنك مشغول.. لا حنان هناك، لولا إخوتي لجننت، لولا أسيل لما صمدت يوما واحدا.. أنت بعيد عني يا أبيييي، وهي لا تهمها مشاعرييي، أتركني هنا عند أمي اتركنييي..

هنا بدأ أحمد يلطم وجهه ويبكي، وصار يخاطب ياسمين "أنا فرّطت بالأمانة يا ياسمينتي.. زهرتنا ذبلت بين يديّ. يا ويلييي، يزن حبيبي سامحني يا بابا، دموعك تحرقني يا عمري.. صدقني لن أتركك، صدقنيي.. هيا قم، الطقس بارد، وانت هنا منذ زمن.. ساعدني هيا"

وقف يزن بصعوبة، وأحس أحمد أنه ليس على ما يرام، فحمله. لم يحمله منذ زمن طويل. دمعت عيناه، وراح يتأمل وجه ابنه: "يشبهك في كل تفاصيلك يا ياسمين.. وأنا ابتعدت عنه كل هذا الوقت.. اعذريني.."
وضعه في السيارة، واتصل بنوال:" جهزي كوب زهورات ليزن فهو بارد كقطعة ثلج.. ثمّ علينا أن نتحدّث.."

#قويٌّ_هَشّ 💜
قويٌّ هَشّ 🌱🍃
(٣)

في المدرسة سارت الأمور على ما يرام، وعاد يزن ليجد إخوته يجلسون بثياب المدرسة عند الباب.
يزن: لماذا أنتم هنا؟؟
سامي: دخلنا يا أخي، سلمنا على أمي، فملأت البيت صراخا، قررنا أن ننتظرك لأن الجو مشحوووون جدا.
يزن: يا ويلي.. حسنا. كلوا هنا، وسندخل فورا إلى غرفنا، الكلام ممنوع حتى لا نغضب الماما مفهوم؟؟
جميعهم: حسنا..

قاموا بواجباتهم كالمعتاد، ونزل يزن ليكلم والده..
يزن: خالتي أين أبي؟
نوال: اتصلوا فيه من البنك. لا بد أن أحدهم ذهب ليصرف شيكا فوجد الحساب فارغا.
يزن: منذ متى ذهب؟
نوال: قبل قليل. هل أنهوا دروسهم؟
يزن: أسيل ليس عندها شيء. والتوأمان درسا لامتحان الغد..
نوال: جيد. اسمع أنا آسفة لأني وبختك في الصباح، أنت تدخلت فيما لا يعنيك.. وآمل أن تساعدني بأمر، لا أريد أن يشعر الأولاد بأي نقص، فلتقوموا بنشاطاتكم المعهودة معا.. وكأن شيئا لم يكن.. مثلا، لماذا لا تذهبون إلى مدينة الألعاب الصغيرة؟؟
يزن: ولكن أنا متعب قليلا.. طيب إن كان هذا ما تريدينه فسآخذهم.
نوال: أجل جيد. أعتقد أن معك ما يكفي من المال، لن أناولك. انتبه على الأولاد، مع السلامة.

بعد وصولهم بقليل، اتصل والد يزن به ليخبره بالعودة فورا..
يزن: لكن يا أبي نحن لم نشترِ التذاكر حتى
أحمد: قلت عودوا الآن. هذا أمر!
يزن: لكن..
أغلق والده الخط قبل أن يكمل.
يزن: اسمعوا، أنا آسف حقا ولكنّ بابا طلب منا العودة
أسيل: مللت منا بهذه السرعة؟؟
يزن: سيلاا ما هذا الكلام! لقد اتصل بابا الآن وأنتم تعلمون كم هو غاضب. هيا فلنرجع. لا تعذّبوني أرجوكم.

فور دخولهم إلى المنزل، استقبله والده بصفعة قويّة. سقط لهول الصدمة على الأرض والدمعة عالقة تأبى النزول.
ركضت نوال لتصعد الأولاد إلى غرفهم، خاصة حين بدأت أسيل بالبكاء..
أحمد: أخبرتك أنا مفلسون، وأنت تذهب بإخوتك الثلاثة لتتسلوا في مدينة الألعااااب؟؟؟ أخبرتك أني بلا عمل، وأنت ماذا فعلت؟ هااا؟ ذهبت لتصرف ما تبقى معنا على مدينة الألعااب؟ أجبني، لماذا سكتّ.. يزن بنيّ، اتصلوا بي من البنك ليخبروني أن أمامنا عدّة أيام لنخلي المنزل.. جئت حائرا كيف أخبركم، لأجدك تضيّع أموالنا على أمر تافه..
يزن: أنا.. أنا آسف، لم أكن.. أنا.. خالتي..
نوال: ألم أمنعك من الخروج؟؟

جاءت نوال وحاولت أن تخرج نفسها من الموضوع:
نوال: منعتك أم لا؟ لماذا لم ترد عليّ.. تفضل الآن هذه المصيبة الجديدة.. أحمد حبيبي اهدأ أرجوك. هذا الصبي طائش، وأنت حملته مسؤولية أكبر من حجمه..
أحمد: اصعد إلى غرفتك الآن. ولا يمكنك الخروج بسيارتك. هي أيضا محجوزة.

#قويٌّ_هَشّ 💜
قويٌّ هَشّ 🌱🍃
(٦)

وضع أحمد يزن في سريره، بدل له ملابسه، وغطاه جيدا..
أحمد: يزن حبيبي، أنت بخير؟؟ هل تسمعني؟؟
نوال: ماذا به؟
أحمد: حرارته مرتفعة، انظري كيف يرتجف.. هل اتصلتِ بالطبيب؟
نوال: لا، سيتحسن من تلقاء نفسه أنا أكيدة.. ثم لا يمكننا تحمل تكاليف طبيبك الخاص الآن..
أحمد: طيب، سننتظر حتى الغد، إن بقي هكذا سآخذه إلى المشفى..
أسيل: بابا، هل سيكون يزَني على ما يرام؟ أنا خائفة..
أحمد: هُسس يا أميرة بابا، أخوكِ قوي لا تخافي عليه، ولا تبكي بجانبه ها، سيحزن لذلك..
أسيل: حسنا..
نوال: أحمد حبيبي قلتَ نريد أن نتحدث
أحمد: صحيح، فلنأجلها حتى ينام الأولاد، أما الآن فأحضري ماء باردة وقطعة قماش.. أريد أن أخفض من حرارته
نوال: حاضرة..

مرّت عدة ساعات وأحمد جالس قرب يزن، يبكي لإحساسه بكل ذاك التقصير، وبعده الدائم عن ابنه.. فهو قد انشغل بعمله كثيرا، لدرجة غاب عن باله أن ابنه في أشد الحاجة لوجوده خاصة في عمره هذا، وفي ظل غياب أمه.. "سامحني يا عمري.. سامح أباك الغافل..
أنا غفلت عن ربي أيضا.. لم أصلِّ منذ زمن.. ااااه يا الله.. شكرا يا ربّ على نعمتك هذه، أن أبعدت عني ثروتي لألتفت إلى ابني.. أسألك أن تهبني الصبر لأجتاز هذا الإمتحان.. عَفوكَ عفوَك.."
نوال: أي نعمة يا حبيبي، هل ارتفعت حرارتك انت أيضا... امممم لا أنت بخير.. نحن سنترك أملاكنا ونرحل، وأنت تقول نعمة؟؟
أحمد: يزن أمانة يا نوال.. وأنا لم أكن أهلا.. وأنتِ.. لم تكوني أهلا!
نوال: ماذا؟
أحمد: وعدتيني أن تكوني أما لا خالة. لكن للأسف..
نوال: من قال هذااا، ابنك في قلبي..
أحمد: يكفي هذا يا نوال. الصبي سيموت من الحزن والغربة وأنت تقولين قلبي. أين كان قلبك عندما ذهبت لأم جاد وأخبرتها عن مشروعك؟ بأي حق تتحدثين باسمي؟؟ لماذا يجب أن أعرف عن طريق الأولاد هاا؟؟
نوال: أنا.. آسفة.. اعتقدت أنك لن تمانع السكن ببيت أهلي ف...
أحمد: أهلك ليسوا المشكلة! كيف سأتخلى عن ولدي لنذهب هناك. أمه ميتة ولكن أباه على قيد الحياة! يمكنك الذهاب متى شئتِ أنا وأولادي سنتدبر أمرنا..
نوال: لاااا ما هذا الكلاام!! لقد أخطأت أرجوك سامحني.. لن أتركك أو الأولاد مستحيل.. لن أعيدها أرجوووك..

نام أحمد بجانب يزن تلك الليلة بقلب مطمئن، بعد أن صلّى لله شكرا، وقضى ما فاته في يومه..

#قويٌّ_هَشّ 💜