مراجعة د. سرى سامي لرواية مئة عام من العزلة

رواية #مائة_عام_من_العزلة
لكاتبها #غابرييل


"دقيقة مصالحة افضل من عمر كامل من الصداقة "

خوسية اركاديو بوين ديا , بعد زواجه من اورسولا , التي اخبرتها امها سلفاً بإن ذريتها ستكون مسخاً , اعتزلت زوجها . وادى انتشار هذا الخبر في القرية التي يعيش فيها خوسية الى مشاكل ادت به الى قتل احد الاشخاص الذين حاولوا استفزازه , و هرباً من شبح القتيل , اخذ خوسية عائلته و اصدقاءهم المقربين الى منطقة نائية وصلوا اليها بعد تعب و تيه و استقروا فيها و اسسوا قرية ماكندو , التي ستدور فيها احداث ستة اجيال متعاقبة .

حسنا ً , يلعن يومك ماركيز ! في بداية الرواية , وحتى بعد المنتصف كل ما دار في خلدي كان هو ان التقييمات العالية للرواية ماهي الا نتيجة لشهرة اولية حصدتها لسبب ما ثم اصبح من " اللائق " تقييمها تقييماً عالياً للتماشي مع الاغلبية , لكن بعد ان وصلت الى الاجزاء الاخيرة بدأت نظرتي تتغير , و في الاخير احتجت لبعض الوقت لاحاول ان اجمع شتات افكاري .
اولا , قراءة واحدة للرواية لم ولن تكفي , يجب قراءتها مرة اخرى , لان التفاصيل المتشعبة و المتشابهة تشوشك والدلالات العميقة تحتاج لقراءة اخرى للمسها , لكن شخصياً لن اخوض في هذه الدوامة الاستفزازية مرة اخرى , فتكرار الاسماء - التي تمتزج مع واقع تكرار تشابه الاحداث- عبر الاجيال المتعاقبة تسبب الحمى , اضافة الى الشخصيات العجيبة المراس والفترات الزمنية التي لم استطع مجاراتها , و الجو الرطب النصف غائم المحيط بالرواية , و غابات و طحالب المنطقة كلها تمنعني من قراءتها مرة اخرى .
ربط ماركيز الشخصيات الغريبة بالارض الغريبة ذاتها , و ما عاصرته من احداث و حروب و تغييرات . تبدو الشخصيات متشباهه الى حد ما , فكلها جمعتها صفة التناقض , الاعتزال , الجنون , النظرة العميقة البعيدة . و يثير ماركيز جنون القارىء حين يعرض الاحداث بواقعية تاماً ثم يتقمص دور الجدة العجوز التي تبدأ بسرد خرافات عجيبة مؤمنة بها اشد الايمان لدرجة تجعلك تقتنع انها حقيقية ! هذا الجو المستفز الملىء بالواقع و الخيال و هذه الاواصر العائلية التي تبدو في حالة انحلال مثيرة للشفقة لكنها اواصر قوية في نفس الوقت , و العبارة التالية جعلتني اشعر بالامتنان للكنة فرناردا :
." بقايا عائلة تعتبرها مثل جسم غريب او مثل خرقة ترفع بها الاوعية او نقش على الحائط "
لانها وصفت العائلة وصفاً دقيقاً لم تستطع تميزه الا بعد ذبول اورسولا . اما العبارة التالية فاثلجت صدري :
" ان نساء هذه العائلة اسوء من اناث البغال "
من خلال كلام اوريليانو يمكن ان تعرف اي نساء صعبات المراس كن , و كما يقال شهد شاهد من اهلهم .
ذلك اضافة للفترة الزمنية الغير معلومة و اعمار الشخصيات التي تعمر طويلاً و اخرى تعيش فترة قصيرة لتنتهي بنهاية مأساوية عجيبة , كل هذا الجو المتناقض يجعلك تنفر من الرواية لكن يجذبك بطريقة اخرى , و كأن للرواية سحراً عجيباً .

قصة الموز والشركة الامريكية ذكرتني بقصة حقيقية , او بالاحرى قصص حدثت في امريكا اللاتينية , ماهي الا ترجمة لاطماع الولايات المتحدة الامريكية في دول امريكا اللاتينية و الشرق الاوسط فما ان اتى هربرت ومدير أعماله السيد براون و حل ضيفاً في ماكوندو و تذوق الموز , و ما ان ظهرت وسائل التطور و الكهرباء .. الخ حتى بدأت مشاكل و مجازر تحدث في هذه القرية البسيطة فااستخدم ماركيز دلالة رائعة لوصف حقيقة ما حدث في كولومبيا انذاك .
" عفواً فهذه الحرب قضت على كل شيء"
و لابد من الاشارة الى الدلالة الرائعة حين سعت والدة اورسولا , ومن بعدها اورسولا خلال ستة اجيال لتمنع اي زواج داخل العائلة , ولكن في النهاية , يسخر القدر و يضحك من محاولاتنا المستميتة لندفع ما هو واقع لا محالة , فمادام هناك سبب , لابد ان تكون نتيجة !


في العادة , خمس ايام هو الحد الاقصى لإنهاء أي رواية , لكن هذه الرواية استغرقت اسبوعين لانهاءها , في البداية بسبب انشغالي ثم بسبب تهربي منها اضافة الى تنقلي من نسختي الورقية بترجمة د.سليمان العطار و النسخة الالكترونية ترجمة صالح علماني . لكن عدا عن كونها رواية ذائعة الصيت , فهي هدية ومن اقرب صديقاتي و كُتِبَ في مقدمتها اهداء صادق , كلها كانت عوامل لتجعل لهذه الرواية تأثير عجيب ❤


ملحمة جيدة , و لا تكفي قراءتها مرة واحدة , تستهلك من قارئها الكثير , و لا اظن انها قابلة للتكرار ,مع ذلك لن انصح بها الا لأشخاص معنين .


و اخيــرا ً .. :

"سيصبح العالم عاهراً عندما يسافر الانسان في الدرجة الاولى و الادب في عربة شحن البضائع " .