دُمَى الآلهة

بكيتُ بشدّةٍ ذاتَ يوم؛ لأخذِ زوجةِ أبي لعبتي الجميلة، وإعطائها لابنتِها المدلّلة، ارتميتُ أنا وحزني وغضبي الشّديدينِ في حضنِ جدّي العجوز، العاجز عن استرداد حقّي المغصوب، فالكهولةُ قد أخذتْ من قواه مأخذها..
مسح على رأسي وأخبرني أنّ الحياةَ أقسى من هذا الذي أبكيه..
_اعتادي يا ابنتي؛ ففي الحياةِ ماهو أمرّ.
_ حقّاً يا جدّي؟! وهل هناك أشدّ من ألمي هذا؟! فليس لي سوى هذه اللعبة...
عُد بي الى أمّي؛ لا أطيقُ المكوثَ هنا في كلِّ هذه العتمة...
ذراعا أمّي المفتوحان قد مثّلا لي حياةً من الرّحمة، رأيتُ فيهما جناحينِ أُحلّقُ بهما الى حيثُ أريد، رغم أنّهما منغرسانِ في جسدِها لكنّ مَن يطير بهما هو أنا.
اشترتْ لي لعبةً ألهو بها رغم أنّي لم أكن بأمسِّ الحاجةِ إليها؛ فالضّجرُ قد أخلا سبيلي مذ أنْ خلا منّي ذاكَ المكان، عدا شوق جدّي الذي ما زال يراودني.
لم تَعُدْ أمّي هذا المساء من العمل! ما الذي حدث؟! الى أين ذهبتْ؟ وكيف تتركني؟!
جنَّ جنوني.. لا أحدَ في البيتِ سواي.
أتّصلُ ولا من مجيب! ما الذي يجري؟!
في الصباح جاءتْ الحافلة المخصّصة لنقلنا الى المدرسة، رفضتُ الذهاب وأعلمتُهم بما أنا فيه، فوعدوني بالمساعدة..
باب المدرسة مزدحم بالمفارز الطّبّيّة! كلُّ مَن يصلِ الباب يتسلّم كمّاماً ويُجبَر على ارتدائه!
_ما الذي يحصل؟!
_لا شيء، افعلوا ما نوجّهكم به الآن، فقط.
اتّصلَ مديرُ المدرسة بالمشفى الذي تعمل فيه أمّي.
لقد حُجرَ عليها داخل المشفى، هي وزملاءها الممرّضين!
_ما الخطب؟! لمَ ذاك؟!
استمرَّ الحالُ عشرة أيّام، ولا أستطيع رؤيتها..
في الليل الأخير من تلك الأيّام العجاف كاد الفقدُ والشّوقُ أنْ يفتكا بي، فأصررتُ على الذّهابِ لزيارتِها..
وصلتُ المشفى، وبعد الاتصال بها، خرجَتْ الى الباب، ركضتُ هامّةً لعناقِها بعد ليلٍ عاشرٍ من الظمأ لدفء أحضانها، وإذا بها تتسمّرُ في مكانها وقد ارتدتْ غطاءً لكاملِ جسدِها وكمّاماً يخفي ملامحَ وجهِها..
أمسكَ بي أحدُهم ومنعني من الاقترابِ منها!
قالت لي الكثير من الكلمات في عينيها الغارقتينِ بدمعِ الوجد، لكنّني لم أسمعْ من لسانِها سوى: (إنّنا نحاربُ وحشاً هنا.. إنْ هزمناهُ فسأعود)..
قالتها وهي تفتحُ ذراعيها لاحتضاني عن بعدٍ عبرَ الهواء..
كان قلبي يرغب بالقفز من صدري إليها..
عانقتُها بقوّةٍ من دونِ لمس، ثمّةَ شيئٌ ما صلد القوام كان قد فصلَ بين جسدينا.. نظراتُ الأسى والحرقةِ وحدها مَن تشابكتْ من دونِ أنْ يقوى أحدٌ على فصلِها..
_(كورونا) الى أينَ تريد؟!
أ كان يعنيكَ جدّي حينَ حدّثني؟؟
__________________

الكاتبة: زهراء ستار الصيمري... ٢٠٢٠/٢/٢٠

#نفخةٌ_في_طينٍ_مالح