✍علي الصلابي
اختلف العلماء المؤرخون وأهل العلم في بداية نشأة المدرسة الإسلامية، فمنهم من قال إنها ظهرت في عهد نظام الملك الذي أنشأ المدرسة النظامية سنة (459 هـ)، ومنهم من قال إنها كانت قد ظهرت قبل ذلك بكثير، ولكن بالرجوع إلى المصادر والكتب المتخصصة نجد أن أول ظهور للمدرسة كان في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجري، وهذه المدرسة هي مدرسة الإمام أبي حفص الفقيه البخاري (150-217 هـ)، ويبدو من نسبتها إلى مؤسسها أنها قد أُسّست في حياته، وأبو حفص البخاري من الفقهاء الذين تزعموا الحركة الفكرية في مدينة بُخارى، ثم نشطت حركة إنشاء المدارس في بلاد المشرق بعد هذا التاريخ.
فقد أُنشئت مدرسة بنيسابور منذ بداية القرن الرابع الهجري [الإدارة التربوية في المدارس في العصر العباسي، ص 94]، أنشأها الإمام أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الشافعي (270-354 هـ).
وكانت المدارس التي أسست في ذلك الوقت مدارس أحادية المذهب تفردت بتدريس مذهب واحد، ذلك لأن التنافس المذهبي الذي كانت تعيشه بغداد حاضرة الخلافة قد امتد إلى بلاد ما وراء النهر [المدرسة مع التركيز على النظاميات، ص 236-237].
ومن الجدير بالذكر أن المدارس كانت قد ظهرت في دمشق قبل ظهورها في بغداد، فقد أُنشئت أول مدرسة فيها عام (391 هـ)، وهذه المدرسة هي المدرسة الصادرية المنسوبة إلى منشئها، صادر بن عبد الله، وتبعه بعد ذلك مقرئ دمشق رشأ بن نظيف إذ أسس المدرسة الرشائية في حدود سنة (400 هـ)، وإلى هذه المدارس خرج الطلبة من الحلق التي كانت تعقد في المسجد، إلى مكان يختص بتلقي علم معين، فيوقف عليهم وعلى شيوخهم المال، وتوفَّر لهم أسباب التعليم.
وفي ما يأتي ذكر لبعض المدارس التي أنشئت قبل المدرسة النظامية، حسب التسلسل الزمني لظهورها، وهي أيضا على سبيل المثال لا الحصر:
مدرسة الإمام أبي حفص الفقيه البخاري (150-217 هـ).
مدرسة ابن حبان، في بداية القرن الرابع الهجري، ففي نحو سنة (305 هـ) شيد أبو حاتم محمد بن حبان البستي دارًا في بلده بست، وجعل فيها خزانة كتب وبيوتًا للطلبة.
مدرسة أبي الوليد، قبل سنة (349 هـ) أنشئت مدرسة أبي الوليد حسان بن أحمد النيسابوري الشافعي (ت 349 هـ)، ويذكر أنه كان كثير الملازمة لها.
مدرسة محمد بن عبد الله بن حماد (ت 388 هـ) الذي وصفه السبكي بأنه كان إلى أن خرج من دار الدنيا وهو ملازم للمسجد ومدرسته.
المدرسة الصادرية أنشأها الأمير شجاع الدولة صادر بن عبد الله سنة (391 هـ)، في مدينة دمشق.
المدرسة البيهقية بنيسابور، أنشئت قبل أن يولد نظام الملك، وقد ولد سنة (408 هـ)، فتكون هذه المدرسة أنشئت قبل هذا التاريخ.
مدرسة أبي بكر البستي (ت 429 هـ)، بناها لأهل العلم بنيسابور على باب داره ووقف جملة من ماله عليها، وكان هذا الرجل من كبار المدرسين والناظرين بنيسابور.
مدرسة الإمام أبي حنيفة، أنشئت بجوار مشهد أبي حنيفة، وأسسها أبو سعد ابن المستوفي، وافتتحت قبل افتتاح المدرسة النظامية بـ5 أشهر [التعليم الإسلامي بين الأصالة والتجديد، ص 351].
وقد ذكر بعض المؤرخين أن الغزنويين اهتموا بالمدارس بفضل اهتمام بعض أمرائهم بها، كالنصر بن سبكتكين حينما كان واليًا على نيسابور، وسماها السعدية، فجاء نظام الملك فوجد أمامه هذه النماذج العديدة من المدارس، ورأى الفاطميين قد سبقوه إلى تشييد الأزهر، والاعتماد عليه في دعوتهم، ودراسة مذهبهم، فكانت هذه مصادر إيحاء وتحفيز لإنشاء مجموعة من المدارس، وليست مدرسة واحدة، لتشارك المجاهدين في حربهم على المبتدعين بالسلاح نفسه.
لقد بدأ التفكير الفعلي في إنشاء هذه المدارس النظامية للوقوف أمام المد الشيعي الإمامي، والإسماعيلي الباطني عقب اعتلاء السلطان ألب أرسلان عرش السلاجقة في عام (455 هـ)، فقد استوزر هذا السلطان رجلًا قديرًا وسنّيًّا متحمسًا، هو الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، الملقب بنظام الملك، فرأى هذا الوزير أن الاقتصار على مقاومة الشيعة الإمامية والإسماعيلية الباطنية سياسيًّا لن يكتب له النجاح إلا إذا وازت هذه المقاومة السياسية مقاومة فكرية، ذلك أن الشيعة إمامية كانوا أو إسماعيلية نشطوا في هذه الحقبة وما قبلها في الدعوة لمذهبهم بوسائل فكرية متعددة، وهذا النشاط الفكري ما كان ينجح في مقاومته إلا نشاط سُنِّيٌّ مماثل يتصدى له بالحجة والبرهان، بخاصة أن السلاجقة ورثوا في فارس والعراق نفوذ بني بويه الشيعيين، وهؤلاء لم يألوا جهدًا في تشجيع الإمامية على نشر فكرهم.
يتبع...
📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55