الجزء الأول...
(١)
عمّان - ٢٠٠٢
٢ وسط ووحدة حلوة صب..
اتفضّل يا مَعِن.. الحساب ٤٥ قرش..
يسلموا أبو طارق..
قبل الثورة السوشيال ميديّة كانت أيّام اسلاك الإنترنت ومقاهيها.. وقتها، إذا كنت من أصحاب الأوضاع المرتاحة وعندك نت بالبيت وبدّك تشبك، ف لازم كان تفصل التلفون الأرضي! ومش الكل كان معه "خلوي".. فكانت تصير ثورات ربيع مصغّرة بالبيت بين شعبين.. واحد بدّه الانترنت وواحد بدّه التلفون.. وياما صارت حوادث قطع أسلاك أو تخريب أملاك عائدة للدولة زي الهاتف.. بس بأغلب المرّات كان ينتهي الموضوع ع خير باستسلام أحد الأطراف أو توقيع معاهدة تناوب قبل حدوث أي خسائر بشريّة..
يومها وبعد عزومة الجمعة الروتينية العائلية المقيتة.. كنت قاعد بغزل بشباك الحب العنكبوتيّة مع "lonely_heart” على ال mirc ((برنامج محادثة انتشر في بدايات الألفيّة، وهو عبارة عن غرف محادثة بأسماء وهميّة)).. واحنا داخلين ع الساعة الثالثة فصل النت ع صوت امّي وهيّ ماسكة سلك النت كأنها عشماوي وحيلِفُّه على رقبتي وبتصرّخ بدها التلفون تحكي مع أختها.. سحبت حالي وحكيت مع ياسر ومحمّد واطلعنا نتسمم قهوة ع تلّة عبدون..
كانت هاي التّلة مقصد سياحي اجتماعي ثقافي هملي داخلي بوقتها لكل شباب عمّان.. كنّا نجتمع خميس أو جمعة المسا.. نشرب قهوة من عند كشك أبو طارق.. أو اي مُحَرّمات حدا من الشباب بعزّنا فيها وياسلام اذا فيه لفّة عشب أخضر اتودّيك لعالم حنون واتنسّيك صياح دكتور الماجنتكس الصّبح وهوّ ايهددك بتعتيلك المادّة عتالة.. بعديها بِنطلّع كل قرف الأسبوع بكوشوك السيّارة وهيّ اتلفّ اتسوّي خمسات.. وانجيب سيرة كم بنت بالعاطل وانقضيها تطعيم قبل ما انروّح عطول بس "البلو فيج" ايطفّي الإنارة وقبل ما تيجي دورية أو بك اب أزرق ايقولنا "هويّاتكو شباب"..
خذ قهوتك ياسر..
يسلمو يا معن، ما حكيتلي، شو آخر أخبار ال "lonely_heart” يازلمة؟
يا زلم هاي البنت ش.....، إلها شهر مش راضية تعطيني رقمها، مقضيّاها حب وما حب.. زي اللي بدها تتجوز بس خايفة تحمل!..
ههههه... طيب خلص احلقلها يازلمة اذا ما في أمل! شو بدّك اتضّلك اتحب فيها عن بعد لإيمتا؟! اتخيّل تطلع بالأخير شب وايخوزقك؟!
لا لا.. شو امفكّرني حمار يازلمة! بنت أكيد بنت..
ان شاء الله..
وين محمد؟! ما بدّه يشرب قهوة؟
كان مزنوق، نزل يسويها تحت التّلة..
يازلمة قد ما بينحصر هالبني آدم!..
كانت مثانة محمّد الصغيرة مشهورة أيام الجامعة.. "دكتور بدّي أروح ع الحمّام".. هاي كانت عبارته الشهيرة بأي محاضرة، لاب أو حتى قاعة امتحان.. لدرجة انّه مرّة دكتور النيوماريكالس لحقه ع الحمّام ليتأكد انّه ما بحشش قد ما شك فيه! وبعد ما طلع محمّد من الحمام وشافه الدكتور اقترح ايحطلّه عدّاد بين افخاده ليحسب عدد مرّات التبوّل واوقاتها ليتفادى الحرج!
بس اللّي ما كان الدكتور يعرفه انّه هاي المثانة انخلقت بهالشكل لكشف جريمة كبيرة كتير.. وما اعرفنا لحد ما اجا محمّد ركض من تحت التّلة وهوّ ايصرّخ وبنطلونه ساحل..
(٢)
في "الأحمر".. بمكان آخر في نفس المدينة..
عامر، وين سارة؟ ما إجت اليوم؟
لا ما اجت.. وبرن عليها موبايها مغلق..
طيب شو بدنا انسوي؟ الزباين بتسأل عليها!
خلص ابعتيلهم فيرونيكا او البنت الجديدة ألينا اللّي اجت امبارح..
يازلمة فيرونيكا ختيارة، وهاي الطرمة ألينا بتحكيش عربي وانجليزيتها مكسّرة، أنا مش عارف معلمك أبو الوليد من أي قرية بروسيا جايبها!
أنا عامر.. عمري ٢٨ سنة.. بشتغل مدير صالة بنادي "الأحمر" اللّيلي.. متديّن، متجوّز وعندي بنت.. ما تحكولي ليش اشتغلت هالشغلة بس واحد زي حالاتي مش دارس ومضطّر ايطعمي عيلته وأهله وايصرف ع اخوانه الصغار شو ايسوّي؟ بانتظاري أفواه بدها تبلع بالبيت أو بتبلعني! ما لقيت غير هالشغلة.. كنت كل يوم بس أروّح أتحمم وأتوضى وأصلّي وادعي ربّي يبعتلي غيرها بس لهلأ ما أذن.. اوعكم اتفكروا انّي بَسَيّس بنات لطاولات الزباين لأغراض مُحرّمة! لا والله، كل الموضوع انهم بكونوا بدهم قعدة طريّة اتنسيهم البلدوزرز اللّي عندهم بالبيت واترجعلهم شبابهم شوي.. هاد كل اللّي كان بصير ب "الأحمر"، بس برّا هاد المحل شو بصير أنا ما دخلني!..
(٣)
إجت الشرطة بسرعة.. قبل حتّى ما نقدر انخبّي زجاجة الجاك دانيلز.. فاضطرّينا وكلنا أسى انّه نرميها بالتّلة بعد مسح البصمات!
وين الجثة؟!
تحت سيدي تحت بالتّلة!
طيّب خلّيكوا هون ما حدا يتحرك هاد مسرح جريمة!..
نزلت الشرطة وكشفت عن الجثّة.. ما اقدرنا نمسك حالنا وانزلنا نشوف.. الجثّة لبنت عشرينيّة.. شعرها أشقر وبيضا.. جسمها عاري بالكامل.. مساحات الجروح محتلّة أغلب جسمها.. مطعونة من الرقبة لحد العظم، وببطنها كان جزء من مصارينها الغليظة الطويلة طالع.. الجثّة كانت مغطّية ببول محمد اللّي استغرب من صوت الطرطشة، ولّع القدّاحة ليشوف مصدرها فكمّلها ع حاله..
اجى البحث الجنائي وتخطيط الجرائم ومسرح الجريمة والمباحث.. باختصار كان إعلان رسمي بانتهاء عهد تلّة عبد