#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ1ـلـقـة}
_____
💫لما تدهورت أحوال الدولة الطولونية في أيامها الأخيرة في مصر تطلعت دولة الخلافة العباسية إلى استعادتها والسيطرة عليها من جديد بعد أن غلَّ الطولونيون يد الدولة العباسية عنها زمنا طويلا، فأرسلت من قبلها جيشا من العراق يقوده محمد بن سليمان لإعادة مصر إلى حوزتها، وكان من بين قادته “طغج بن محمد”، فلما نجح الجيش في مهمته واستعاد مصر للدولة العباسية عين “طغج” واليًا على قنسرين في بلاد الشام، ثم ما لبث أن انتقل إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية مصطحبًا معه ابنيه محمد وعبيد الله، والتحقوا بخدمة الخليفة العباسي المكتفي بالله (289-295هـ = 901-908م)، غير أن الأيام عبست في وجه “طغج بن محمد” فغضب عليه الخليفة العباسي وألقى به في غياهب السجن ومعه ولداه، وظل محبوسا حتى توفي وخرج ابناه من السجن، فالتحق عبيد الله بخدمة أمير شيزار بفارس، في حين التحق محمد بخدمة أحمد بن بسطام عامل الخراج بالشام.

💫ميلاد الدولة الإخشيدية
ولما انتقل “ابن بسطام” إلى مصر لتولي خراجها، استمر محمد بن طغج في خدمته، ثم التحق بعد وفاته بخدمة ابنه “علي بن أحمد” الذي خلف أباه في منصب الخراج، وظل يعمل معه حتى عزل عن خراج البلاد سنة (300 هـ = 912م) وبقي في مصر لم يغادرها واتصل بواليها “تكين”، وعمل معه في صفوف جيشه، وبدأ في الظهور والتألق، فاشترك معه في صد هجمات الفاطميين، في المغرب التي كانت تتطلع إلى مصر لضمها إليها وانتزاعها من الدولة العباسية، ورشحته كفاءته لتولي المناصب القيادية، فتولى إدارة مدينة الإسكندرية سنة (307هـ = 919م)، وأظهر مهارة وقدرة في إدارتها والدفاع عنها جعلت الخليفة العباسي المقتدر بالله يعهد إليه بإدارة الرملة بفلسطين سنة (316 هـ = 928م)، ثم بولاية دمشق سنة (319هـ = 931م)، ثم أضاف إليه الخليفة العباسي “القاهر بالله” ولاية مصر سنة (321هـ = 933م) لكنه لم يذهب إليها بسبب الفتن التي كانت تعصف بها.

💫ولاية مصر
لم يجد الخليفة العباسي الراضي بالله خيرًا من محمد بن طغج ليوليه مصر، ويعيد إليها الأمن والسلام، وقمع فيها الفتن والثورات، فعهد إليه بها سنة (323هـ = 935م) واستعد ابن طغج لما أسند إليه، وتجهز للأمر وأعد عدته، والأمر ليس هينًا بعد أن وقف في وجهه أحمد بن كيفلج والي مصر السابق، ومحمد بنعلي الماذرائي عامل الخراج، وحالا بينه وبين تولي مقاليد الأمور، فلجأ ابن طغج إلى سلاح القوة والبطش فتسلح بهما، واتجه إلى مصر على رأس حملة عسكرية برية، ترافقه حملة بحرية نجحت في الاستيلاء على ثغور مصر في دمياط، وسارت في النيل حتى بلغت “سمنود”، وهناك التقت بسفن ابن كيلخ والماذرائي وألحقت بهما هزيمة ساحقة في (شعبان 323هـ = يوليو 935م)، وواصلت سيرها حتى بلغت جزيرة الروضة بالقاهرة، وفي أثناء ذلك كانت قوات ابن طغج البرية قد نجحت في فتح مدينة الفسطاط في (رمضان 323هـ= أغسطس 935م).

وما كادت أقدامه تستقر في عاصمة البلاد حتى بدأ في تثبيت نفوذه، والضرب بشدة على الخارجين على النظام، والقضاء على القلاقل التي يثيرها أنصار الحاكم السابق، والعمل على صد هجمات الفاطميين الذين لم ييئسوا في ملاحقته بحملاتهم العسكرية المتكررة، وقد أدت جهوده إلى استقرار الأوضاع في مصر، وتلقيب الخليفة له بلقب الإخشيد، وهو لقب كان يطلق على ملوك فرغانة، وهي إحدى بلاد ما وراء النهر التي تتاخم بلاد التركستان، ويعني هذا اللقب باللغة التركية “ملك الملوك”.

💫عقبات في طريق الإخشيد
غير أن هذا الاستقرار الذي حققه الإخشيد في مصر والشام كدَّر صفوة تطلع ابن رائق الملقب بأمير الأمراء إلى الشام وكان يتقلد إمارة الجيش ببغداد، وخرج جميع البلاد الإسلامية التابعة لدولة الخلافة العباسية، فأخذ يهدد الإخشيد ويطالبه بمال كأنه جزية على الممتلكات الإخشيدية في الشام، فلم يرق ذلك للإخشيد، واشتعل القتال بينهما حتى تم الصلح بينهما على أن يحكم ابن رائق الولايات الشامية شمال الرملة، وأن يدفع الإخشيد إليه جزية سنوية قدرها 140 ألف دينار، على أن الإخشيد لم يلبث أن استعاد الشام بعد مقتل ابن رائق سنة (330هـ – 941م)، فدخل دمشق وفرض حكمه بحد السيف، وأصبحت الشام كلها تحت سيطرته، وأضاف إليه الخليفة العباسية “المتقي بالله” مكة والمدينة.
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ2ـلـقـة }
_____
💫الخليفة العباسي يستنجد بالإخشيد

نجح الإخشيد في أن يوطد علاقته بالخليفة التقي بالله ويوثق عرى المودة بينهما، إلى الحد الذي جعل الخليفة يستنجد به بعد أن ساءت العلاقة بينه وبين “تغرون” أمير الأمراء، فكتب إليه أنه سائر للقائه في “الرقة” بالعراق سنة (333 هـ = 944م)، وفي هذا اللقاء بالغ الإخشيد في إظهار آيات الولاء للخليفة العباسي، وعرض عليه أن يسير معه إلى مصر ويكون هو ورجاله في خدمته، لكن الخليفة العباسي رفض دعوة الإخشيد، ومع ذلك فقد حصل على تقليد جديد من الخليفة بولاية مصر، وحق توريث إمارتها لأبنائه من بعده لمدة ثلاثين سنة قائلا له: “وليتك أعمالك ثلاثين سنة فاستخلف لك أونوجور”، وهو أحد أبناء محمد بن طغج.

💫الإخشيد والحمدانيون

ولما عاد الإخشيد إلى مصر بعد لقاء الخليفة العباسي رأى سيف الدولة الحمداني الفرصة سانحة للاستيلاء عليها وانتزاعها من أيدي الإخشيديين، بعد أن نجح في تكوين دولة قوية، فسار إلى حلب وقنسرين وحمص وأنطاكية والثغور الشامية، فاستولى عليها، فلما وصلت هذه الأنباء الإخشيد خرج على رأس جيش كبير للقاء سيف الدولة الحمداني، ووقعت بينهما معركة عند قنسرين بالقرب من حلب، وكان النصر فيها للإخشيد، لكنه لم يكن نصرًا حاسمًا، وهو ما دعا الإخشيد إلى الجنوح إلى السلم والميل إلى الصلح، فعقدت بينهما معاهدة في (ربيع الأول 334هـ = 945م)، واتفقا على أن يكون لسيف الدولة من حمص وأعمالها إلى الشام، وأن يكون للإخشيد من دمشق وأعمالها جنوبا، وزيادة في توثيق الصلح بين الطرفين، تزوج سيف الدولة من فاطمة بنت عبيد الله بن طغج، وسار إلى حلب واستقر بها، وسار الإخشيد إلى دمشق واستقر بها إلى أن مات فيها في (24 من ذي القعدة 335هـ = 16 من يونيو 946م)، وهو في السادسة والستين من عمره، بعد أن حكم مصر والشام إحدى عشرة سنة، ونقل جثمانه إلى بيت المقدس حيث دفن هناك، وتولى بعده ابنه أبو القاسم أونجور، ولما كان صغيرا لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره لا يستطيع النهوض بأعباء الحكم، فقد تولى كافور الإخشيد تدبير أمره وإدارة شئون الدولة.

💫العطاء الحضاري

ونظرًا لطموح الإخشيد في بناء دولة قوية ثابتة الأركان فقد عنى بالجيش وما يتصل به عناية فائقة، حتى بلغ عدده في بعض الروايات التاريخية أربعمائة ألف جندي من مختلف الأجناس في مصر والشام، وأنشأ دارا لصناعة السفن بساحل الفسطاط، وأطلق عليها دار الصناعة الكبرى، وجعل من دار الصناعة التي في جزيرة الروضة بستانا فائق الروعة والجمال بالغ الحسن والبهاء، أطلق عليه المختار، وكان يفاخر به أهل العراق، وأنشأ بستانًا آخر في شمال الفسطاط عرف باسم البستان الكافوري، ومكانه اليوم سوق النحاسين بالقاهرة.

وكان بلاط الإخشيد مجمعا للعلماء وملتقى لأهل اللغة والأدب، يصلهم بعطاياه، ويمنحهم جوائزه، وكانت البلاد غنية بهم، واشتهر منهم في الفقه والحديث أبو إسحاق المروزي، وأبو سعيد عبد الرحمن بن يونس، وفي التاريخ ابن دحية، والكندي وابن البطريق، ومن النحاة أحمد بن محمد بن ولاد، ومن الشعراء أبو الفتح محمد الحسين المعروف بكشاجم.

ونهض الإخشيد بالحياة الاقتصادية للدولة، فزادت غلة الأرض وازدهرت الصنعة ونشطت التجارة، وقد أعجب المؤرخ المعروف أبو الحسن علي المسعودي بالنهضة التي أحدثها الإخشيد، وسجل ذلك في كتبه ومؤلفاته حين زار مصر.

وعنى الإخشيد بزيادة العمران وتشييد القصور وإقامة البساتين وإنشاء المساجد، والبيمارستانات لاستقبال المرضى ومعالجتهم.

وفي عهد الإخشيد ظهر منصب الوزير رسميًا لأول مرة في مصر، وكان أبو الفتوح الفضل بن جعفر الفرات هو أول من تولى هذا المنصب حتى وفاته سنة(327هـ =939م) ثم خلفه ابنه جعفر بن الفضل.

ويذكر للإخشيد أنه كان يجلس للنظر في المظالم يوم الأربعاء من كل أسبوع، وكان ذا دين يحب الصالحين ويتقرب إليهم ويحضر مجالسهم، وقد دفعته هذه النزعة الطيبة إلى هدم أماكن الفساد واللهو وإغلاقها.

وتصفه الحوليات التاريخية بأنه كان مَلِكًا حازما متيقظا لأمور دولته، حسن الرأي والتدبير شديد البطش، ذا قوة مفرطة قوي الساعدين حتى لا يستطيع غيره أن يجر قوسه، وفي الوقت نفسه وصفته بحبه الشديد للمال وميله إلى مصادرة أموال كبار رجاله لأدنى شبهة، أو لسد نفقات الدولة والإنفاق على جيشه، وقد جمع من المُصادرة أموالاً كثيرة بالغ المؤرخون في تقديرها بعد وفاته.
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ3ـلـقـة }
______
💫كافور وأولاد الإخشيد

وُلد «كافور» بين سنتى (291 و308هـ) فلم تُحدَّد سنة ولادته تحديدًا دقيقًا - وكانت كنيته «أبا المسك»، وبدأ حياته مملوكًا بسيطًا، اشتراه «محمد بن طغج» من رجل يُدعَى «محمود بن وهب»، وتوسَّم فيه «الإخشيد» الذكاء، فاحتفظ به ورباه فى بيته تربية عالية، فلما رآه يتقدم ازداد إعجابه به واختصه من بين عبيده وأولاه ثقته وأعتقه، وأخذ يرقيه فى بلاطه حتى جعله من كبار قواده؛ لما يتمتع به من ذكاء وصفات طيبة، وبعثه قائدًا أعلى على رأس جيوشه لمحاربة أعداء الدولة، وعهد إليه بتربية ولديه «أبى القاسم أنوجور» و «أبى الحسن على»، كما عهد إليه بأن يكون وصيا عليهما فى الحكم من بعده.

💫وصاية كافور على أنوجور وأبى الحسن

عندما تولَّى «أنوجور» حكم «مصر» سنة (334هـ) كان لايزال طفلا صغيرًا لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، فقام «كافور» بتدبير أموره وأمور الدولة، وبقيت علاقتهما - كما كانت - علاقة الأستاذ بتلميذه، وأصبح «كافور» صاحب السلطان المطلق فى إدارة الدولة الإخشيدية، واستطاع التغلب على المشاكل التى قابلت الدولة فى مستهل ولاية «أنوجور»، وتمكن من القبض على زمام الأمور بيده،وخاطبه الناس بالأستاذ، وذُكِرَ اسمه فى الخطبة، ودُعى له على المنابر فى «مصر» والبلاد التابعة لها، كما عامل رؤساء الجند وكبار الموظفين معاملة حسنة، فاكتسب محبتهم واحترامهم، فلما كبر «أنوجور» شعر بحرمانه من سلطته، فظهرت الوحشة بينه وبين أستاذه «كافور»، وحاول البعض أن يوقع بينهما، وطلبوا من «أنوجور» أن يقوم بمحاربة «كافور»، فلما علمت أم «أنوجور» بذلك خافت عليه، وعملت على الصلح بينه وبين «كافور»، وما لبث «أنوجور» أن مات سنة (349هـ).

💫ولاية كافور على مصر [355 - 357هـ]
كان ولى عهد «أنوجور» فى الحكم ولدًا صغيرًا هو «أحمد بن أبى الحسن على»، فحال «كافور» دون توليته بحجة صغر سنه، واستصدر كتابًا من الخليفة العباسى يقره فيه على توليته «مصر» سنة (355هـ) بدلا من هذا الطفل الصغير، فتولى «كافور» «مصر» وما يليها من البلاد ولم يغير لقبه «الأستاذ»، ودُعِى له على المنابر بعد الخليفة.

وبالرغم من أنَّ المؤرخين وصفوه بأنَّه حاكم عادل ، إلَّا أن شهرته ارتبطت بالقصائد الساخرة الموجهة ضده من قبل المتنبي. ترجم له الذهبي في النبلاء ، قال: وكان مهيبًا ، سائسًا ،حليما ، جوادًا ، وقورًا ، لا يشبه عقله عقول الخُدَّام ، ودُعِي لكافور عَلَى منابر الشام ومصر والحرمين والثغور ، وكان ملازمًا لمصالح الرعية ، وكان يتعبد ويتهجد، ويمرغ وجهه ، ويقول : اللَّهُمَّ لا تسلط علي مخلوقًا. وكان يقرأ عنده السير والدول ، وكان فطنا ، يقظا ذكيا وله نظر في الفقه والنحو ، وفيه حُلم زائد ، وكف عن الدماء ، وجودة في التدبير .

مات كافور سنة (357هـ)، فاختار الجند - بعد وفاته - «أبا الفوارس أحمد بن على بن الإخشيد» واليًا على «مصر» وما حولها، وكان طفلا لم يبلغ الحادية عشرة من العمر، فلم تستقر البلاد فى عهده حتى دخلها العبيديون سنة (358هـ).

💫 علاقة الدولة الإخشيدية بالخلافة العباسية

كانت علاقة «الإخشيد» بمركز الخلافة العباسية علاقة طيبة فى بادئ الأمر، إلا أن «ابن رائق» أمير الأمراء كانت له الغلبة فى مركز الخلافة، وحنق على «الإخشيد»، وحاول أن يستولى منه على«مصر» والشام، ولكن صلحًا تم بينهما أمام الخليفة الذى أقر «الإخشيد» على ما تحت يديه من ولايات، وكان الخليفة «المتقى» على صلة طيبة بالإخشيد، وعزم على نقل مقر الخلافة إلى «مصر»، للتخلص من نفوذ الأتراك، ولكن ذلك لم يتحقق، فعمل الخليفة العباسى على تقوية جانب «الإخشيد» ماديا وأدبيا، ليلجأ إليه عند الحاجة، ومد سلطانه وولاه «مكة» و «المدينة» إلى جانب «مصر» والشام، كما جعل هذه الولاية له ولأولاده من بعده مدة ثلاثين عامًا.

أما علاقة «كافور» بالخلافة العباسية فكانت علاقة وئام ووداد، واتضحت هذه العلاقة حين سار «كافور» بابنى «الإخشيد»:

«أنوجور» و «على» إلى «بغداد»؛ لتجديد ولاء الإخشيديين للخلافة العباسية، غير أن «كافور» سمح -فى عهده - لدعاة الفاطميين بدخول «مصر» والدعوة لمذهبهم فيها، فهيأ بذلك الظروف لدخول الفاطميين «مصر» سنة (358هـ).
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ4ـلـقـة }
_____
💫الدولة الإخشيدية في عيون المؤرخين المسلمين :

لقد أشاد المؤرخون بمحمد بن طغج الإخشيد ومدحوه فوصفه المقريزي قائلاً: "وكان حازمًا شديد التيقظ في حروبه حسن التدين مكرمًا للأجناد شديد القوى لا يكاد يجر قوسه غيره, حسن السيرة في الرعية نجيبًا شهمًا".

ويقول ابن تغري بردي: "وكان كافور عاقلاً سيوسًا".

وقال الذهبي: "وكان كافور يدني الشعراء ويجيزهم، تقرأ عنده في كل ليلة السير وأخبار الدولة الأموية والعباسية وله ندماء، وكان عظيم الحمية.. زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيد، وكان كريمًا كثير الخلع والهبات، خبيرًا بالسياسة، فطنًا ذكيًّا جيد العقل داهية، كان يهادي المعز صاحب المغرب ويظهر ميله إليه، وكذا يذعن بالطاعة لبني العباس، ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء، وتم له الأمر".

كان مغرمًا بالرمي، وكان يداوم الجلوس غدوة وعشية لقضاء حوائج الناس، وكان يتهجد ويمرغ وجهه ساجدًا ويقول: "اللهُمَّ لا تُسلِّط عليَّ مخلوقًا".

أما الدكتورة/ سيدة إسماعيل كاشف فتقول: ومع أن استقلال مصر في العصر الإخشيدي كان استقلالاً ملموسًا لا شك فيه وإن ظلت الروابط الروحية ومقتضيات الأحوال السياسية تربطها بالحكومة المركزية في بغداد من غير أن تصل بها إلى التبعية المطلقة, شأنها في ذلك شأن الدولة الطولونية، إلا أن استقلال الطولونيين كان يبدو لبعض الباحثين أوضح وأظهر أثرًا، ولعل السبب في هذا أن الإخشيديين لم يحاربوا الحكومة المركزية في بغداد صراحة كما فعل أحمد بن طولون وابنه خمارويه.

ويقول الدكتور/ محمود الحويري: "هنا نلاحظ أن استقلال مصر في عصر الإخشيديين في ظل تبعية اسمية للخلافة العباسية لهو خير دليل على احتفاظ مصر بشخصيتها على نسق فريد، يختلف تمامًا عن الدويلات التي قامت في العالم الإسلامي، والتي نزعت إلى الاستقلال القومي في فارس في القرنين الثالث والرابع الهجري ( التاسع والعاشر الميلادي )".

ويقول الدكتور/ حسن أحمد محمود، والدكتور/ أحمد إبراهيم الشريف: "إن الدولة التي أقامها الإخشيد في مصر أتاحت للشعب المصري أن يعيش فترة من الزمن في هدوء واستقرار بعيدًا عن الفوضى والفتن التي انتابت الخلافة العباسية، ومن أجل المحافظة على نفوذه في مصر والشام أسس الإخشيد جيشًا قويًّا ليعزز سياسته الداخلية والخارجية على غرار ما فعله أحمد بن طولون قبله, كما سار على نفس السياسة التي سار عليها وهي تقربه من المصريين واكتساب ودهم والفوز بولاء الأقباط الذين كانوا لا يزالون في ذلك الوقت قوة يحسب لها حساب".

💎المصدر /موقع إسلام أون لاين / موقع قصة الاسلام
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
Forwarded From 📚 من عمق التاريخ الإسلامي 📚
#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ2ـلـقـة }
_____
💫الخليفة العباسي يستنجد بالإخشيد

نجح الإخشيد في أن يوطد علاقته بالخليفة التقي بالله ويوثق عرى المودة بينهما، إلى الحد الذي جعل الخليفة يستنجد به بعد أن ساءت العلاقة بينه وبين “تغرون” أمير الأمراء، فكتب إليه أنه سائر للقائه في “الرقة” بالعراق سنة (333 هـ = 944م)، وفي هذا اللقاء بالغ الإخشيد في إظهار آيات الولاء للخليفة العباسي، وعرض عليه أن يسير معه إلى مصر ويكون هو ورجاله في خدمته، لكن الخليفة العباسي رفض دعوة الإخشيد، ومع ذلك فقد حصل على تقليد جديد من الخليفة بولاية مصر، وحق توريث إمارتها لأبنائه من بعده لمدة ثلاثين سنة قائلا له: “وليتك أعمالك ثلاثين سنة فاستخلف لك أونوجور”، وهو أحد أبناء محمد بن طغج.

💫الإخشيد والحمدانيون

ولما عاد الإخشيد إلى مصر بعد لقاء الخليفة العباسي رأى سيف الدولة الحمداني الفرصة سانحة للاستيلاء عليها وانتزاعها من أيدي الإخشيديين، بعد أن نجح في تكوين دولة قوية، فسار إلى حلب وقنسرين وحمص وأنطاكية والثغور الشامية، فاستولى عليها، فلما وصلت هذه الأنباء الإخشيد خرج على رأس جيش كبير للقاء سيف الدولة الحمداني، ووقعت بينهما معركة عند قنسرين بالقرب من حلب، وكان النصر فيها للإخشيد، لكنه لم يكن نصرًا حاسمًا، وهو ما دعا الإخشيد إلى الجنوح إلى السلم والميل إلى الصلح، فعقدت بينهما معاهدة في (ربيع الأول 334هـ = 945م)، واتفقا على أن يكون لسيف الدولة من حمص وأعمالها إلى الشام، وأن يكون للإخشيد من دمشق وأعمالها جنوبا، وزيادة في توثيق الصلح بين الطرفين، تزوج سيف الدولة من فاطمة بنت عبيد الله بن طغج، وسار إلى حلب واستقر بها، وسار الإخشيد إلى دمشق واستقر بها إلى أن مات فيها في (24 من ذي القعدة 335هـ = 16 من يونيو 946م)، وهو في السادسة والستين من عمره، بعد أن حكم مصر والشام إحدى عشرة سنة، ونقل جثمانه إلى بيت المقدس حيث دفن هناك، وتولى بعده ابنه أبو القاسم أونجور، ولما كان صغيرا لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره لا يستطيع النهوض بأعباء الحكم، فقد تولى كافور الإخشيد تدبير أمره وإدارة شئون الدولة.

💫العطاء الحضاري

ونظرًا لطموح الإخشيد في بناء دولة قوية ثابتة الأركان فقد عنى بالجيش وما يتصل به عناية فائقة، حتى بلغ عدده في بعض الروايات التاريخية أربعمائة ألف جندي من مختلف الأجناس في مصر والشام، وأنشأ دارا لصناعة السفن بساحل الفسطاط، وأطلق عليها دار الصناعة الكبرى، وجعل من دار الصناعة التي في جزيرة الروضة بستانا فائق الروعة والجمال بالغ الحسن والبهاء، أطلق عليه المختار، وكان يفاخر به أهل العراق، وأنشأ بستانًا آخر في شمال الفسطاط عرف باسم البستان الكافوري، ومكانه اليوم سوق النحاسين بالقاهرة.

وكان بلاط الإخشيد مجمعا للعلماء وملتقى لأهل اللغة والأدب، يصلهم بعطاياه، ويمنحهم جوائزه، وكانت البلاد غنية بهم، واشتهر منهم في الفقه والحديث أبو إسحاق المروزي، وأبو سعيد عبد الرحمن بن يونس، وفي التاريخ ابن دحية، والكندي وابن البطريق، ومن النحاة أحمد بن محمد بن ولاد، ومن الشعراء أبو الفتح محمد الحسين المعروف بكشاجم.

ونهض الإخشيد بالحياة الاقتصادية للدولة، فزادت غلة الأرض وازدهرت الصنعة ونشطت التجارة، وقد أعجب المؤرخ المعروف أبو الحسن علي المسعودي بالنهضة التي أحدثها الإخشيد، وسجل ذلك في كتبه ومؤلفاته حين زار مصر.

وعنى الإخشيد بزيادة العمران وتشييد القصور وإقامة البساتين وإنشاء المساجد، والبيمارستانات لاستقبال المرضى ومعالجتهم.

وفي عهد الإخشيد ظهر منصب الوزير رسميًا لأول مرة في مصر، وكان أبو الفتوح الفضل بن جعفر الفرات هو أول من تولى هذا المنصب حتى وفاته سنة(327هـ =939م) ثم خلفه ابنه جعفر بن الفضل.

ويذكر للإخشيد أنه كان يجلس للنظر في المظالم يوم الأربعاء من كل أسبوع، وكان ذا دين يحب الصالحين ويتقرب إليهم ويحضر مجالسهم، وقد دفعته هذه النزعة الطيبة إلى هدم أماكن الفساد واللهو وإغلاقها.

وتصفه الحوليات التاريخية بأنه كان مَلِكًا حازما متيقظا لأمور دولته، حسن الرأي والتدبير شديد البطش، ذا قوة مفرطة قوي الساعدين حتى لا يستطيع غيره أن يجر قوسه، وفي الوقت نفسه وصفته بحبه الشديد للمال وميله إلى مصادرة أموال كبار رجاله لأدنى شبهة، أو لسد نفقات الدولة والإنفاق على جيشه، وقد جمع من المُصادرة أموالاً كثيرة بالغ المؤرخون في تقديرها بعد وفاته.
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
Forwarded From 📚 من عمق التاريخ الإسلامي 📚
#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ3ـلـقـة }
______
💫كافور وأولاد الإخشيد

وُلد «كافور» بين سنتى (291 و308هـ) فلم تُحدَّد سنة ولادته تحديدًا دقيقًا - وكانت كنيته «أبا المسك»، وبدأ حياته مملوكًا بسيطًا، اشتراه «محمد بن طغج» من رجل يُدعَى «محمود بن وهب»، وتوسَّم فيه «الإخشيد» الذكاء، فاحتفظ به ورباه فى بيته تربية عالية، فلما رآه يتقدم ازداد إعجابه به واختصه من بين عبيده وأولاه ثقته وأعتقه، وأخذ يرقيه فى بلاطه حتى جعله من كبار قواده؛ لما يتمتع به من ذكاء وصفات طيبة، وبعثه قائدًا أعلى على رأس جيوشه لمحاربة أعداء الدولة، وعهد إليه بتربية ولديه «أبى القاسم أنوجور» و «أبى الحسن على»، كما عهد إليه بأن يكون وصيا عليهما فى الحكم من بعده.

💫وصاية كافور على أنوجور وأبى الحسن

عندما تولَّى «أنوجور» حكم «مصر» سنة (334هـ) كان لايزال طفلا صغيرًا لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، فقام «كافور» بتدبير أموره وأمور الدولة، وبقيت علاقتهما - كما كانت - علاقة الأستاذ بتلميذه، وأصبح «كافور» صاحب السلطان المطلق فى إدارة الدولة الإخشيدية، واستطاع التغلب على المشاكل التى قابلت الدولة فى مستهل ولاية «أنوجور»، وتمكن من القبض على زمام الأمور بيده،وخاطبه الناس بالأستاذ، وذُكِرَ اسمه فى الخطبة، ودُعى له على المنابر فى «مصر» والبلاد التابعة لها، كما عامل رؤساء الجند وكبار الموظفين معاملة حسنة، فاكتسب محبتهم واحترامهم، فلما كبر «أنوجور» شعر بحرمانه من سلطته، فظهرت الوحشة بينه وبين أستاذه «كافور»، وحاول البعض أن يوقع بينهما، وطلبوا من «أنوجور» أن يقوم بمحاربة «كافور»، فلما علمت أم «أنوجور» بذلك خافت عليه، وعملت على الصلح بينه وبين «كافور»، وما لبث «أنوجور» أن مات سنة (349هـ).

💫ولاية كافور على مصر [355 - 357هـ]
كان ولى عهد «أنوجور» فى الحكم ولدًا صغيرًا هو «أحمد بن أبى الحسن على»، فحال «كافور» دون توليته بحجة صغر سنه، واستصدر كتابًا من الخليفة العباسى يقره فيه على توليته «مصر» سنة (355هـ) بدلا من هذا الطفل الصغير، فتولى «كافور» «مصر» وما يليها من البلاد ولم يغير لقبه «الأستاذ»، ودُعِى له على المنابر بعد الخليفة.

وبالرغم من أنَّ المؤرخين وصفوه بأنَّه حاكم عادل ، إلَّا أن شهرته ارتبطت بالقصائد الساخرة الموجهة ضده من قبل المتنبي. ترجم له الذهبي في النبلاء ، قال: وكان مهيبًا ، سائسًا ،حليما ، جوادًا ، وقورًا ، لا يشبه عقله عقول الخُدَّام ، ودُعِي لكافور عَلَى منابر الشام ومصر والحرمين والثغور ، وكان ملازمًا لمصالح الرعية ، وكان يتعبد ويتهجد، ويمرغ وجهه ، ويقول : اللَّهُمَّ لا تسلط علي مخلوقًا. وكان يقرأ عنده السير والدول ، وكان فطنا ، يقظا ذكيا وله نظر في الفقه والنحو ، وفيه حُلم زائد ، وكف عن الدماء ، وجودة في التدبير .

مات كافور سنة (357هـ)، فاختار الجند - بعد وفاته - «أبا الفوارس أحمد بن على بن الإخشيد» واليًا على «مصر» وما حولها، وكان طفلا لم يبلغ الحادية عشرة من العمر، فلم تستقر البلاد فى عهده حتى دخلها العبيديون سنة (358هـ).

💫 علاقة الدولة الإخشيدية بالخلافة العباسية

كانت علاقة «الإخشيد» بمركز الخلافة العباسية علاقة طيبة فى بادئ الأمر، إلا أن «ابن رائق» أمير الأمراء كانت له الغلبة فى مركز الخلافة، وحنق على «الإخشيد»، وحاول أن يستولى منه على«مصر» والشام، ولكن صلحًا تم بينهما أمام الخليفة الذى أقر «الإخشيد» على ما تحت يديه من ولايات، وكان الخليفة «المتقى» على صلة طيبة بالإخشيد، وعزم على نقل مقر الخلافة إلى «مصر»، للتخلص من نفوذ الأتراك، ولكن ذلك لم يتحقق، فعمل الخليفة العباسى على تقوية جانب «الإخشيد» ماديا وأدبيا، ليلجأ إليه عند الحاجة، ومد سلطانه وولاه «مكة» و «المدينة» إلى جانب «مصر» والشام، كما جعل هذه الولاية له ولأولاده من بعده مدة ثلاثين عامًا.

أما علاقة «كافور» بالخلافة العباسية فكانت علاقة وئام ووداد، واتضحت هذه العلاقة حين سار «كافور» بابنى «الإخشيد»:

«أنوجور» و «على» إلى «بغداد»؛ لتجديد ولاء الإخشيديين للخلافة العباسية، غير أن «كافور» سمح -فى عهده - لدعاة الفاطميين بدخول «مصر» والدعوة لمذهبهم فيها، فهيأ بذلك الظروف لدخول الفاطميين «مصر» سنة (358هـ).
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
Forwarded From 📚 من عمق التاريخ الإسلامي 📚
#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ1ـلـقـة}
_____
💫لما تدهورت أحوال الدولة الطولونية في أيامها الأخيرة في مصر تطلعت دولة الخلافة العباسية إلى استعادتها والسيطرة عليها من جديد بعد أن غلَّ الطولونيون يد الدولة العباسية عنها زمنا طويلا، فأرسلت من قبلها جيشا من العراق يقوده محمد بن سليمان لإعادة مصر إلى حوزتها، وكان من بين قادته “طغج بن محمد”، فلما نجح الجيش في مهمته واستعاد مصر للدولة العباسية عين “طغج” واليًا على قنسرين في بلاد الشام، ثم ما لبث أن انتقل إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية مصطحبًا معه ابنيه محمد وعبيد الله، والتحقوا بخدمة الخليفة العباسي المكتفي بالله (289-295هـ = 901-908م)، غير أن الأيام عبست في وجه “طغج بن محمد” فغضب عليه الخليفة العباسي وألقى به في غياهب السجن ومعه ولداه، وظل محبوسا حتى توفي وخرج ابناه من السجن، فالتحق عبيد الله بخدمة أمير شيزار بفارس، في حين التحق محمد بخدمة أحمد بن بسطام عامل الخراج بالشام.

💫ميلاد الدولة الإخشيدية
ولما انتقل “ابن بسطام” إلى مصر لتولي خراجها، استمر محمد بن طغج في خدمته، ثم التحق بعد وفاته بخدمة ابنه “علي بن أحمد” الذي خلف أباه في منصب الخراج، وظل يعمل معه حتى عزل عن خراج البلاد سنة (300 هـ = 912م) وبقي في مصر لم يغادرها واتصل بواليها “تكين”، وعمل معه في صفوف جيشه، وبدأ في الظهور والتألق، فاشترك معه في صد هجمات الفاطميين، في المغرب التي كانت تتطلع إلى مصر لضمها إليها وانتزاعها من الدولة العباسية، ورشحته كفاءته لتولي المناصب القيادية، فتولى إدارة مدينة الإسكندرية سنة (307هـ = 919م)، وأظهر مهارة وقدرة في إدارتها والدفاع عنها جعلت الخليفة العباسي المقتدر بالله يعهد إليه بإدارة الرملة بفلسطين سنة (316 هـ = 928م)، ثم بولاية دمشق سنة (319هـ = 931م)، ثم أضاف إليه الخليفة العباسي “القاهر بالله” ولاية مصر سنة (321هـ = 933م) لكنه لم يذهب إليها بسبب الفتن التي كانت تعصف بها.

💫ولاية مصر
لم يجد الخليفة العباسي الراضي بالله خيرًا من محمد بن طغج ليوليه مصر، ويعيد إليها الأمن والسلام، وقمع فيها الفتن والثورات، فعهد إليه بها سنة (323هـ = 935م) واستعد ابن طغج لما أسند إليه، وتجهز للأمر وأعد عدته، والأمر ليس هينًا بعد أن وقف في وجهه أحمد بن كيفلج والي مصر السابق، ومحمد بنعلي الماذرائي عامل الخراج، وحالا بينه وبين تولي مقاليد الأمور، فلجأ ابن طغج إلى سلاح القوة والبطش فتسلح بهما، واتجه إلى مصر على رأس حملة عسكرية برية، ترافقه حملة بحرية نجحت في الاستيلاء على ثغور مصر في دمياط، وسارت في النيل حتى بلغت “سمنود”، وهناك التقت بسفن ابن كيلخ والماذرائي وألحقت بهما هزيمة ساحقة في (شعبان 323هـ = يوليو 935م)، وواصلت سيرها حتى بلغت جزيرة الروضة بالقاهرة، وفي أثناء ذلك كانت قوات ابن طغج البرية قد نجحت في فتح مدينة الفسطاط في (رمضان 323هـ= أغسطس 935م).

وما كادت أقدامه تستقر في عاصمة البلاد حتى بدأ في تثبيت نفوذه، والضرب بشدة على الخارجين على النظام، والقضاء على القلاقل التي يثيرها أنصار الحاكم السابق، والعمل على صد هجمات الفاطميين الذين لم ييئسوا في ملاحقته بحملاتهم العسكرية المتكررة، وقد أدت جهوده إلى استقرار الأوضاع في مصر، وتلقيب الخليفة له بلقب الإخشيد، وهو لقب كان يطلق على ملوك فرغانة، وهي إحدى بلاد ما وراء النهر التي تتاخم بلاد التركستان، ويعني هذا اللقب باللغة التركية “ملك الملوك”.

💫عقبات في طريق الإخشيد
غير أن هذا الاستقرار الذي حققه الإخشيد في مصر والشام كدَّر صفوة تطلع ابن رائق الملقب بأمير الأمراء إلى الشام وكان يتقلد إمارة الجيش ببغداد، وخرج جميع البلاد الإسلامية التابعة لدولة الخلافة العباسية، فأخذ يهدد الإخشيد ويطالبه بمال كأنه جزية على الممتلكات الإخشيدية في الشام، فلم يرق ذلك للإخشيد، واشتعل القتال بينهما حتى تم الصلح بينهما على أن يحكم ابن رائق الولايات الشامية شمال الرملة، وأن يدفع الإخشيد إليه جزية سنوية قدرها 140 ألف دينار، على أن الإخشيد لم يلبث أن استعاد الشام بعد مقتل ابن رائق سنة (330هـ – 941م)، فدخل دمشق وفرض حكمه بحد السيف، وأصبحت الشام كلها تحت سيطرته، وأضاف إليه الخليفة العباسية “المتقي بالله” مكة والمدينة.
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
Forwarded From 📚 من عمق التاريخ الإسلامي 📚
#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ2ـلـقـة }
_____
💫الخليفة العباسي يستنجد بالإخشيد

نجح الإخشيد في أن يوطد علاقته بالخليفة التقي بالله ويوثق عرى المودة بينهما، إلى الحد الذي جعل الخليفة يستنجد به بعد أن ساءت العلاقة بينه وبين “تغرون” أمير الأمراء، فكتب إليه أنه سائر للقائه في “الرقة” بالعراق سنة (333 هـ = 944م)، وفي هذا اللقاء بالغ الإخشيد في إظهار آيات الولاء للخليفة العباسي، وعرض عليه أن يسير معه إلى مصر ويكون هو ورجاله في خدمته، لكن الخليفة العباسي رفض دعوة الإخشيد، ومع ذلك فقد حصل على تقليد جديد من الخليفة بولاية مصر، وحق توريث إمارتها لأبنائه من بعده لمدة ثلاثين سنة قائلا له: “وليتك أعمالك ثلاثين سنة فاستخلف لك أونوجور”، وهو أحد أبناء محمد بن طغج.

💫الإخشيد والحمدانيون

ولما عاد الإخشيد إلى مصر بعد لقاء الخليفة العباسي رأى سيف الدولة الحمداني الفرصة سانحة للاستيلاء عليها وانتزاعها من أيدي الإخشيديين، بعد أن نجح في تكوين دولة قوية، فسار إلى حلب وقنسرين وحمص وأنطاكية والثغور الشامية، فاستولى عليها، فلما وصلت هذه الأنباء الإخشيد خرج على رأس جيش كبير للقاء سيف الدولة الحمداني، ووقعت بينهما معركة عند قنسرين بالقرب من حلب، وكان النصر فيها للإخشيد، لكنه لم يكن نصرًا حاسمًا، وهو ما دعا الإخشيد إلى الجنوح إلى السلم والميل إلى الصلح، فعقدت بينهما معاهدة في (ربيع الأول 334هـ = 945م)، واتفقا على أن يكون لسيف الدولة من حمص وأعمالها إلى الشام، وأن يكون للإخشيد من دمشق وأعمالها جنوبا، وزيادة في توثيق الصلح بين الطرفين، تزوج سيف الدولة من فاطمة بنت عبيد الله بن طغج، وسار إلى حلب واستقر بها، وسار الإخشيد إلى دمشق واستقر بها إلى أن مات فيها في (24 من ذي القعدة 335هـ = 16 من يونيو 946م)، وهو في السادسة والستين من عمره، بعد أن حكم مصر والشام إحدى عشرة سنة، ونقل جثمانه إلى بيت المقدس حيث دفن هناك، وتولى بعده ابنه أبو القاسم أونجور، ولما كان صغيرا لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره لا يستطيع النهوض بأعباء الحكم، فقد تولى كافور الإخشيد تدبير أمره وإدارة شئون الدولة.

💫العطاء الحضاري

ونظرًا لطموح الإخشيد في بناء دولة قوية ثابتة الأركان فقد عنى بالجيش وما يتصل به عناية فائقة، حتى بلغ عدده في بعض الروايات التاريخية أربعمائة ألف جندي من مختلف الأجناس في مصر والشام، وأنشأ دارا لصناعة السفن بساحل الفسطاط، وأطلق عليها دار الصناعة الكبرى، وجعل من دار الصناعة التي في جزيرة الروضة بستانا فائق الروعة والجمال بالغ الحسن والبهاء، أطلق عليه المختار، وكان يفاخر به أهل العراق، وأنشأ بستانًا آخر في شمال الفسطاط عرف باسم البستان الكافوري، ومكانه اليوم سوق النحاسين بالقاهرة.

وكان بلاط الإخشيد مجمعا للعلماء وملتقى لأهل اللغة والأدب، يصلهم بعطاياه، ويمنحهم جوائزه، وكانت البلاد غنية بهم، واشتهر منهم في الفقه والحديث أبو إسحاق المروزي، وأبو سعيد عبد الرحمن بن يونس، وفي التاريخ ابن دحية، والكندي وابن البطريق، ومن النحاة أحمد بن محمد بن ولاد، ومن الشعراء أبو الفتح محمد الحسين المعروف بكشاجم.

ونهض الإخشيد بالحياة الاقتصادية للدولة، فزادت غلة الأرض وازدهرت الصنعة ونشطت التجارة، وقد أعجب المؤرخ المعروف أبو الحسن علي المسعودي بالنهضة التي أحدثها الإخشيد، وسجل ذلك في كتبه ومؤلفاته حين زار مصر.

وعنى الإخشيد بزيادة العمران وتشييد القصور وإقامة البساتين وإنشاء المساجد، والبيمارستانات لاستقبال المرضى ومعالجتهم.

وفي عهد الإخشيد ظهر منصب الوزير رسميًا لأول مرة في مصر، وكان أبو الفتوح الفضل بن جعفر الفرات هو أول من تولى هذا المنصب حتى وفاته سنة(327هـ =939م) ثم خلفه ابنه جعفر بن الفضل.

ويذكر للإخشيد أنه كان يجلس للنظر في المظالم يوم الأربعاء من كل أسبوع، وكان ذا دين يحب الصالحين ويتقرب إليهم ويحضر مجالسهم، وقد دفعته هذه النزعة الطيبة إلى هدم أماكن الفساد واللهو وإغلاقها.

وتصفه الحوليات التاريخية بأنه كان مَلِكًا حازما متيقظا لأمور دولته، حسن الرأي والتدبير شديد البطش، ذا قوة مفرطة قوي الساعدين حتى لا يستطيع غيره أن يجر قوسه، وفي الوقت نفسه وصفته بحبه الشديد للمال وميله إلى مصادرة أموال كبار رجاله لأدنى شبهة، أو لسد نفقات الدولة والإنفاق على جيشه، وقد جمع من المُصادرة أموالاً كثيرة بالغ المؤرخون في تقديرها بعد وفاته.
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
Forwarded From 📚 من عمق التاريخ الإسلامي 📚
#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ3ـلـقـة }
______
💫كافور وأولاد الإخشيد

وُلد «كافور» بين سنتى (291 و308هـ) فلم تُحدَّد سنة ولادته تحديدًا دقيقًا - وكانت كنيته «أبا المسك»، وبدأ حياته مملوكًا بسيطًا، اشتراه «محمد بن طغج» من رجل يُدعَى «محمود بن وهب»، وتوسَّم فيه «الإخشيد» الذكاء، فاحتفظ به ورباه فى بيته تربية عالية، فلما رآه يتقدم ازداد إعجابه به واختصه من بين عبيده وأولاه ثقته وأعتقه، وأخذ يرقيه فى بلاطه حتى جعله من كبار قواده؛ لما يتمتع به من ذكاء وصفات طيبة، وبعثه قائدًا أعلى على رأس جيوشه لمحاربة أعداء الدولة، وعهد إليه بتربية ولديه «أبى القاسم أنوجور» و «أبى الحسن على»، كما عهد إليه بأن يكون وصيا عليهما فى الحكم من بعده.

💫وصاية كافور على أنوجور وأبى الحسن

عندما تولَّى «أنوجور» حكم «مصر» سنة (334هـ) كان لايزال طفلا صغيرًا لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، فقام «كافور» بتدبير أموره وأمور الدولة، وبقيت علاقتهما - كما كانت - علاقة الأستاذ بتلميذه، وأصبح «كافور» صاحب السلطان المطلق فى إدارة الدولة الإخشيدية، واستطاع التغلب على المشاكل التى قابلت الدولة فى مستهل ولاية «أنوجور»، وتمكن من القبض على زمام الأمور بيده،وخاطبه الناس بالأستاذ، وذُكِرَ اسمه فى الخطبة، ودُعى له على المنابر فى «مصر» والبلاد التابعة لها، كما عامل رؤساء الجند وكبار الموظفين معاملة حسنة، فاكتسب محبتهم واحترامهم، فلما كبر «أنوجور» شعر بحرمانه من سلطته، فظهرت الوحشة بينه وبين أستاذه «كافور»، وحاول البعض أن يوقع بينهما، وطلبوا من «أنوجور» أن يقوم بمحاربة «كافور»، فلما علمت أم «أنوجور» بذلك خافت عليه، وعملت على الصلح بينه وبين «كافور»، وما لبث «أنوجور» أن مات سنة (349هـ).

💫ولاية كافور على مصر [355 - 357هـ]
كان ولى عهد «أنوجور» فى الحكم ولدًا صغيرًا هو «أحمد بن أبى الحسن على»، فحال «كافور» دون توليته بحجة صغر سنه، واستصدر كتابًا من الخليفة العباسى يقره فيه على توليته «مصر» سنة (355هـ) بدلا من هذا الطفل الصغير، فتولى «كافور» «مصر» وما يليها من البلاد ولم يغير لقبه «الأستاذ»، ودُعِى له على المنابر بعد الخليفة.

وبالرغم من أنَّ المؤرخين وصفوه بأنَّه حاكم عادل ، إلَّا أن شهرته ارتبطت بالقصائد الساخرة الموجهة ضده من قبل المتنبي. ترجم له الذهبي في النبلاء ، قال: وكان مهيبًا ، سائسًا ،حليما ، جوادًا ، وقورًا ، لا يشبه عقله عقول الخُدَّام ، ودُعِي لكافور عَلَى منابر الشام ومصر والحرمين والثغور ، وكان ملازمًا لمصالح الرعية ، وكان يتعبد ويتهجد، ويمرغ وجهه ، ويقول : اللَّهُمَّ لا تسلط علي مخلوقًا. وكان يقرأ عنده السير والدول ، وكان فطنا ، يقظا ذكيا وله نظر في الفقه والنحو ، وفيه حُلم زائد ، وكف عن الدماء ، وجودة في التدبير .

مات كافور سنة (357هـ)، فاختار الجند - بعد وفاته - «أبا الفوارس أحمد بن على بن الإخشيد» واليًا على «مصر» وما حولها، وكان طفلا لم يبلغ الحادية عشرة من العمر، فلم تستقر البلاد فى عهده حتى دخلها العبيديون سنة (358هـ).

💫 علاقة الدولة الإخشيدية بالخلافة العباسية

كانت علاقة «الإخشيد» بمركز الخلافة العباسية علاقة طيبة فى بادئ الأمر، إلا أن «ابن رائق» أمير الأمراء كانت له الغلبة فى مركز الخلافة، وحنق على «الإخشيد»، وحاول أن يستولى منه على«مصر» والشام، ولكن صلحًا تم بينهما أمام الخليفة الذى أقر «الإخشيد» على ما تحت يديه من ولايات، وكان الخليفة «المتقى» على صلة طيبة بالإخشيد، وعزم على نقل مقر الخلافة إلى «مصر»، للتخلص من نفوذ الأتراك، ولكن ذلك لم يتحقق، فعمل الخليفة العباسى على تقوية جانب «الإخشيد» ماديا وأدبيا، ليلجأ إليه عند الحاجة، ومد سلطانه وولاه «مكة» و «المدينة» إلى جانب «مصر» والشام، كما جعل هذه الولاية له ولأولاده من بعده مدة ثلاثين عامًا.

أما علاقة «كافور» بالخلافة العباسية فكانت علاقة وئام ووداد، واتضحت هذه العلاقة حين سار «كافور» بابنى «الإخشيد»:

«أنوجور» و «على» إلى «بغداد»؛ لتجديد ولاء الإخشيديين للخلافة العباسية، غير أن «كافور» سمح -فى عهده - لدعاة الفاطميين بدخول «مصر» والدعوة لمذهبهم فيها، فهيأ بذلك الظروف لدخول الفاطميين «مصر» سنة (358هـ).
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
Forwarded From 📚 من عمق التاريخ الإسلامي 📚
#الدولة_الإخشيدية
{ الـحـ4ـلـقـة }
_____
💫الدولة الإخشيدية في عيون المؤرخين المسلمين :

لقد أشاد المؤرخون بمحمد بن طغج الإخشيد ومدحوه فوصفه المقريزي قائلاً: "وكان حازمًا شديد التيقظ في حروبه حسن التدين مكرمًا للأجناد شديد القوى لا يكاد يجر قوسه غيره, حسن السيرة في الرعية نجيبًا شهمًا".

ويقول ابن تغري بردي: "وكان كافور عاقلاً سيوسًا".

وقال الذهبي: "وكان كافور يدني الشعراء ويجيزهم، تقرأ عنده في كل ليلة السير وأخبار الدولة الأموية والعباسية وله ندماء، وكان عظيم الحمية.. زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيد، وكان كريمًا كثير الخلع والهبات، خبيرًا بالسياسة، فطنًا ذكيًّا جيد العقل داهية، كان يهادي المعز صاحب المغرب ويظهر ميله إليه، وكذا يذعن بالطاعة لبني العباس، ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء، وتم له الأمر".

كان مغرمًا بالرمي، وكان يداوم الجلوس غدوة وعشية لقضاء حوائج الناس، وكان يتهجد ويمرغ وجهه ساجدًا ويقول: "اللهُمَّ لا تُسلِّط عليَّ مخلوقًا".

أما الدكتورة/ سيدة إسماعيل كاشف فتقول: ومع أن استقلال مصر في العصر الإخشيدي كان استقلالاً ملموسًا لا شك فيه وإن ظلت الروابط الروحية ومقتضيات الأحوال السياسية تربطها بالحكومة المركزية في بغداد من غير أن تصل بها إلى التبعية المطلقة, شأنها في ذلك شأن الدولة الطولونية، إلا أن استقلال الطولونيين كان يبدو لبعض الباحثين أوضح وأظهر أثرًا، ولعل السبب في هذا أن الإخشيديين لم يحاربوا الحكومة المركزية في بغداد صراحة كما فعل أحمد بن طولون وابنه خمارويه.

ويقول الدكتور/ محمود الحويري: "هنا نلاحظ أن استقلال مصر في عصر الإخشيديين في ظل تبعية اسمية للخلافة العباسية لهو خير دليل على احتفاظ مصر بشخصيتها على نسق فريد، يختلف تمامًا عن الدويلات التي قامت في العالم الإسلامي، والتي نزعت إلى الاستقلال القومي في فارس في القرنين الثالث والرابع الهجري ( التاسع والعاشر الميلادي )".

ويقول الدكتور/ حسن أحمد محمود، والدكتور/ أحمد إبراهيم الشريف: "إن الدولة التي أقامها الإخشيد في مصر أتاحت للشعب المصري أن يعيش فترة من الزمن في هدوء واستقرار بعيدًا عن الفوضى والفتن التي انتابت الخلافة العباسية، ومن أجل المحافظة على نفوذه في مصر والشام أسس الإخشيد جيشًا قويًّا ليعزز سياسته الداخلية والخارجية على غرار ما فعله أحمد بن طولون قبله, كما سار على نفس السياسة التي سار عليها وهي تقربه من المصريين واكتساب ودهم والفوز بولاء الأقباط الذين كانوا لا يزالون في ذلك الوقت قوة يحسب لها حساب".

💎المصدر /موقع إسلام أون لاين / موقع قصة الاسلام
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q