#الدولة_الطولونية
{الجزء الرابع}
〰〰〰〰〰〰〰
🔻وفاة أحمد بن طولون.. والثناء عليه
بعد عقد صلح بين ابن طولون والموفَّق، وحلول الصلح بينهما، زحف ابن طولون ليقمع الفتنة التي شبَّت في طرسوس، فلما وصل إلى هناك، وكان الوقت شتاءً والثلج كثيرًا، لم يعُقْهُ ذلك عن نصب المجانيق على سور طرسوس لإخماد الثورة، لكنه مرض ولم يستطع الاستمرار في الحصار؛ فأسرع بالعودة إلى مصر، حيث لقي ربه في 10 من ذي القعدة 270هـ/ 10 من مايو 883م.
وقد أثنى عليه ابن الأثير قائلاً : "وكان عاقلاً حازمًا، كثير المعروف والصدقة، متدينًا، يحب العلماء وأهل الدين، وعمل كثيرًا من أعمال البر ومصالح المسلمين".
🔻خمارويه بن أحمد بن طولون
وُلِدَ خمارويه بن أحمد بن طولون عام مائتين وخمسين هجرية، وتولَّى جيوش مصر وهو دون العشرين من عمره، وقد كان لديه كثير من الأعوان، فأولى اهتمامًا بالجيش لمواجهة ما ينتظره من تحديات، وعُنِيَ عناية خاصة بفرقة "المختارة" التي كانت تُشَكِّل جنده وحرسه الخاص، كما اهتم بمظهر الجنود وزيِّهم؛ ولذلك لقِّب بأبي الجيوش.
بعد وفاة أحمد بن طولون، خَلَفه ابنه خمارويه، وكان ابن طولون قد أوصى له بالإمارة وبايعه الجند عقب وفاة أبيه في ذي الحجة 270هـ.
🔻علاقة خمارويه بالدولة العباسية
عندما تُوُفِّي أحمد بن طولون سنة 270هـ/ 883م قام الموفَّق بالإغارة على الشام للقضاء على الدولة الطولونية، لاعتقاده أن خمارويه لم يكن رجل حربٍ لميله إلى حياة السلم والرخاء، فاستولى الموفق على الشام حتى الحدود المصرية، لكن خمارويه أفشل خطته وردَّه على أعقابه، واستعاد سيطرة الطولونيين على البلاد الشامية حتى الموصل والجزيرة الفراتية، وانتزع من الخلافة العباسية اعترافًا له بحكم مصر -هو وأولاده- لمدة ثلاثين سنة عند عقد معاهدة صلح سنة 273هـ/ 886م بينه وبين الخليفة العباسي المعتمد ووليِّ عهده الموفَّق، على أن يكفَّ خمارويه عن لعن الموفق على منابر مصر والشام، والدعاء له مع الخليفة المعتمد على الله العباسي.
🔻الجيش في عهد خمارويه
كوَّن خمارويه فرقة من أولاد الحوف -أي الذين كانوا يسكنون إقليم الحوف- وكانوا يشتغلون بقطع الطرق وإلحاق الأذى بالناس، ويتميزون بضخامة الأجسام والشجاعة والبأس، فرأى خمارويه أن يستفيد من شجاعتهم وقوتهم البدنية، فأدخلهم في خدمته، وسمَّاهم (المختارة)، وكانوا يلبسون الأقبية من الحرير والديباج، ويتقلدون السيوف المحلاة، وتسير خلفهم طوائف العسكر المختلفة.
🔻قصة زواج قطر الندى
فكَّر خمارويه في تدعيم علاقاته مع الخلافة العباسية عن طريق المصاهرة، فعرض على الخليفة المعتضد زواج قطر الندى ابنة خمارويه من ابن الخليفة العباسي، إلا أن الخليفة المعتضد -وكان قد سمع عن محاسن وجمال قطر الندى- طلبها لنفسه بدلاً من ابنه. وقد بالغ خمارويه في جهاز ابنته وتكلف في ذلك ما يقصر دونه الوصف من بناء القصور في كل مرحلة على طول الطريق بين مصر وبغداد لنزول العروس، كما أكثر من الجواهر والتحف حتى إنه أنفق في ذلك مليون دينار؛ مما أدَّى إلى إفلاس خزانة مصر.
وكان جهازها الذي أعدَّه أبوها أسطوريًّا بالغًا في الإسراف إلى حدٍّ يفوق الخيال، وهنا أدعُ المؤرخ الكبير ابن تغري بردي يصف جهازها ورحلتها من مصر إلى بغداد، حيث يقول: "إنه جهزها بجهاز عظيم يتجاوز الوصف، حتى قيل: إنه دخل معها في جملة جهازها ألفُ هاون من الذهب"، "ولما فرغ خمارويه من جهاز ابنته قطر الندى، أمر فبُنِيَ لها على رأس كل مَنْزِلة تنزِل فيها قصرٌ فيما بين مصر وبغداد… فكانوا يسيرون بها سيرَ الطفل في المهد؛ فكانت إذا وافت المنزلة وجدت قصرًا قد فُرِش، فيه جميع ما تحتاج إليه، وقد علقت فيه الستور، وأُعِدَّ فيه كل ما يصلح لمثلها، وكانت في سيرها من مصر إلى بغداد -على بُعد الشُّقَّة- كأنها في قصر أبيها".
وكان هذا الإسراف من قِبَل خمارويه سببًا في إفلاس مالية البلاد، وكانت مصر من أغنى الدول وأكثرها ثراءً. ويبدو أن الخلافة العباسية عندما يئست من إخضاع دولة الطولونيين بالقوة لجأت إلى إضعافها بالسياسة، حتى قيل: إن المعتضد أراد بزواجه من قطر الندى أن يُفقِر أباها خمارويه في جهازها.
ولم يُحسِن خمارويه الاستفادة من الأموال الجمَّة التي تركها له أبوه، فأخذ يسرف في البناء وأنواع الترف، وأهم ما قام به توسيع قصر أبيه بالقطائع، وتحويل الميدان إلى حديقة غنَّاء لم يُسمَع بمثلها. ولما كَثُر أَرَقُه وامتنع عليه النوم، أنشأ بركة من الزئبق يقال: إنها خمسون ذراعًا عرضًا، يهتز عليها فراشه لينام وهو يتهدهد، وقد شُدَّ الفراش بخيوط من حرير إلى أعمدة من الفضة، واستكثر خمارويه من الجواري والغلمان حتى ضاعت هيبته. وتُوُفِّي قتيلاً على يد بعض جواريه في دمشق في ذي الحجة سنة 282هـ/ يناير 896م.
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q
{الجزء الرابع}
〰〰〰〰〰〰〰
🔻وفاة أحمد بن طولون.. والثناء عليه
بعد عقد صلح بين ابن طولون والموفَّق، وحلول الصلح بينهما، زحف ابن طولون ليقمع الفتنة التي شبَّت في طرسوس، فلما وصل إلى هناك، وكان الوقت شتاءً والثلج كثيرًا، لم يعُقْهُ ذلك عن نصب المجانيق على سور طرسوس لإخماد الثورة، لكنه مرض ولم يستطع الاستمرار في الحصار؛ فأسرع بالعودة إلى مصر، حيث لقي ربه في 10 من ذي القعدة 270هـ/ 10 من مايو 883م.
وقد أثنى عليه ابن الأثير قائلاً : "وكان عاقلاً حازمًا، كثير المعروف والصدقة، متدينًا، يحب العلماء وأهل الدين، وعمل كثيرًا من أعمال البر ومصالح المسلمين".
🔻خمارويه بن أحمد بن طولون
وُلِدَ خمارويه بن أحمد بن طولون عام مائتين وخمسين هجرية، وتولَّى جيوش مصر وهو دون العشرين من عمره، وقد كان لديه كثير من الأعوان، فأولى اهتمامًا بالجيش لمواجهة ما ينتظره من تحديات، وعُنِيَ عناية خاصة بفرقة "المختارة" التي كانت تُشَكِّل جنده وحرسه الخاص، كما اهتم بمظهر الجنود وزيِّهم؛ ولذلك لقِّب بأبي الجيوش.
بعد وفاة أحمد بن طولون، خَلَفه ابنه خمارويه، وكان ابن طولون قد أوصى له بالإمارة وبايعه الجند عقب وفاة أبيه في ذي الحجة 270هـ.
🔻علاقة خمارويه بالدولة العباسية
عندما تُوُفِّي أحمد بن طولون سنة 270هـ/ 883م قام الموفَّق بالإغارة على الشام للقضاء على الدولة الطولونية، لاعتقاده أن خمارويه لم يكن رجل حربٍ لميله إلى حياة السلم والرخاء، فاستولى الموفق على الشام حتى الحدود المصرية، لكن خمارويه أفشل خطته وردَّه على أعقابه، واستعاد سيطرة الطولونيين على البلاد الشامية حتى الموصل والجزيرة الفراتية، وانتزع من الخلافة العباسية اعترافًا له بحكم مصر -هو وأولاده- لمدة ثلاثين سنة عند عقد معاهدة صلح سنة 273هـ/ 886م بينه وبين الخليفة العباسي المعتمد ووليِّ عهده الموفَّق، على أن يكفَّ خمارويه عن لعن الموفق على منابر مصر والشام، والدعاء له مع الخليفة المعتمد على الله العباسي.
🔻الجيش في عهد خمارويه
كوَّن خمارويه فرقة من أولاد الحوف -أي الذين كانوا يسكنون إقليم الحوف- وكانوا يشتغلون بقطع الطرق وإلحاق الأذى بالناس، ويتميزون بضخامة الأجسام والشجاعة والبأس، فرأى خمارويه أن يستفيد من شجاعتهم وقوتهم البدنية، فأدخلهم في خدمته، وسمَّاهم (المختارة)، وكانوا يلبسون الأقبية من الحرير والديباج، ويتقلدون السيوف المحلاة، وتسير خلفهم طوائف العسكر المختلفة.
🔻قصة زواج قطر الندى
فكَّر خمارويه في تدعيم علاقاته مع الخلافة العباسية عن طريق المصاهرة، فعرض على الخليفة المعتضد زواج قطر الندى ابنة خمارويه من ابن الخليفة العباسي، إلا أن الخليفة المعتضد -وكان قد سمع عن محاسن وجمال قطر الندى- طلبها لنفسه بدلاً من ابنه. وقد بالغ خمارويه في جهاز ابنته وتكلف في ذلك ما يقصر دونه الوصف من بناء القصور في كل مرحلة على طول الطريق بين مصر وبغداد لنزول العروس، كما أكثر من الجواهر والتحف حتى إنه أنفق في ذلك مليون دينار؛ مما أدَّى إلى إفلاس خزانة مصر.
وكان جهازها الذي أعدَّه أبوها أسطوريًّا بالغًا في الإسراف إلى حدٍّ يفوق الخيال، وهنا أدعُ المؤرخ الكبير ابن تغري بردي يصف جهازها ورحلتها من مصر إلى بغداد، حيث يقول: "إنه جهزها بجهاز عظيم يتجاوز الوصف، حتى قيل: إنه دخل معها في جملة جهازها ألفُ هاون من الذهب"، "ولما فرغ خمارويه من جهاز ابنته قطر الندى، أمر فبُنِيَ لها على رأس كل مَنْزِلة تنزِل فيها قصرٌ فيما بين مصر وبغداد… فكانوا يسيرون بها سيرَ الطفل في المهد؛ فكانت إذا وافت المنزلة وجدت قصرًا قد فُرِش، فيه جميع ما تحتاج إليه، وقد علقت فيه الستور، وأُعِدَّ فيه كل ما يصلح لمثلها، وكانت في سيرها من مصر إلى بغداد -على بُعد الشُّقَّة- كأنها في قصر أبيها".
وكان هذا الإسراف من قِبَل خمارويه سببًا في إفلاس مالية البلاد، وكانت مصر من أغنى الدول وأكثرها ثراءً. ويبدو أن الخلافة العباسية عندما يئست من إخضاع دولة الطولونيين بالقوة لجأت إلى إضعافها بالسياسة، حتى قيل: إن المعتضد أراد بزواجه من قطر الندى أن يُفقِر أباها خمارويه في جهازها.
ولم يُحسِن خمارويه الاستفادة من الأموال الجمَّة التي تركها له أبوه، فأخذ يسرف في البناء وأنواع الترف، وأهم ما قام به توسيع قصر أبيه بالقطائع، وتحويل الميدان إلى حديقة غنَّاء لم يُسمَع بمثلها. ولما كَثُر أَرَقُه وامتنع عليه النوم، أنشأ بركة من الزئبق يقال: إنها خمسون ذراعًا عرضًا، يهتز عليها فراشه لينام وهو يتهدهد، وقد شُدَّ الفراش بخيوط من حرير إلى أعمدة من الفضة، واستكثر خمارويه من الجواري والغلمان حتى ضاعت هيبته. وتُوُفِّي قتيلاً على يد بعض جواريه في دمشق في ذي الحجة سنة 282هـ/ يناير 896م.
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://t.me/joinchat/AAAAAEHRTSaUCW40ijSd7Q