أحب من يحب فضيلته، فما الفضيلة إلا الطموح إلى الزو
#رابعاً

وبهت زارا مجيلًا أنظاره في القوم، ثم قال: ما الإنسان إلا حبلٌ منصوبٌ بين الحيوانِ والإنسانْ المتفوق، فهو الحبل المشدود فوق الهاوية.
إن في العبور للجهة المقابلة مخاطرة، وفي البقاء وسط الطريق خطرًا، وفي الإلتفات إلى الوراء وفي كل ترددٍ وفي كل توقفٍ خطرٌ في خطر.
إن عظمة الإنسان قائمة على أنهُ مَعْبَرٌ وليس هدفًا، وما يستحب فيه هو أنه سبيل وأفقُ غروب.
إنني أحب من لا غاية لهم في الحياة إلا الزوال، فهم يمرون إلى ما وراء الحياة.
أحبُّ من عَظُمَ إحتقارهم لأنهم عظماء، أحبُّ المتعبدين يدفعهم الشوق إلى المروق كالسهم إلى الضفة الثانية.
أحبُّ من لا يتطلبون وراء الكوكب معرفة ما يدعو إلى زوالهم أو ما يهيب بهم إلى التضحية؛ لأنهم يقدمون ذاتهم قربانًا للأرض، لتصبح هذه الأرض يومًا ميراثًا للإنسان المتفوق.
أحبُّ من يعيش ليتعلم، ومن يتوق إلى المعرفة ليحيا الرجل المتفوق بعده، فإن هذا ما يقصد طالب المعرفة من زواله.
أحب من يعمل ويخترع ليبني مسكنًا للإنسان المتفوق فيهيئ ما في الأرض من حيوان ونبات لاستقباله، فإن هذا ما يقصد طالب المعرفة من زواله.

👇
أحب من يحب فضيلته، فما الفضيلة إلا الطموح إلى الزوال وإن هي إلا السهم تُنشبه أشواقه.
أحبُّ من لا يحتفظ لنفسه بشرارة واحدة من روحه، فيتجه إلى أن يكون بكليته روحًا لفضيلته؛ لأنه بهذا يجعل روحه تجتاز الصراط.
أحبُّ من يكون من فضيلته ميوله ومطمحه؛ لأنه بمثل هذه الفضيلة يتوق إلى إطالة حياته كما يتوق إلى قصرها.
أحبُّ من لا يريد الإنصاف بعديد الفضائل؛ إذ في الفضيلة الواحدة من الفضائل أكثر مما في فضيلتين، والفضيلة الواحدة حلقةٌ ترتبط فيها الحياة.
أحبُّ من يجود بروحه فلا يطلب جزاء ولا شكورًا، ولا يسترد، فهو يهبُ دائمًا ولا يفكر في الاستبقاء على ذاته.
أحبُّ من يخجل من سقوط زهر النرد لحظِّه فيرتاب بغش يده، إن أمثاله هم التائقون إلى الزوال.
أحبُّ من يبذل الوعود وهاجة ثم يتجاوز عمله وعده، إن أمثاله هم التائقون إلى الزوال.أحب من يبرر أعمال الخلف ويدافع عن السلف لأنه بذلك يسلم نفسه إلى نقمة معاصريه، فهو ممن يتوقون إلى الزوال.
أحب من يعلن حبه لربه بتوجيه اللوم إليه؛ إذ يجب أن يهلك بغضب ربه.
أحبُّ من يبلغ التأثر أعماق روحه في جراحها فيعرضه أتفه حدث للفناء، إن أمثاله يعبرون الصراط دون أن يترددوا.
أحبُّ من تفيض نفسه حتى يسهى عن ذاته؛ إذ تحتله جميع الأشياء فيضمحل فيها ويفنى بها.
أحبُّ من تحرر قلبه وتحرر عقله حتى يصبح دماغه بمثابة أحشاء لقلبه، غير أن قلبه يدفع به إلى الزوال.
أحب جميع من يشبهون القطرات الثقيلة التي تتساقط متتالية من الغيوم السوداء المنتشرة فوق الناس، فهي التي تنبئُ بالبرق وتتوارى.
ما أنا إلا منبئٌ بالصاعقة، أنا القطرة الساقطة من الفضاء، وما الصاعقة التي أبشر بها إلا الإنسان المتفوق

▪من كتاب (هكذا تكلم زرادشت)
▪فريدريك نيتشه Nietzsche1

▪للوصول إلى النصوص بالترتيب أضغط على الهاشتاك بالأسفل

#أولاً
#ثانياً
#ثالثاً
وهذا الذي بين أيدينا
#رابعاً
ليس هنالك راعٍ وليس هنالك إلا قطيع واحد. إن كلًّا من الناس يتجه إلى رغبة واحدة، فالمساواة سائدة بين الجميع، ومن اختلف شعوره عن شعور المجموع يسير بنفسه مختارًا إلى مأوى المجانين.

ويغمز أمكر هؤلاء الناس بعينهم ويقولون: لقد كان الجميع مجانين فيما مضى.

لقد ساد الاحتراس بين هؤلاء القوم؛ لأنهم أخذوا بالعبر، فهم يتلقون الحادثات متهكمين، وإذا نشأ بينهم خلاف بادروا إلى حسمه صلحًا؛ لأنهم يحاذرون أن تصاب معدهم بالعلل والأدواء.

لهؤلاء الناس لذات للنهار ولذات أخرى لليل، غير أنهم يراعون صحتهم أولًا.

«لقد اخترعنا السعادة اختراعًا» ذلك ما يقوله أناسي الزمن الأخير وهم يغمزون.

عند هذا أنهى زارا خطابه أو بالحري تمهيد خطابه فتعالت أصوات التهليل من الحشد وهو يقول: إلينا بهذا الرجل الأخير يا زارا، اجعلنا على مثال أناسي الزمن الأخير فقد تخلينا لك عن الإنسان المتفوق.

ولكن زارا وجم أمام هذا الحشد يسوده مثل هذا الروح فاستولى الحزن عليه وقال في نفسه: إنهم لا يفهمون كلامي، فلست بالصوت الذي تتطلبه هذه الأسماع.

لقد عشت طويلًا في هذه الجبال وأنصتُّ طويلًا إلى هدير الغدران وحفيف الأشجار، فأنا أكلم هؤلاء الناس الآن كأنني أخاطب رعاة الماعز.

إن روحي صافية تغمرها الأنوار كما تغمر القممَ تباشيرُ الصباح، ولكنهم يحسون بالصقيع في قلبي ويحسبونني مهرجًا يأتيهم بالمفجع من النكات.

إنهم يحدِجونني بأنظارهم ويتضاحكون، ففي قلبهم ثورة البغضاء وعلى شفاههم بسمة الثلوج.

- هكذا تكلم زرادشت
- فريدريك نيتشه
- النص الخامس
#خامساً
للإطلاع على باقي النصوص في الأعلى
أو إضغط على الهاشتاكات
#أولاً
#ثانياً
#ثالثاً
#رابعاً