لا تذكر النهضة النسائية في الشرق العربي إلا ويتسابق إلى الأذهان تواً اسم مي. مي الأديبة المجاهدة التي عاشت ما كتبت فكانت حياتها المليئة خير ما تركت من الآثار. كانت دقيقة الملاحظة، أنيسة العشرة، رضية الخلق، تحب اللهو والضحك والحركة. ولكنها كانت غريبة الروح، موحشة الفؤاد، تميل إلى العزلة فتخلو بنفسها إذ تتنهد وتشكو وتكتب وتحسد العصافير المرفرفة حولها، تزقزق على هواها حرة طليقة. ولم تكتف بمطالعة جبران فحسب، بل راحت تستوضح سيرته وأوضاعه باهتمام جدي، كأنما هي أرادت أن تكتشف الينبوع الأصيل الذي فجر ذلك النتاج. و عنَّ لها أن تكتب إليه، ولكن كيف تفعل وهي لا تعرفه، وبعد تردد طويل تناولت ريشتها وخطت أول رسالة منها إلى جبران. وكان ذلك في 29 آذار سنة 1912. رسائل مي يجب الاحتفاظ بها لأنها نوع جميل من أدب الرسائل في الأدب العربي ، ففي الأدب الفرنسي رسائل لأمثال فلوبير وفولتير وغيرهما، وفي هذه الرسائل تستطيع دراسة الكاتب أكثر من دراسته في مؤلفاته. لقد كانت على اطلاع واسع الحدود ، فسيح المعالم ، وكانت شخصيتها تثب مستقلة من خلال أفكارها وكتاباتها. فما قلدت كاتباً ، ولا حاكت مؤلفاً ولكنها ترجمت خلجات نفسها أو وحي ضميرها، وسر شعورها.

#اقتباسات من كتاب #رسائل_مي :

_إن توصل الفكر إلى كسر قيود الاصطلاحات و التقاليد، فلن يتوصل إلى كسر القيود الطبيعية، لأن أحكام الطبيعة فوق كل شيء. (من مي إلى جبران )

_فذكرت إذ ذاك ألا سرور في العالم يضاهي سرور التفاهم. فإذا شعر المرء بأن هناك من يفهمه، كان سعيدًا، سواء لديه إن تعرف منه صفاته أو علاته، لأن معرفة العلات تتبعها حتمًا معرفة الصفات، وإن كان الخير أقل انتشارًا من الشر. وما النقائص إلّا فضائل مضخمة مكبرة تتسع وتستفيض دون أن تجد من الضمير مهذبًا، فتتجاوز الحدود المعنوية التي عينتها اصطلاحات الاجتماع ـ إن كانت اجتماعية ـ أو رسمتها علوم النفس والأخلاق، إن كانت أخلاقية. (من مي إلى باحثة البادية)

_قالوا إن مثلاً حيًا واحدًا لهو أنفع من ألف درس نظري تمليه كتب المتقدمين و المتأخرين، و يلقيه أبلغ الفصحاء من المتكلمين. (من مي إلى لطفي السيد)

_تقولين إنك تألمت لأجلي؟ فأنا سعيدة حزينة لأنك تألمت لأجلي. ففي الألم يا عزيزتي تجد النفس لذتها القصوى ، هذا أمر أكيد ولكنه عسير المنال أحيانًا. ولكنها الحقيقة. وهل هنالك حب أسمى من ذاك الذي يولده ألم الحبيب الذي نحب رغم الألم..

_ما أجمل خلود الفكر، أليس هو أدعى إلى الغبطة من خلود النفس ؟! (من أنطون الجميّل إلى مي)

_إنّي أنتظر من الحب كثيرًا فأخاف أن لا يأتيني بكل ما أنتظر. (من مي إلى جبران)