#قصة_الدولة_الزنكية {الـحـ04ـلـقـة} 💫 ع
#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ05ـلـقـة}

💫فتح الرها

عندما انطلقت شرارة الحملات الصليبية احتلَّ الصليبيون الرها، وأقاموا بها أول إمارة صليبية في منطقة الجزيرة السورية وذلك سنة (492هـ= 1099م). كان أميرها صليبيًّا اسمه «جوسلين»؛ ففهم من تحرُّكات عماد الدين زنكي أنه يُخَطِّط لفتح الرها، فعمد إلى تقوية دفاعاتها، والمبالغة في تحصينها، وظلَّ مقيمًا في الرها لا يُفارقها أبدًا؛ رغم أن زوجته وأولاده بفرنسا، ولكنه صبر على فراقهم من أجل الدفاع عن الرها.

كان عماد الدين زنكي يعرف قَدْر جوسلين ودهاءه وحُنْكَتَهُ؛ لذلك وضع خطَّة في غاية الذكاء؛ فهو كما يقولون: «لا يفلُّ الحديد إلَّا الحديد». فلقد أظهر عماد الدين أنه مشغول بحرب القبائل الكردية، التي تُسيطر على قلاع كثيرة في منطقة ديار بكر (جنوب تركيا الآن)، ولا تقبل الانضمام لصفِّ عماد الدين زنكي لدواعي عصبية وقبلية، وبالفعل انطلت هذه الخدعة على جوسلين، الذي خفَّف من شدَّة التحصينات، وتراخى في دفاعاته، حتى إنَّه قد سافر لزيارة أهله في فرنسا، وكان عماد الدين زنكي قد بثَّ العيون التي تنقل له الأخبار ليلَ نهارَ, فلمَّا علم مغادرة جوسلين وتراخت الدفاعات، نادى في معسكر جيشه بالاستعداد للهجوم على الرها.

كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرئهم في القتال، لا يُجاريه أحدٌ من جنده في ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام، وقال: «لا يأكل معي على المائدة إلا من يطعن معي غدًا باب الرها». وهي كناية عن شدَّة القتال والشجاعة؛ لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل إلى باب المدينة، ولا يفعل ذلك إلَّا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلَّا أميرٌ واحدٌ وصبيٌّ صغيرٌ؛ فقيل الأمير للصبي: «ما أنت في هذا المقام؟». فقال له عماد الدين زنكي القائد المربِّي القدوة، الذي يعرف كيف يُحَمِّس الشباب والنشء، ويُحَفِّز طاقاتهم: «دعوه فوالله! إني أرى وجهًا لا يتخلَّفُ عنِّي».

وبالفعل أثمرت هذه الكلمات طاقة جبارة عند الصبي، فكان أوَّلَ طاعنٍ، وأوَّلَ بطلٍ في هذه المعركة، وفُتحت المدينة في 6 جُمَادَى الآخرة (سنة 539هـ=1144م), وكان لفتحها صدًى شديدًا في العالمين الإسلامي والصليبي؛ فلقد كان أعظم انتصار حقَّقه المسلمون على الصليبيين منذُ دخولهم الشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم, وسرت رُوحٌ جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها، وعادت لهم الثقة، وتغلَّبُوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين، والتي أقعدتهم عن السعي للتحرير عشرات السنين.

أمَّا الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب، وفقدوا أهم إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثالثة على الشام سنة (542هـ= 1147م) لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا.

💫 استشهاد عماد الدين زنكي

بعد الانتصار في الرها ضاقت السبل على أعداء الإسلام، وأصبح كيانهم الصليبي بالشام -والذي بنَوْهُ في خمسين سنة- في خطر حقيقي في ظلِّ وجود هذا الأسد الرابض، وبعد أن أعيتهم الحيل في ميادين القتال، وصار ينتصر الأسد عليهم في كل موطن من سورية، قَرَّرُوا اللجوء إلى سلاح الغدر والخيانة، والأيدي القذرة التي لا تعمل إلَّا في الظلام.

فكَّر الصليبيون في كيفية التخلُّص من عماد الدين زنكي، وبعد تفكير وتقليب فيمَنْ سيقوم بهذه المهمَّة؛ قرَّرُوا إسناد مهمَّة الاغتيال إلى جماعة معروفة بذلك، وبالفعل وفي 6 ربيع الآخر (541هـ= 1146م) وأثناء قيام عماد الدين زنكي بحصار قلعة جعبر المطلَّة على نهر الفرات، قامت مجموعة من الباطنية بالاتفاق مع الصليبيين -بعد أن قبضوا الثمن- بالتسلُّل إلى معسكر عماد الدين زنكي، واندسوا بين حُرَّاسه، وفي الليل دخلوا عليه خيمته وهو نائم وقتلوه، تُوُفِّيَ عن 64 عامًا، ودُفن بصفين، وخَلَفَهُ ابنه سيف الدين غازي في الموصل، وخَلَفَهُ ابنه نور الدين محمود في حلب ثم في دمشق.

وهكذا مات البطل وترجَّل الفارس وحطَّ الراكب بعد حياة طويلة كلّها جهاد وكفاح ونصرة للإسلام وأهله, وبعد أن أحيا ما كان مندثرًا وأعاد ما كان مفقودًا, ووضع الأساس المتين لمَنْ جاء بعده, فرحمه الله رحمة واسعة، وغفر له ما كان من خطايا وزلات.
واسمع ما قاله عنه المؤرِّخُون، قال ابن الأثير في وصفه: «كان شديد الهيبة في عسكره ورعيته عظيم السياسة، لا يقدر القوى على ظلم الضعيف، وكانت البلاد قبل أن يملكها خرابًا من الظلم وتَنَقُّل الولاة ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلاً وسكَّانًا، وكان أشجع خلق الله ..
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
💎 ارشيف #قصة_الدولة_الزنكية
#مادة_نصية📝
{الـحـ01ـلـقـة}
https://t.me/gghopff55/17565
{الـحـ02ـلـقـة}
https://t.me/gghopff55/17566
{الـحـ03ـلـقـة}
https://t.me/gghopff55/17567
{الـحـ04ـلـقـة}
https://t.me/gghopff55/17568
{الـحـ05ـلـقـة}
https://t.me/gghopff55/17569
{الـحـ06ـلـقـة}
https://t.me/gghopff55/17640
{الـحـ07ـلـقـة}
https://t.me/gghopff55/17641
{الـحـ08ـلـقـة}
https://t.me/gghopff55/17642
{الـحـ9ـلـقـة الاخيرة}
https://t.me/gghopff55/17644
#قصة_الدولة_الزنكية {الـحـ05ـلـقـة} 💫فت
#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ06ـلـقـة}

💫نور الدين محمود

ولد نور الدين محمود في (17 من شوال 511هـ = 11 من فبراير 1118م) وهو ثاني أولاد عماد الدين زنكي بعد سيف الدين غازي، وقد تأثر أبناء عماد الدين بما كان لأبيهم من خلال وفضائل، فكانوا جميعا من رجال الجهاد وفرسانه، على تفاوت في ذلك بينهم.

وبعد وفاة عماد الدين زنكي اقتسم ولداه: سيف الدين غازي ونور الدين محمود دولته، فاستقر الأول بالموصل وثبّت أقدامه بها، وانفرد الآخر بحكم حلب، وكان الحد الفاصل بين أملاك الأخوين هو نهر الخابور، وكان كلا الأخوين مؤهلا لما وجهته له الأقدار، فكان سيف الدين غازي صاحب سياسة وأناة، على حين كان نور الدين مجاهدا مخلصا جياش العاطفة صادق الإيمان، ميالا إلى جمع كلمة المسلمين وإخراج الأعداء من ديار المسلمين، مفطورا على الرقة ورهافة الشعور؛ وهو ما جذب الناس إليه، وحبب القلوب فيه.

وكان على نور الدين أن يواصل سياسة أبيه في جهاد الصليبيين، يدفعه إلى ذلك طبيعته المفطورة على حب الجهاد، وملازمته لأبيه في حروبه معهم. وقرب إمارته في حلب من الصليبيين جعله أكثر الناس إحساسا بالخطر الصليبي.

💫 الجهاد ضد الصليبيين

استهل نور الدين حكمه بالقيام ببعض الهجمات على إمارة إنطاكية الصليبية، واستولى على عدة قلاع في شمال الشام، ثم قضى على محاولة “جوسلين الثاني” لاستعادة الرها التي فتحها عماد الدين زنكي وكانت هزيمة الصليبيين في الرها أشد من هزيمتهم الأولى، وعاقب نور الدين من خان المسلمين من أرمن الرها، وخاف بقية أهل البلد من المسيحيين على أنفسهم فغادروها.

وكان نور الدين دائم السعي إلى استمالة القوى الإسلامية المتعددة في شمال العراق والشام وكسب ودها وصداقتها؛ لتستطيع مواجهة العدو الصليبي، فعقد معاهدة مع “معين الدين أنر” حاكم دمشق سنة (541هـ = 1147م) وتزوج ابنته، فلما تعرض أنر لخطر الصليبيين وكانت تربطه بهم معاهدة وحلف لم يجد غير نور الدين يستجير به، فخرج إليه، وسارا معا واستوليا على بصرى وصرخند قبل أن يقعا في يد الصليبيين، ثم غادر نور الدين دمشق؛ حتى يبعث في قلب حاكمها الأمان، وأنه لا يفكر إلا في القضاء على الصليبيين؛ فتوجه إلى حصون إمارة إنطاكية، واستولى على أرتاح وكفر لاثا وبصرفوت.

وعلى أثر ذلك ملك الرعب قلوب الصليبيين من نور الدين، وأدركوا أنهم أمام رجل لا يقل كفاءة وقدرة عن أبيه عماد الدين، وكانوا قد ظنوا أنهم قد استراحوا بموته، لكن أملهم تبدد أمام حماسة ابنه وشجاعته، وكانت سنه إذ ذاك تسعا وعشرين سنة، لكنه أوتي من الحكمة والتدبير خيرا كثيرا.

وفي سنة (542هـ = 1147م) وصلت الحملة الصليبية الثانية على الشام بزعامة لويس السابع وكونراد الثالث، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها وتعرضت لخسائر هائلة، وعجزت عن احتلال دمشق، ويرجع الفضل في ذلك لصبر المجاهدين واجتماع كلمة جيش المسلمين ووحدة صفهم، وكان للقوات التي جاءت مع سيف الدين غازي وأخيه نور الدين أكبر الأثر في فشل تلك الحملة، واستغل نور الدين هذه النكبة التي حلّت بالصليبيين وضياع هيبتهم للهجوم على إنطاكية بعد أن ازداد نفوذه في الشام، فهاجم في سنة (544هـ=1149م) الإقليم المحيط بقلعة حارم الواقعة على الضفة الشرقية لنهر العاصي، ثم حاصر قلعة إنب، فنهض “ريموند دي بواتيه” صاحب إنطاكية لنجدتها، والتقى الفريقان في (21 من صفر 544هـ= آخر يونيو 1149م) ونجح المسلمون في تحقيق النصر وأبادوا الصليبيين عن آخرهم، وكان من جملة القتلى صاحب إنطاكية وغيره من قادة الفرنج وكان فرح المسلمون بهذا النصر عظيما.
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
#قصة_الدولة_الزنكية {الـحـ06ـلـقـة} 💫نو
#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ07ـلـقـة}

💫ضم دمشق

آمن نور الدين بضرورة وحدة الصف، وانتظام القوى الإسلامية المبعثرة بين الفرات والنيل حتى تقف كالبنيان المرصوص أمام أطماع الصليبيين، وكانت دمشق تقف حجرة عثرة في طريق تلك الوحدة، وكان معين الدين أنر صاحب السلطة الفعلية في دمشق يرتبط بعلاقات ودية مع الصليبيين ومعاهدات وتحالفات، وبعد وفاته قام “مجير الدين أبق” بحكم دمشق، وجرى على سياسة أنر في التعامل مع الصليبيين، بل أظهر ضعفا ومذلة في التعامل معهم، وأعرض عن وحدة الصف وجمع الكلمة، وبلغ الهوان به أن وافق على أن يدفع أهل دمشق ضريبة سنوية للصليبيين مقابل حمايتهم، وصار رسل الفرنجة يدخلون دمشق لجمع الجزية المفروضة دون أن يستشعر حاكمها خجلا أو هوانا.

ولم يسكت نور الدين على هذا الوضع المهين، واستثمر شعور الغضب الذي أبداه الدمشقيون، ونجح بمساعدتهم في الإطاحة بمجير الدين أبق وضم دمشق إلى دولته في سنة (549هـ = 1154م) وكانت هذه الخطوة حاسمة في تاريخ الحروب الصليبية؛ حيث توحدت بلاد الشام تحت زعامة نور الدين: من الرها شمالا حتى حوران جنوبا، واتزنت الجبهة الإسلامية مع الجبهة الصليبية التي كانت تستغل حالة التشتت والتشرذم، وتوجه ضرباتها إلى دولة الإسلام حتى إن نور الدين لم يستطع نجدة عسقلان عندما هاجمها الصليبيون سنة (548هـ = 1153م) لأن دمشق كانت تقف حائلا دون تحقيق ذلك.

💫الطريق إلى مصر

بعد نجاح نور الدين في تحقيق المرحلة الأولى من توحيد الجبهة الإسلامية لم يعد أمام الصليبيين للغزو والتوسع سوى طريق الجنوب بعد أن أحكم نور الدين سيطرته على شمالي العراق والشام؛ ولذا تطلع الصليبيون إلى مصر باعتبارها الميدان الجديد لتوسعهم، وشجعهم على ذلك أن الدولة الفاطمية في مصر تعاني سكرات الموت فاستولوا على عسقلان، وكان ذلك إيذانا بمحاولتهم غزو مصر، مستغلين الفوضى في البلاد، وتحولت نياتهم إلى عزم حيث قام “بلدوين الثالث” ملك بيت المقدس بغزو مصر سنة (558هـ = 1163م) محتجا بعدم التزام الفاطميين بدفع الجزية له، غير أن حملته فشلت وأجبر على الانسحاب.

وأثارت هذه الخطوة الجريئة مخاوف نور الدين، فأسرع بشن حملات على الصليبيين في الشام حتى يشغلهم عن الاستعداد لغزو مصر، ودخل في سباق مع الزمن للفوز بمصر، فأرسل عدة حملات إليها تحت قيادة “أسد الدين شيركوه” وبصحبته ابن أخيهصلاح الدين الأيوبي، ابتدأت من سنة (559هـ = 1164م) واستمرت نحو خمس سنوات حتى نجحت بعد سباق محموم مع الصليبيين في الظفر بمصر سنة (564هـ = 1169م) وتولى شيركوه الوزارة للخليفة “العاضد” آخر الخلفاء الفاطميين، على أنه لم يلبث أن توفي بعد شهرين فخلفه في الوزارة صلاح الدين الأيوبي.

نجح صلاح الدين الأيوبي في إقامة الأمن واستتباب الأمور وتثبيت أقدامه في البلاد، وجاءت الفرصة المناسبة لإسقاط دولة الفاطميين؛ فقطع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي في أول جمعة من سنة (567هـ = سبتمبر 1171م).

وكان لدخول مصر تحت حكم دولة نور الدين محمود دوي هائل، لا في مملكة بيت المقدس وحدها بل في الغرب الأوروبي كله، وارتفعت الأصوات لبعث حملة جديدة تعيد للصليبيين في الشام هيبتهم وسلطانهم، وتوجه لمصر ضربات قوية، غير أن حملتهم على مصر لم تحقق أهدافها ليقظة صلاح الدين في مصر.

وبنجاح نور الدين في ضم مصر إلى جبهة الكفاح يكون قد حقق الحلقة الأخيرة من حلقات الجبهة الإسلامية تمهيدا للضربة القاضية.
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
#قصة_الدولة_الزنكية {الـحـ07ـلـقـة} 💫ضم
#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ08ـلـقـة}

💫 نور الدين في التاريخ

كان نور الدين مؤمنا بالإسلام وعظمته؛ وهو ما جعله يحقق ما عجز عنه غيره ممن كانوا أوسع منه بلادا وأعظم مالا ونفقة، ولم يكن يحارب الصليبيين على أنهم نصارى بل على أنهم أجانب عن بلاد العرب والمسلمين جاءوا لاحتلال الأرض وتدنيس المقدسات؛ ولذا لم يمس نصارى بلاده بسوء، بل كانوا عنده مواطنين لهم حق الرعاية الكاملة، فلم يهدم كنيسة ولا آذى قسا أو راهبا.

ولم يشغله الجهاد وتوحيد الصف عن إقامة المدارس والمساجد حتى بلغت مدارسه ومساجده المئات، لا يخلو منها بلد دخل تحت سلطانه، وكان إذا أنشأ مدرسة أوسع النفقة في بنائها، واجتهد في اختيار شيوخها، وأوقف عليها الأوقاف الكثيرة، وكانت مدارسه تُعنى بالقرآن والحديث، وكان له شغف بالحديث وسماعه من جلّة المحدثين، وأجازه بعضهم بالرواية.

وإلى جانب إنشاء المدارس توسع في إقامة البيمارستانات في كل بلدة تحت حكمه، وجعلها للفقراء الذين لا تمكنهم دخولهم من الاستعانة بالأطباء والحصول على الدواء، كما حرص على إقامة الخانات على الطرق لينزل بها المسافرون للراحة أو للمبيت، وجعل عليها من يحرصها ويحافظ على زائريها.

وكان نور الدين مؤمنا صادق الإيمان، ومجاهدا عظيما، وزاهدا متصوفا لا ينام إلا منتصف الليل ثم ينهض فيتوضأ، ويقبل على الصلاة والدعاء، حتى يقبل الصباح فيصليه ثم يأخذ في شئون دولته.

ولزهده في أبهة الحكم والسلطان لم يكن له راتب يتقاضاه، وإنما كان يأكل ويلبس من ملك له كان قد اشتراه من ماله، ولم يكن له بيت يسكنه، وإنما كان مقامه في غرفة في قلعة البلد الذي يحل فيه.

💫 وفاة نور الدين محمود

وبينما كان نور الدين محمود يستعد للسير إلى مصر، فاجأته الحمى، واشتد به المرض حتى لقي الله في (11 من شوال 569هـ = 15 من مايو 1174م) وهو في التاسعة والخمسين من عمره، وكان لموته رجة عنيفة في العالم الإسلامي، وشعر الناس بحجم الخسارة، وعظم المصيبة التي حلت بهم.

وشاء الله تعالى أن تظل سلسلة المجاهدين قائمة، فكلما غاب من الميدان زعيم نهض من بعده زعيم، وكل خلف يزيد عن سابقه في المواهب والملكات، حتى انتهت الراية إلى صلاح الدين الأيوبي فحقق ما كان أمنية في الصدور وخاطرا في العقول.

💫ضم صلاح الدين أملاك الدولة الزنكية

أثارت وفاة نور الدين محمود مُشكلة تقسيم دولته الواسعة بين ورثته، ممَّا هدَّد الوحدة الإسلاميَّة، وكادت هذه المُشكلة أن تعود بِالمُسلمين إلى حالة التمزُّق والإنقسام التي كانوا عليها قبل أن يبدأ عماد الدين الزنكي جُهُوده لِوضع قاعدة صُلبة لِتوحيد الجبهة الإسلاميَّة والتصدي لِلصليبيين. ولم يكن بين رجال الأُسرة الزنكيَّة من يصلُح أن يكون خلفًا لِنور الدين محمود الذي لم يترك سوى ابنٍ طفلٍ في الحادية عشرة من عُمره اسمهإسماعيل، وابنة صغيرة، وزوجة هي عصمة الدين خاتون ابنة مُعين الدين أنُر. واتفق الأُمراء في دمشق على تنصيب إسماعيل المذكور خلفًا لِوالده، فأجلسوه مكان أبيه في القلعة وحلفوا له وسمُّوه الملك الصالح، وعيَّنوا شمسُ الدين مُحمَّد بن عبد الملك أتابكًا له.

وكتبوا إلى وُلاة الأطراف بِإقامة الخِطبة باسمه وبِخاصَّةً صلاح الدين في مصر، موضحين لهُ بِأنَّ مُهمته إنما هي قيادة العساكر ضدَّ الصليبيين، وأنَّ تلك المُهمَّة كانت من تكليف نور الدين محمود، والرَّاجح أنَّهم توقعوا مُعارضته وتخوفوا منه كونه أصبح أشهر وأقوى القادة المُسلمين في المشرق. وقد نصح القاضي كمال الدين الشهرزوري الأُمراء المُحيطين بِالملك الصالح بِضرورة التعاون مع صلاح الدين والانقياد له نظرًا لِقُوَّته وشعبيَّته وانفراده بِحُكم مصر. ويبدو أنَّ هذه النصيحة لم تُجد نفعًا تجاه طُمُوحاتهم، فقد خشوا على مصالحهم، وظنُّوا أنَّ صلاح الدين إذا دخل البلاد أخرجهم منها.

في ظل هذه الأوضاع، انتهز سيف الدين غازي، صاحب الموصل، وفاة عمِّه وعمل على توطيد مكاسبه في الجزيرة الفُراتيَّة، فانتزع عدَّة بلاد وضمَّها إلى أملاكه ممَّا ساعد على تفتيت وحدة الدولة الزنكيَّة. كما برز صراعٌ آخر سار في خطٍ مُوازٍ لِصراع أفراد البيت الزنكي بين أقوى اثنين من قادة نور الدين محمود هُما شمس الدين علي ابن الداية في حلب، وشمس الدين مُحمَّد بن عبد الملك في دمشق، فقد أراد الأخير العمل السياسي تحت إمرة الأتابكة الزنكيين، بينما أراد ابن الداية العمل تحت إمرة صلاح الدين بعد توحيد مصر والشَّام.

وزاد من حدَّةالانقسامات أنَّ سعد الدين كمشتكين الذي عيَّنه نور الدين نائبًا له في الموصل، شارك في التنافس على الزعامة، فانتقل من الموصل إلى حلب، وتمكَّن عبر الخديعة من نقل الملك الصالح إليها، ثُمَّ اعتقل ابن الداية وحكم حلب، وتفرَّد بِأتابكيَّة الملك الصالح.
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
#قصة_الدولة_الزنكية {الـحـ08ـلـقـة} 💫 ن
#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ09ـلـقـة}
💫وهكذا انقسمت الدولة الزنكيَّة إلى ثلاث دُويلات تركَّزت كُلٌ منها حول واحدة من المُدن الرئيسيَّة: الموصل وحلب ودمشق، وظلَّت مصر بِحُكم هذا الوضع معزولة عن الشَّام تحت قيادة صلاح الدين.

بعد ازدياد حدَّة الانقسامات بين المُسلمين في الشَّام والجزيرة الفُراتيَّة، وتهديد البناء الضخم الذي بناه الزنكيين بالانهيار، وهيمنة الأتابك كمشتكين على الملك الصالح إسماعيل، تطلَّع صلاح الدين إلى بسط سيطرته على الشَّام وإعادة الوحدة بينها وبين مصر بِهدف استمرار السياسة التي بدأها عماد الدين الزنكي، وجرى عليها نور الدين محمود، وتشرَّبها صلاح الدين، والتي تقضي بِتوحيد كلمة المُسلمين والقضاء على الصليبيين.

لِذلك، أرسل صلاح الدين كتابًا إلى الخليفة العبَّاسي أبو العبَّاس أحمد الناصر لِدين الله يُخبرهُ فيه عزمه المسير إلى الشَّام وعزل الأُمراء المُتخاصمين وتوحيد البلاد وكلمة المُسلمين لأنَّ استرداد بيت المقدس من الصليبيين لن يكون مُمكننًا في ظل هذه الظروف، وذكَّر الخليفة العبَّاسي بما قدَّمه وعمُّه أسد الدين شيركوه من خدماتٍ لِلإسلام والمُسلمين من جهادٍ لِلصليبيين ورد مصر إلى كنف الخلافة العبَّاسيَّة، فأجاز لهُ الخليفة أن يمضي قُدمًا في مشروعه.

خرج صلاح الدين من القاهرة في شهر صفر سنة 570هـ المُوافق فيه شهر أيلول (سپتمبر) سنة 1174م، على رأس الجيش، وسار حتَّى دخل بُصرى وصلخد والكسوة، ووصل إلى دمشق يوم الثُلاثاء29 ربيع الآخر المُوافق فيه 28 تشرين الأوَّل (أكتوبر)، فاستقبله أهلها وجُندُها وقادتها استقبالًا طيِّبًا، ثُمَّ سار إلى حلب وحاصرها بعد أن امتنع كمشتكين عن طاعته، لكنه لم يتمكَّن من دُخُولها، خُصوصًا بعد أن لجأ كمشتكين إلى الحشاشين والصليبيين لِإشغال السُلطان الأيُّوبي عن المدينة، فاضطرَّ صلاح الدين إلى فك الحصار عن حلب وضمَّ حِمص وبعلبك. ولم يكد شهر نيسان (أبريل) ينتهي حتَّى ضمَّ كامل بلاد الشَّام حتَّى حماة شمالًا. دفع هذا النجاح الخِلافة العبَّاسيَّة إلى الإسراع في إرسال الخُلع السُنيَّة والتشريفات العبَّاسيَّة والرايات السوداء، إضافةً إلى التوقيع من الديوان العزيزي بِسلطنة صلاح الدين على مصر والشَّام واليمن والحجاز وجميع ما اشتملت عليه الدولة النوريَّة وما يفتحه بِسيفه.

وبِهذا التقليد أضحى صلاح الدين سُلطانًا شرعيًّا بِنظر المُسلمين ووارثًا حقيقيًّا لِلدولة الزنكيَّة وجهاد عماد الدين ونور الدين، وقد أكسبه هذا التقليد مهابة الصليبيين وأُمراء المُسلمين بِعامَّة.

💫آخر الأُمراء الزنكيين وزوال الدولة

بقيت حلب في حوزة الملك الصالح إسماعيل حتَّى وفاته في 25 رجب 577هـ المُوافق فيه 4 كانون الأوَّل (ديسمبر) 1181م. وكان قبل وفاته قد أوصى أُمراءه بِتسليم المدينة إلى ابن عمِّه عز الدين مسعود بن مودود أمير الموصل، الذي خلف أخيه سيف الدين غازي. وبِوفاة الصالح إسماعيل انتهى عهد الدولة الزنكيَّة في الشَّام.

أمَّا في الموصل، فقد شهد عهد عز الدين مسعود مُحاولة صلاح الدين الأيُّوبي ضم المدينة والجزيرة الفُراتيَّة في سبيل تشكيل جبهة إسلاميَّة مُتحدة لِمُجابهة الصليبيين، كما شهد سلخ الخِلافة لِمدينة دقوقا عن الإمارة. وبعد وفاة عز الدين مسعود، تولَّى نور الدين أرسلان شاه إمارة الموصل، ولم تحدث في عهده أيَّة حوادث ذات أهميَّة سوى مُحاولة الملك العادل أبو بكر الأيُّوبي ضم سنجار إلى دولة أخيه صلاح الدين. وعندما تُوفي نور الدين أرسلان شاه في شهر رجب سنة607هـ المُوافق فيه شهر كانون الثاني (يناير)1211م، تولَّى بدرُ الدين لُؤلُؤ تدبير شؤون إمارته بناءً على تكليفٍ منه بِفعل صغر سن وليّ عهده عز الدين مسعود. وبعد وفاة عز الدين مسعود، طلب بدرُ الدين لُؤلُؤ من الخليفة أن يمنحهُ حق الوصاية على نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود لِصغر سن الأخير، فاستجاب لهُ الخليفة وجعل لهُ الحق في النظر في أُمُور دولته.

وفي سنة631هـ المُوافقة لِسنة 1233م، وضع بدرُ الدين لُؤلُؤ حدًا لِحُكم آخر أُمراء الأُسرة الزنكيَّة في الموصل، فأعلن عن وفاة ناصر الدين محمود بن عز الدين مسعود، وتسلَّم الحُكم في الموصل دون أن يخشى أحدًا، وأرسل إلى الخليفة العبَّاسي أبو جعفر المنصور المُستنصر بِالله يطلب منهُ تقليده حُكم الموصل، فاستجاب الخليفة لِطلبه. وقد دام حُكمُ بدر الدين لُؤلُؤ لِلموصل حتَّى سنة656هـ المُوافقة لِسنة 1258م، عندما خضع لِلمغول الذين اجتاحوا الدولة العبَّاسيَّة وأسقطوا الخلافة الإسلاميَّة، فزالت الدُويلات التي كانت تتبعها وفي مُقدمتها إمارة الموصل.

💎انتهت قصة الدولة الزنكية لنا لقاء في سلسلة جديدة ان شاء الله..
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ01ـلـقـة}

حفل عصر الدولة العباسية بالعديد من الدول المستقلة التي أقام بعضها أهل الشقاق والأهواء، ونشأ بعضها الآخر على أكتاف عدد من المجاهدين الذين حملوا لواء الجهاد في مواجهة الصليبيين، ومن الصنف الأخير تبرز الدولة الزنكية (521- 630هـ/ 1127- 1233م) في التاريخ الإسلامي.

وتُنسَب الدولة الزنكية إلى مؤسسها عماد الدين زنكي بن آق سنقر، وأمّا تسميتها بالأتابكية فنسبة إلى أتابك، وهو لقب كان يُلَقَّبُ به مُربُّو الملوك السلاجقة، ويعني الأمير الوالد، ثم أصبح هذا اللقب لقب شرف يمنحه السلاطين للمقربين من الأمراء وغيرهم.

💎أحوال العالم الإسلامي قبيل قيام الدولة الزنكية

💫الخلافة العباسية:
فقدت الخلافة العباسية هيبتها السياسية منذ نهاية القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، وتراجعت قوتها؛ فقامت في كنفها –كما ذكرنا- دول انفصالية مستقلة استقلالاً تامًّا أو جزئيًّا مع الاعتراف بسلطان الخليفة الروحي، ودخلت شعوب جديدة في المجتمع الإسلامي تمكنت من الوصول إلى الحكم، ووقع الخلفاء تحت تأثير نفوذهم؛ مما أدَّى إلى تحجيم دورم السياسي الفاعل ففقدوا الاحترام الذي كان يتمتع به أسلافهم.

💫السلاجقة:
ابتدأت العلاقات العباسية - السلجوقية بالظهور ابتداءً من عام (429هـ/ 1037م) عندما أعلن طُغْرُلْبَك (429 - 455هـ/ 1037 - 1063م) قيام دولته في خراسان، وأضحى السلاجقة منذ ذلك التاريخ يمثلون ظاهرة جديدة في حياة دولة الخلافة العباسية، فقد اختلف موقفهم منها عن موقف أسلافهم البويهيين الشيعة؛ إذ كانوا يحترمون الخلفاء تدينًا ينبع من عقيدتهم ونشأتهم السنية.

وظلت العلاقات الطيبة قائمة بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية ما يقارب ثمانية عشر عامًا منذ أن أعلن طغرلبك قيام دولته في خراسان، ولكن نشب الخلاف بين الطرفين إثر دخول العراق ضمن دائرة النفوذ السلجوقي، وسيطرة طغرلبك على بغداد في عام (447هـ/ 1055م).

💫الدولة العبيدية (الفاطمية):
شكَّلَت الدولة العُبيدية (المسماة زورًا بالفاطمية) تحديًا للزعامة الدينية السنية في بغداد، فقد استطاعت بين أعوام (430 - 450 هـ/ 1038 - 1058م) أن تبسط نفوذها على مصر وملحقاتها في بلاد الشام حتى دمشق.

وقد ظلَّ العالم الإسلامي طوال قرنين من الزمان (358 ـ 567 هـ/ 969 ـ 1171م) منقسمًا على نفسه بين مذهبين مختلفين؛ مما ترك أثرًا خطيرًا على قوة المسلمين، ظهرت نتائجه في عهد الحروب الصليبية.
وشهد القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي صراعًا بين السلاجقة المدافعين عن المذهب السني، وبين العُبَيديين المدافعين عن المذهب الشيعي الإسماعيلية.

💫الصليبيون:
وقد جاءوا إلى الشرق مستغلين ضعف المسلمين وتفرقهم، فكان من نتائج الحملة الصليبية الأولى أن سقطت نيقية عاصمة سلطنة سلاجقة الروم عام 490هـ/ 1097م بيد الصليبيين، وتأسيس إمارة الرّها الصليبية عام 491هـ/ 1098م، وأنطاكية عام 491هـ/ 1098م، ومملكة بيت المقدس عام 492هـ/ 1099م، وطرابلس عام 502 هـ/ 1109م.
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
#قصة_الدولة_الزنكية {الـحـ01ـلـقـة} حفل
#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ02ـلـقـة}

💫كان آق سُنْقُر والد عماد الدين زنكي من أصحاب السلطان ملكشاه الأول، وقيل: إنه كان لصيقه، ومن أخصِّ أصدقائه؛ فقد نشأ الرجلان وترعرعا معًا، ولما تسلم ملكشاه الحكم عينه حاجبًا له، وحظي عنده فكان من المقربين، وأنس إليه ووثق به حتى أفضى إليه بأسراره، واعتمد عليه في مهماته، فكان أبرز قادته.

وقد قال عنه ابن كثير: "كان من أحسن الملوك سيرة، وأجودهم سريرة، وكانت الرعية في أمن وعدل ورخص".

عمل آق سنقر على توطيد حكمه في حلب، وكان في صراع مع تتش أخي السلطان ملكشاه الأول الذي فشل في التخلص من آق سنقر في فترة حكم أخيه بسبب العلاقات الطيبة بين آق سنقر والسلطان، ولكن بعد وفاة ملكشاه حدث نزاع بين تتش وآق سنقر انتهى بوقوع آق سنقر في الأسر بعد موقعة تل السلطان وقتله هو وبوزان، وأسر كربوغا.

وتُعدّ الفترة الأولى من قيام الدولة الزنكية مرحلة تمهيد لقيام دولة قوية استطاعت أن توحد المسلمين، وتقف في وجه الصليبيين؛ وذلك للأسباب الآتية:

1- إقامة أحكام الشريعة.

2- تبني سياسة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين.

3- طرد اللصوص وقطاع الطرق والقضاء عليهم، والتخلص من المفسدين.

4- القضاء على الفوضى التي كانت متفشية في البلاد.

5- معاملة الحكام لأهل البلاد معاملة حسنة؛ فنجد مثلاً أنَّ آق سنقر عامل أهل حلب بالحسنى حتى "توارثوا الرحمة عليه إلى آخر الدهر" على حدِّ قول ابن الأثير.

وقد ظهر في هذه المرحلة عدة شخصيات كان لها دور كبير في التمهيد لظهور عماد الدين زنكي ونور الدين محمود؛ إذ حملوا لواء الجهاد ضد الصليبيين، وحافظوا على جذوة الجهاد متقدةً في صدور المسلمين؛ ومن هؤلاء:

1- قوام الدولة كربوغا (489- 495هـ/ 1096- 1102م) الذي تزعم حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين، ومن ذلك مساندته القوة الإسلامية في أنطاكية أثناء تعرضها للحصار الصليبي في عام (490هـ- 1097م)، ولكنه فشل في حملته بعد الصراع والانشقاق بين قادته.

بعد ذلك انغمس كربوغا في النزاعات السلجوقية الداخلية إلى أن تُوُفِّي في مراغة بأذربيجان في (شهر ذي القعدة 494هـ/ شهر أيلول عام 1101م).

2- شمس الدولة جكرمش (495- 500هـ/ 1102- 1106م):

فبعد وفاة كربوغا قامت نزاعات على تولي حكم الموصل انتهت بفوز جكرمش بحكم الموصل، ولكن أثناء هذه الصراعات حاول بلدوين الثاني دي بورج، صاحب الرها القيام بحملة على حران في (أواسط عام 497هـ/ ربيع عام 1104م)، فما كان من جكرمش إلا أن قام بالاتحاد مع سُقْمان بن أُرْتُق صاحب ماردين وديار بكر، واجتمعوا عند رأس العين ودارت معركة بينهم وبين الصليبيين في (شعبان 497هـ/ 1104م) على ضفة نهر البليخ، وانتصر المسلمون على الصليبيين على ضفاف نهر البليخ، ووقع بلدوين أمير الرّها وجوسلين صاحب تل باشر في أيدي المسلمين.

3- شرف الدولة مودود (501- 507هـ/ 1108- 1113م):

الذي بعد تولِّيه إمارة الموصل كان متمسكًا بفكرة الجهاد ضد الصليبيين؛ لذلك اتحد مع جيرانه من المسلمين وأعدَّ حملة عسكرية في (503هـ/ 1110م) لانتزاع مدينة الرها، وقد سانده إيلغازي الأرتقي أمير ماردين بعساكره من التركمان، وسقمان القطبي أمير أرمينية، وكانت هذه أول مرة يجتمع فيها هذا العدد من الأمراء المسلمين لقتال الصليبيين، وحاصروا الرها لمدة شهرين دون أن يتمكنوا من اختراق استحكاماتها، فرفعوا الحصار عنها خصوصًا بعد قدوم جيش الصليبيين من القدس.

4- آق سنقر البرسقي:

وقد تولى فترتين: الفترة الأولى من 507- 509هـ/ 1113- 1115م، والفترة الثانية من 515- 520هـ/1121- 1126م. وقام في فترته الأولى بالهجوم على الرّها في 508هـ/ 1115م، واكتفى بعد حصارها بتخريب بعض القرى المجاورة مثل سروج، وبلد، وربض الرها، وسميساط. وقام بمحاولات عديدة في محاربة الصليبيين.

تبدأ فترة الازدهار الفعلية للدولة الزنكية منذ عهد عماد الدين زنكي الذي كان الولد الوحيد لقسيم الدولة آق سنقر، وقد قتل هذا القائد في دفاعه عن الدولة السلجوقية ضد الخارجين عليها، ولم يترك وراءه سوى بطلنا الفذ ورائد الجهاد ضد الصليبيين عماد الدين زنكي وهو في العاشرة من عمره.

💫عماد الدين زنكي بن آق

هو عماد الدين زنكي بن آق سنقر بن عبد الله، رائد الجهاد الإسلامي ضدَّ الوجود الصليبي بالشام؛ وذلك بعد أن ظنَّ الجميع أنهم لن يخرجوا أبدًا من بلاد الإسلام، هذا البطل الذي كسر أسطورة الصليبيين الذين لا يُقهرون, هو البطل العظيم عماد الدين زنكي، هو الملك المنصور عماد الدين قائد عسكري وحاكم مسلم، تركي الأصل، حكم أجزاءً من بلاد الشام وحارب الصليبيين، كان شديد الهيبة، عظيم السياسة، يحمي الضعفاء، ويخافه الأقوياء، عمر البلاد وكانت قبله خرابًا، وأشاع الأمن وقطع دابر اللصوص، وكان الناس في زمانه بأنعم عيش.
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
#قصة_الدولة_الزنكية {الـحـ02ـلـقـة} 💫كا
#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ03ـلـقـة}

💫كان من النتائج الطيبة لاهتمام الوزير العظيم «نظام الملك» بالعلم والمدارس وأهل الصلاح خلال وزارته لسلاطين السلاجقة العظام ألب أرسلان وولده ملكشاه، وحرصه على استعمال الأَكْفَاء وأصحاب الديانة في المناصب المهمَّة والقيادية - أن سطع نجم العديد من الرجال والأبطال على مستوى عالٍ من الكفاءة والمسئولية؛ وكان لهم الأثر العظيم في حفظ بلاد الإسلام؛ من هؤلاء القائد «آق سنقر بن عبد الله التركي»، الملقَّب بقسيم الدولة، وكانت له مكانة عظيمة عند السلطان ملكشاه السلجوقي؛ حتى إنه قد جعله واليًا على حلب، وقد قُتل هذا القائد في دفاعه عن الدولة السلجوقية ضدَّ الخارجين عليها، ولم يترك وراءه سوى ولد صغير في العاشرة من العمر؛ هو بطلنا الفذُّ ورائد الجهاد ضدَّالصليبيين عماد الدين زنكي.

تولَّى الأمير كربوقا (كربوغا) أمير الموصل تربية عماد الدين زنكي، وتعهَّده بالعناية والرعاية، وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال، وترقَّى في سلك الجندية حتى صار مُقَدِّمَ عساكرَ مدينة واسط، ثم ظهرت كفاءته القتالية سنة (517هـ= 1123م) في قتاله مع الخليفة العباسي المسترشد بالله ضدَّ أحد الثوار الشيعة واسمه «دبيس بن صدفة»؛ وهذا ما جعل السلطان السلجوقي محمودًا يُرَقِّيه ليُصبح قائد شِحْنَة بغداد سنة 521 هـ، ويُعطيه لقب الأتابك؛ أي: مربِّي الأمير؛ ذلك لأنه توسَّم فيه الخير والصلاح والنجابة، فعهد إليه بتربية ولديه ألب أرسلان وفروخ شاه.

💫 من قيادة إلى ولاية

بعد أن أصبح عماد الدين زنكي قائدًا، حدث تغيُّر كبير في مجرى الأحداث في منطقة الشام الملتهبة؛ حيث تُوُفِّيَ أمير الموصل عز الدين مسعود، وحاول بعض المنتفعين تولية ولده الصغير مكانه، ولكنَّ قاضي الموصل بهاء الدين الشهرزوري ذهب إلى السلطان محمود وطلب منه تعيين أمير قوي وكُفْء للموصل، التي على حدود الشام حيث الوجود الصليبي الكثيف في سواحل الشام منذُ ثلاثين سنة، والذي أسفر عن قيام أربع ممالك صليبية (أنطاكية ـ الرها ـ طرابلس ـ بيت المقدس) في الشام، هذا غير سيطرة الصليبيين على أغلب بلاد الشام.

وبعد تفكير سريع وإمعان نظر عميق قرَّر السلطان محمود أن يُسند ولاية الموصل وأعمالها إلى بطلنا عماد الدين زنكي، الذي لم يجد السلطانُ محمود أفضل منه لهذه المهمَّة، وكانت هذه الولاية سنة (521هـ= 1127م)، وكان هذا التاريخ إيذانًا بعهد جديد في الصراع ضد الصليبيين وفاتحة خير على الأُمَّة كلها.

💫 الأوضاع على الجبهة الشامية

عندما تولَّى عماد الدين زنكي الموصل تسنَّى له أن يرى الأوضاع على الجهة الشامية عن قرب؛ حيث كانت الصورة قاتمةً؛ فالصليبيون قد احتلُّوا معظم سواحل الشام، وأقاموا أربع إمارات صليبية بالشام والجزيرة السورية، أمَّا المدن والحصون التي تحت حُكم المسلمين فهي تُعانى من الفُرقة والاختلاف والتنافر، ورُبَّما التقاتُل فيما بينها، فكلُّ والٍ على مدينة يتعامل فيها كأنه ملك مستقلٌّ عن سائر البلاد، وأغلبهم بل كلهم يَتَّقِي شرَّ الصليبيين ويتحاشى الصدام معهم؛ خوفًا على ضياع ملكه وانهدام دنياه، مثل ما هو واقعٌ اليوم بين حُكَّام الدول الإسلامية, وهذا الخذلان من ولاة الأمصار يُسَهِّل على الصليبيين مهمَّتهم، وجعل وجودهم في الشام والبلاد الإسلامية يترسَّخ شيئًا فشيئًا.

أضف إلى ذلك أن الأمصار الإسلامية كلها تقريبًا كانت في حالة فوضى واضطراب؛ فالخلاف على أشُدِّه بين أمراء البيت السلجوقي بعضهم بعضًا، كذلك الخلاف بين السلطان مسعود السلجوقي والخليفة العباسي المسترشد بالله على أشُدِّه، ومن خلال النظر في هذه الأوضاع كلها قرَّر عماد الدين زنكي أخذ زمام المبادرة، والقيام بعملٍ لم يسبقه فيه أحدٌ، فوضع نُصب عينيه هدفًا عظيمًا طالما حَلَم المسلمون بتحقيقه، ولكن يتعدَّى نطاقه الأحلام إلى الحقيقة، قرَّر البطل تحرير بلاد الشام من الوجود الصليبي.
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
#قصة_الدولة_الزنكية {الـحـ03ـلـقـة} 💫كا
#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ04ـلـقـة}

💫 عماد الدين زنكي وبناء القاعدة الصلبة

من البديهيات الأساسية في قتال أيِّ عدوٍّ وطرد أيِّ محتلٍّ وتحرير أيِّ أرضٍ أن تكون جبهة المقاومة والدفاع واحدةً صُلبةً مجتمعةً؛ إذ كيف يُجاهد المسلمون بصفٍّ ضعيفٍ ممزَّقٍ؛ لذا كان أول ما سعى عماد الدين إلى تحقيقه هو تكوين وبناء القاعدة الصلبة للمسلمين؛ وذلك بتوحيد الجبهة الداخلية لسورية، وربما كانت هذه المهمَّة هي أصعب مرحلة في مراحل الانتصار.

بدأ عماد الدين زنكي بمدينة حلب المهمَّة في المنطقة الشمالية من بلاد الشام في غرَّة المحرم سنة 522هـ؛ أي بعد شهور قليلة من ولايته على الموصل؛ وهذا ما يُوَضِّح أن هذا الرجل الفذَّ كان يملك خطَّة شاملة ورؤية واضحة مُعَدَّة سلفًا لحركته بأرض الشام، ولم يكن ضمُّه لمدينة حلب بالشيء السهل؛ فلقد ظلَّ محاصرًا لها عدَّة شهور قبل فتحها، وكان عليها بعض الطامعين المتغلِّبِينَ، ثم قام بعدها بضمِّ مدينة حماة في السنة التالية (523هـ= 1129م)، ثم ضمَّ مدينة سرجى ودارا، ثم حصن الأثارب وكان بيد الصليبيين، ثم انشغل عماد الدين زنكي بالخلافات العنيفة بين الخليفة المسترشد والسلطان مسعود؛ بل تورَّط فيها؛ وذلك لعدَّة سنوات، ثم عاد بعدها إلى هدفه الأسمى، فضمَّ عدَّة قلاع للأكراد الحميدية والهكارية وقلعة الصور، وواصل سعيه حتى استقامت له ديار بكر وإقليم الجبال سنة (528هـ= 1134م).

استقامت معظم بلاد الشام لعماد الدين زنكي؛ عدا ما كان بيد الصليبيين وفتح دمشق قلب الشام وحاضرته، وقد حاول زنكي ضمَّ دمشق سنة (529هـ= 1135م) ولكنه فشل، وبقيت خارج سلطته، وبقي يُخَطِّط ويُفَكِّر في كيفية الوصول إلى دمشق.

💫 زنكي أسد الشام

بعد أن تمَّ لعماد الدين زنكي معظم ما أراد من تكوين القاعدة الصلبة، بدأ في العمل الحقيقي والجهاد الأصيل ضدَّ أعداء الأُمَّة المحتلِّين لمقدساتها، وكان الصليبيون قبل مجيء عماد الدين زنكي يُخَطِّطُون للاستيلاء على أرض الشام وسورية كلها، ثم مصر بعدها، فلمَّا جاء أسد الشام الجديد صار غاية سعيهم الحفاظ على ما تحت أيديهم.

ولما ازدادت قوَّة عماد الدين زنكي في حلب، وثقلت وطأته على الصليبيين في الشام، فكَّرُوا في الاستعانة بإمبراطور القسطنطينية عمانوئيل، ورغم الاختلاف المذهبي بينهم؛ فهم كاثوليك وهو أرثوذكسي، فإنهم في النهاية صليبيون فوافق عمانوئيل على نجدتهم.

أصبحت بلاد الشام في موقف حرج بالغ الخطورة؛ فإمبراطور بيزنطة عمانوئيل جاءها بجيوش جرارة سنة (532هـ= 1138م) واخترق آسيا الصغرى، ولم يقدر أحد من سلاجقة الروم على إيقافه، ودخل إلى سورية بعد أن استولى على مدينة بزاعة؛ وهي قريبة من حلب، فغدر بأهلها بعد أن أعطاهم الأمان؛ فقتلهم وسبى نساءهم، وهنا وقعت المنطقة بين مطرقة إمبراطور بيزنطة وسندان الصليبيين الفرنجة بالشام، وهنا برز رجل المهامِّ الصعبة.

فبعد نظر وتمعُّن في هذه النازلة العامَّة قرَّر عماد الدين زنكي العمل في اتجاهين:-
الاتجاه الأول: مناوشة إمبراطور بيزنطة بشنِّ حرب عصابات على معسكره باستخدام المجاهدين المتطوعين في الشام ضدَّ الأعداء بالكرِّ والفرِّ، وإظهار القوَّة والشجاعة، وإرسال رسائل تهديدٍ ووعيدٍ لهذا الإمبراطور؛ وهذا على الرغم من الفارق الضخم بين القوَّتين، وذلك من أجل إرهاب البيزنطيين ومنعهم من التقدُّم.

الاتجاه الثاني: إيقاع الخلاف بين البيزنطيين والفرنجة؛ فلقد كان عماد الدين زنكي من دواهي العصر ذكاءً وفطنةً وحدَّة بصيرة, فلقد استغلَّ الخلاف المذهبي بين الأرثوذكس والكاثوليك للتفريق بينهما، فأرسل إلى إمبراطور بيزنطة يُخَوِّفُوه من نكصان الفرنجة للعهود وأنهم يتربَّصُون به، فإن فارق مكانه الذي فيه «قلعة شيزر» بالقرب من حماة سيتخلَّفُون عن نصرته. ثم أرسل إلى الصليبيين الفرنجة يُخَوِّفُهم من إمبراطور بيزنطة، ويقول لهم: «إنْ مَلَكَ بالشام حصنًا واحدًا ملك بلادكم جميعًا».

ونجحت خطَّة عماد الدين زنكي؛ ووقع الخلاف بين الطرفين، وانسحب الإمبراطور من الشام، وترك المجانيق وأسلحة كثيرة بحالتها؛ حيث غنمها جيش الشام، وحرَّرُوا أسرى المسلمين، وارتفعت مكانة عماد الدين بين المسلمين، وعظمت هيبته في صدور الصليبيين, وأثبت للجميع أنه رجل المهامِّ الصعبة، وقد حاول بعدها فتح دمشق؛ ولكنه فشل لحصانتها وقوَّة حاكمها معين الدين أنر، فلم يستطع عماد الدين تحقيق حُلْمه في أهمِّ مدن الشرق.
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55