#قصة_الدولة_الزنكية
{الـحـ05ـلـقـة}
💫فتح الرها
عندما انطلقت شرارة الحملات الصليبية احتلَّ الصليبيون الرها، وأقاموا بها أول إمارة صليبية في منطقة الجزيرة السورية وذلك سنة (492هـ= 1099م). كان أميرها صليبيًّا اسمه «جوسلين»؛ ففهم من تحرُّكات عماد الدين زنكي أنه يُخَطِّط لفتح الرها، فعمد إلى تقوية دفاعاتها، والمبالغة في تحصينها، وظلَّ مقيمًا في الرها لا يُفارقها أبدًا؛ رغم أن زوجته وأولاده بفرنسا، ولكنه صبر على فراقهم من أجل الدفاع عن الرها.
كان عماد الدين زنكي يعرف قَدْر جوسلين ودهاءه وحُنْكَتَهُ؛ لذلك وضع خطَّة في غاية الذكاء؛ فهو كما يقولون: «لا يفلُّ الحديد إلَّا الحديد». فلقد أظهر عماد الدين أنه مشغول بحرب القبائل الكردية، التي تُسيطر على قلاع كثيرة في منطقة ديار بكر (جنوب تركيا الآن)، ولا تقبل الانضمام لصفِّ عماد الدين زنكي لدواعي عصبية وقبلية، وبالفعل انطلت هذه الخدعة على جوسلين، الذي خفَّف من شدَّة التحصينات، وتراخى في دفاعاته، حتى إنَّه قد سافر لزيارة أهله في فرنسا، وكان عماد الدين زنكي قد بثَّ العيون التي تنقل له الأخبار ليلَ نهارَ, فلمَّا علم مغادرة جوسلين وتراخت الدفاعات، نادى في معسكر جيشه بالاستعداد للهجوم على الرها.
كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرئهم في القتال، لا يُجاريه أحدٌ من جنده في ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام، وقال: «لا يأكل معي على المائدة إلا من يطعن معي غدًا باب الرها». وهي كناية عن شدَّة القتال والشجاعة؛ لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل إلى باب المدينة، ولا يفعل ذلك إلَّا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلَّا أميرٌ واحدٌ وصبيٌّ صغيرٌ؛ فقيل الأمير للصبي: «ما أنت في هذا المقام؟». فقال له عماد الدين زنكي القائد المربِّي القدوة، الذي يعرف كيف يُحَمِّس الشباب والنشء، ويُحَفِّز طاقاتهم: «دعوه فوالله! إني أرى وجهًا لا يتخلَّفُ عنِّي».
وبالفعل أثمرت هذه الكلمات طاقة جبارة عند الصبي، فكان أوَّلَ طاعنٍ، وأوَّلَ بطلٍ في هذه المعركة، وفُتحت المدينة في 6 جُمَادَى الآخرة (سنة 539هـ=1144م), وكان لفتحها صدًى شديدًا في العالمين الإسلامي والصليبي؛ فلقد كان أعظم انتصار حقَّقه المسلمون على الصليبيين منذُ دخولهم الشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم, وسرت رُوحٌ جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها، وعادت لهم الثقة، وتغلَّبُوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين، والتي أقعدتهم عن السعي للتحرير عشرات السنين.
أمَّا الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب، وفقدوا أهم إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثالثة على الشام سنة (542هـ= 1147م) لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا.
💫 استشهاد عماد الدين زنكي
بعد الانتصار في الرها ضاقت السبل على أعداء الإسلام، وأصبح كيانهم الصليبي بالشام -والذي بنَوْهُ في خمسين سنة- في خطر حقيقي في ظلِّ وجود هذا الأسد الرابض، وبعد أن أعيتهم الحيل في ميادين القتال، وصار ينتصر الأسد عليهم في كل موطن من سورية، قَرَّرُوا اللجوء إلى سلاح الغدر والخيانة، والأيدي القذرة التي لا تعمل إلَّا في الظلام.
فكَّر الصليبيون في كيفية التخلُّص من عماد الدين زنكي، وبعد تفكير وتقليب فيمَنْ سيقوم بهذه المهمَّة؛ قرَّرُوا إسناد مهمَّة الاغتيال إلى جماعة معروفة بذلك، وبالفعل وفي 6 ربيع الآخر (541هـ= 1146م) وأثناء قيام عماد الدين زنكي بحصار قلعة جعبر المطلَّة على نهر الفرات، قامت مجموعة من الباطنية بالاتفاق مع الصليبيين -بعد أن قبضوا الثمن- بالتسلُّل إلى معسكر عماد الدين زنكي، واندسوا بين حُرَّاسه، وفي الليل دخلوا عليه خيمته وهو نائم وقتلوه، تُوُفِّيَ عن 64 عامًا، ودُفن بصفين، وخَلَفَهُ ابنه سيف الدين غازي في الموصل، وخَلَفَهُ ابنه نور الدين محمود في حلب ثم في دمشق.
وهكذا مات البطل وترجَّل الفارس وحطَّ الراكب بعد حياة طويلة كلّها جهاد وكفاح ونصرة للإسلام وأهله, وبعد أن أحيا ما كان مندثرًا وأعاد ما كان مفقودًا, ووضع الأساس المتين لمَنْ جاء بعده, فرحمه الله رحمة واسعة، وغفر له ما كان من خطايا وزلات.
واسمع ما قاله عنه المؤرِّخُون، قال ابن الأثير في وصفه: «كان شديد الهيبة في عسكره ورعيته عظيم السياسة، لا يقدر القوى على ظلم الضعيف، وكانت البلاد قبل أن يملكها خرابًا من الظلم وتَنَقُّل الولاة ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلاً وسكَّانًا، وكان أشجع خلق الله ..
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
{الـحـ05ـلـقـة}
💫فتح الرها
عندما انطلقت شرارة الحملات الصليبية احتلَّ الصليبيون الرها، وأقاموا بها أول إمارة صليبية في منطقة الجزيرة السورية وذلك سنة (492هـ= 1099م). كان أميرها صليبيًّا اسمه «جوسلين»؛ ففهم من تحرُّكات عماد الدين زنكي أنه يُخَطِّط لفتح الرها، فعمد إلى تقوية دفاعاتها، والمبالغة في تحصينها، وظلَّ مقيمًا في الرها لا يُفارقها أبدًا؛ رغم أن زوجته وأولاده بفرنسا، ولكنه صبر على فراقهم من أجل الدفاع عن الرها.
كان عماد الدين زنكي يعرف قَدْر جوسلين ودهاءه وحُنْكَتَهُ؛ لذلك وضع خطَّة في غاية الذكاء؛ فهو كما يقولون: «لا يفلُّ الحديد إلَّا الحديد». فلقد أظهر عماد الدين أنه مشغول بحرب القبائل الكردية، التي تُسيطر على قلاع كثيرة في منطقة ديار بكر (جنوب تركيا الآن)، ولا تقبل الانضمام لصفِّ عماد الدين زنكي لدواعي عصبية وقبلية، وبالفعل انطلت هذه الخدعة على جوسلين، الذي خفَّف من شدَّة التحصينات، وتراخى في دفاعاته، حتى إنَّه قد سافر لزيارة أهله في فرنسا، وكان عماد الدين زنكي قد بثَّ العيون التي تنقل له الأخبار ليلَ نهارَ, فلمَّا علم مغادرة جوسلين وتراخت الدفاعات، نادى في معسكر جيشه بالاستعداد للهجوم على الرها.
كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرئهم في القتال، لا يُجاريه أحدٌ من جنده في ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام، وقال: «لا يأكل معي على المائدة إلا من يطعن معي غدًا باب الرها». وهي كناية عن شدَّة القتال والشجاعة؛ لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل إلى باب المدينة، ولا يفعل ذلك إلَّا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلَّا أميرٌ واحدٌ وصبيٌّ صغيرٌ؛ فقيل الأمير للصبي: «ما أنت في هذا المقام؟». فقال له عماد الدين زنكي القائد المربِّي القدوة، الذي يعرف كيف يُحَمِّس الشباب والنشء، ويُحَفِّز طاقاتهم: «دعوه فوالله! إني أرى وجهًا لا يتخلَّفُ عنِّي».
وبالفعل أثمرت هذه الكلمات طاقة جبارة عند الصبي، فكان أوَّلَ طاعنٍ، وأوَّلَ بطلٍ في هذه المعركة، وفُتحت المدينة في 6 جُمَادَى الآخرة (سنة 539هـ=1144م), وكان لفتحها صدًى شديدًا في العالمين الإسلامي والصليبي؛ فلقد كان أعظم انتصار حقَّقه المسلمون على الصليبيين منذُ دخولهم الشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم, وسرت رُوحٌ جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها، وعادت لهم الثقة، وتغلَّبُوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين، والتي أقعدتهم عن السعي للتحرير عشرات السنين.
أمَّا الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب، وفقدوا أهم إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثالثة على الشام سنة (542هـ= 1147م) لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا.
💫 استشهاد عماد الدين زنكي
بعد الانتصار في الرها ضاقت السبل على أعداء الإسلام، وأصبح كيانهم الصليبي بالشام -والذي بنَوْهُ في خمسين سنة- في خطر حقيقي في ظلِّ وجود هذا الأسد الرابض، وبعد أن أعيتهم الحيل في ميادين القتال، وصار ينتصر الأسد عليهم في كل موطن من سورية، قَرَّرُوا اللجوء إلى سلاح الغدر والخيانة، والأيدي القذرة التي لا تعمل إلَّا في الظلام.
فكَّر الصليبيون في كيفية التخلُّص من عماد الدين زنكي، وبعد تفكير وتقليب فيمَنْ سيقوم بهذه المهمَّة؛ قرَّرُوا إسناد مهمَّة الاغتيال إلى جماعة معروفة بذلك، وبالفعل وفي 6 ربيع الآخر (541هـ= 1146م) وأثناء قيام عماد الدين زنكي بحصار قلعة جعبر المطلَّة على نهر الفرات، قامت مجموعة من الباطنية بالاتفاق مع الصليبيين -بعد أن قبضوا الثمن- بالتسلُّل إلى معسكر عماد الدين زنكي، واندسوا بين حُرَّاسه، وفي الليل دخلوا عليه خيمته وهو نائم وقتلوه، تُوُفِّيَ عن 64 عامًا، ودُفن بصفين، وخَلَفَهُ ابنه سيف الدين غازي في الموصل، وخَلَفَهُ ابنه نور الدين محمود في حلب ثم في دمشق.
وهكذا مات البطل وترجَّل الفارس وحطَّ الراكب بعد حياة طويلة كلّها جهاد وكفاح ونصرة للإسلام وأهله, وبعد أن أحيا ما كان مندثرًا وأعاد ما كان مفقودًا, ووضع الأساس المتين لمَنْ جاء بعده, فرحمه الله رحمة واسعة، وغفر له ما كان من خطايا وزلات.
واسمع ما قاله عنه المؤرِّخُون، قال ابن الأثير في وصفه: «كان شديد الهيبة في عسكره ورعيته عظيم السياسة، لا يقدر القوى على ظلم الضعيف، وكانت البلاد قبل أن يملكها خرابًا من الظلم وتَنَقُّل الولاة ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلاً وسكَّانًا، وكان أشجع خلق الله ..
#يتبع...
〰〰〰〰〰〰〰
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55