#السيرة_النبوية :العهد المدني
المحـ21ــاضرة:[ يوم بدر ]
∫∫ الــحـ202ـلـقـة ∫∫
T.me/gghopff55
___
💎بعض صفات وملامح الجيش المنتصر:
التكتيك لأمر القتال والأخذ بالأسباب المادية:
بدأ الرسول ﷺ يصف الصفوف، وكانت هذه أول مرة يحارب فيها العرب في صف الرسول ﷺ؛ لذا كان حريصاً على جعل الصف متساوياً ومتراصاً في منتهى النظام، وبدأ الرسول ﷺ يلقي على جيشه بعض الأوامر العسكرية لتنظيم العملية الحربية، قال:(إذا أكثبوكم -أي: اقتربوا منكم- فارموهم بالنبل)، فأمرهم بالرمي عليهم عند الاقتراب، حتى لا يطلقوا السهام والكفار لا يزالون بعيداً فلا تصل السهام إليهم
وأحياناً يكون المقاتل في حالة عصبية شديدة، ويطلق السهام في كل مكان بدون تركيز، وهذا يضيع الذخيرة على المسلمين، فالرسول ﷺ يقول لهم:لا تطلقوا هذه السهام إلا عندما يقتربون ويصبحون في مرمى السهام بعد ذلك ابدءوا في ضربهم،
في رواية البخاري يقول:(واستبقوا نبلكم) أي: حافظوا على الذخيرة، ولا تقوموا بإهدار هذه السهام، ثم يقول:(ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم) لا ترفعوا السيوف من أغمادها إلا بعد أن يقترب الجيش تماماً.
إن هذا التكتيك النبوي يحتاج منا إلى وقفة؛ حتى نعرف صفة مهمة من صفات الجيش المنصور،
فمن صفات الجيش المنصور: الإعداد الجيد والأخذ بكل أسباب النصر المادية، والعمل بكل ما هو متاح في اليد لتحقيق النصر، وقد رأينا كيف حصلت المخابرات الإسلامية على أخبار جيش مكة، ورأينا الموقع العسكري المتميز الذي نزلوا فيه، ورأينا التوجيهات العسكرية الحكيمة، ورأينا الصفوف والترتيب، وسنرى أيضاً مهارة القتال وقوة الضربات والشجاعة والإقدام والاحترافية في الحرب، فهو إعداد في منتهى الروعة،
إذ الجيش كله يتكون من فرسين وسبعين جملاً، وعدة المسافر ليست عدة المحارب، لكن هذه هي الإمكانيات التي في استطاعتهم، والرسول ﷺ أعد كل ما في استطاعته؛ لذلك ليس غريباً أن تجد في سورة الأنفال قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}[الأنفال:60]
💎تواضع القائد مع جنده وانصهاره فيهم:
هناك موقف مهم وعجيب حصل أثناء تسوية صفوف المقاتلين المسلمين، هذا الموقف يعرفنا أيضاً على صفة مهمة من صفات الجيش المنصور أثناء تسوية الصف
فالرسول ﷺ وجد صحابياً متقدماً عن غيره من الصحابة في الصف، وغير مستو في مكانه، فجاء إليه ﷺ وكان يمسك بيده قدحاً -سهماً بلا نصل- يسوي بها الصف، وكان اسمه سواد بن غزية رضي الله عنه، فضربه بالقدح ضربة خفيفة في بطنه، وقال له:(استوِ يا سواد !)
لكن العجيب في الموقف هو رد فعل سواد الذي فاجأ الجميع بقوله:(يا رسول الله! أوجعتني فأقدني)، يعني:الضربة أوجعتني وأنا أريد القصاص، يريد أن يقتص من رسول الله قائد الجيش، بل قائد الدولة الإسلامية،
لكن الأعجب من كل هذا رد فعل الرسول ﷺ، فقد استجاب دون أي جدل لطلب سواد ، ولم يقل له: الضربة خفيفة وأنا قائد الجيش، وليس فقط ذلك، بل إن سواداً كانت بطنه عارية، فلما ضربه الرسول ﷺ جاءت الضربة على بطنه مباشرة، فكشف الرسول ﷺ عن بطنه ليضربه سواد ضربة مماثلة تماماً على البطن مباشرة ودون ثياب
فهل هذا الموقف يحصل في الجيش الآن بين جندي وعقيد أو حتى رائد أو نقيب؟ لن أقول لك: لواء أو مشير. هل هذا من الممكن أن يحصل؟
لكن هذا الحدث حصل في التاريخ مع الرسول ﷺ، حصل مع قائد الدولة بكاملها، كشف عن بطنه وقال: (استقد)، خذ حقك. اضرب، لكن سواداً اعتنقه وقبل بطن الرسول ﷺ،
فقال النبي ﷺ:(ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال: يا رسول الله! قد حضر ما ترى -أي: حضر أمر القتال والحرب- فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك) فدعا له ﷺ بخير.
ولم يمت سواد في بدر، لكنه لفت أنظارنا إلى صفة أصيلة من صفات الجيش المنصور، هذه الصفة هي تلاحم القائد مع شعبه وانصهاره فيه، فالجيش المنصور لا فرق فيه بين قائد وجندي، والأمة المنصورة لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم،
كما قال الرسول ﷺ للأنصار في بيعة العقبة الثانية:(أنا منكم وأنتم مني)، وقد رأينا هذا الأمر قبل ذلك في مكة، وفي قصة بناء المسجد النبوي، ورأيناه الآن في كل خطوات بدر، وسنراه كثيراً من أول لحظات الخروج من المدينة إلى بدر،
فقد كان الصحابة يتناوبون على الإبل لقلة عددها، وكان الرسول ﷺ وهو قائد الجيش يتناوب في الركوب مع علي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد، وفي رواية:مع أبي لبابة ،وأثناء السفر قال الصحابيان للرسول ﷺ:نحن نمشي عنك، فانظر إلى رد الرسول ﷺ:(ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما)،
فالرسول ﷺ وهو المعصوم يريد أجر المشي في سبيل الله، وهذا التصرف يزيد من حماسة الجند، وذلك عندما يجد القائد معه في كل خطوة من مشاكله وتعبه وسعادته وحزنه، ليس هناك ترفع ولاكبر ولا ظلم ولا كراهية .
T.me/gghopff5