كان المعز لدين الله العبيدي على دراية بحجم وقوة هذا الرفض المصري لدولته الشيعية التي أسسها آباؤه بالمغرب، ومن ثم عندما أرسل جوهر الصقلي للسيطرة على مصر أطلق له العنان ليكتب أمانًا للمصريين يظهر فيه التسامح وكل ما من شأنه أن يجعلهم وعلى رأسهم الفقهاء والعلماء يغيرون وجهة نظرهم في العبيديين إلى أن يتمكن المعز من السيطرة على الأمور.
برغم ما احتواه الأمان من نصوص تأمينية لأهل السنة وعهود ومواثيق بعدم تغيير مذهب المصريين فقد بدأ جوهر الصقلي في تنفيذ مخططه الذي جاء به وكان مختمرًا في ذهنه سلفًا، فنراه يغير فقه أهل السنة بشأن رؤية الهلال، ويهدد على ذلك، وضرب السكة باسم الخليفة العبيدي الشيعي بدلًا من اسم الخليفة العباسي، ومنع الناس من لبس السواد شعار العباسيين، ويعلن شعار الشيعة في الآذان، وزيد في الخطبة على عادة الشيعة "اللهم صل على محمد النبي المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا، اللهم صل على الأئمة الراشدين، آباء أمير المؤمنين الهادين المهديين". كل ذلك بعد الأمان بأسابيع قليلة، ثم يشرع في بناء الجامع الأزهر سنة 359هـ ليكون خاصًا بشعائر المذهب الشيعي العبيدي.
ولتحقيق التمكين للمذهب الشيعي الإسماعيلي ومساندة العبيديين وخدمة دعايتهم لمذهبهم وجدنا جوهرًا يطيح بإمام وخطيب الجامع العتيق السني عبد السميع بن عمر العباسي ويعين نائبه هبة الله بن أحمد ليقوم بخطبة الجمعة الموافقة 20 شعبان 358هـ ويحقق الدعاية الفاطمية كاملة على منبر جامع عمرو بن العاص، وهو ما تم بالفعل إذ كان الخطيب هبة الله قد منح رقعة من قبل جوهر ليتلوها من أعلى المنبر إذا انتهى من خطبته وبلغ الدعاء، وكانت الرقعة تحتوي على تمجيد المعز لدين الله ووصفه بأنه ثمرة النبوة وسليل العترة الهادية المهدية.
ومنذ ذلك الحين بدأ جوهر الصقلي يستقطب بعض فقهاء السنة من ذوي النفوس الضعيفة والذين عرفوا باسم فقهاء السلطان في كل عصر وزمان، ومن ثم نراه بعد أيام من استقطاب خطيب الجمعة هبة الله بن أحمد، يتحول إلى فقيه آخر هو علي بن أحمد الإشبيلي وينجح في إقناعه بمذهبه في رؤية الهلال وصلاة العيد، وبالفعل خرج الإشبيلي فصلى وخلفه جوهر وخطب خطبة العيد وجوهر يسمعه.
لم يتوقف جوهر الصقلي عن استقطاب وجذب الفقهاء السنة إلى جانبه بكل السبل وإن بقوا على مذهبهم، فهدفه الأول هو تحقيق الدعاية للخلافة العبيدية ولمذهبها الشيعي الإسماعيلي، وقد وجد ضالته في فقهاء السلطان من السنة لتحقيق هدفه. لذا رأينا بعد أشهر قليلة من استبدال جوهر لعبد السميع بن عمر خطيب جامع عمرو بن العاص بنائبه هبة الله بن أحمد، رأينا الفقيه والخطيب عبد السميع يخضع لمطالب جوهر، ومن ثم وجدناه خطيبًا للجمعة الموافقة 8 جمادى الأولى سنة 359هـ في جامع أحمد بن طولون والذي أذن فيه المؤذنون بحي على خير العمل.
كذلك كانت الاحتفالات الشيعية والرسمية مجالًا للدعاية للمذهب الإسماعيلي والهتاف بأسماء أئمتهم فضلًا عن زيارة قبور بعض الشخصيات التي لها قبول عند أهل السنة أيضًا، ومن ذلك ما ذكرهالمقريزي من أن الشيعة كانوا يخرجون في يومعاشوراء عند قبر كلثم بنت محمد بن جعفر الصادق، وقبر السيدة نفيسة، ويخرج معهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالهم بالنياحة والبكاء على الحسين.
ومن جملة هذه الأعياد الشيعية عيد غدير خم، وهو اليوم الذي أوصى فيه النبي للخلافة لعلي من بعده كما يزعمون، وكذلك الاحتفال بذكرى مقتل الحسين يوم عاشوراء في احتفال رسمي وشعبي كبير. وكانوا يحتفلون بالموالد الستة وهي مولد الرسول، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، والإمام القائم. هذا إلى جانب أعياد مصرية قديمة، كعيد فتح الخليج، ويوم النوروز، وعيد الشهيد.
أما الأعياد العامة التي حرصت الدولة العبيدية على الاحتفال بها، فهي رأس السنة الهجرية، وليلة المولد النبوي الكريم، وليلة أول رجب وليلة نصفه، وليلة أول شعبان وليلة نصفه، وغرة رمضان، ويوم الفطر، ويوم النحر أو عيد الأضحى.
وكانت الدولة العبيدية ترمي بترتيب هذه المناسبات إلى غايتين: الأولى أن تثبت هيبتها الدينية بما تسيغه من الخطورة والخشوع على بعض المظاهر والرسوم المذهبية، والثانية أن تغمر الناس بفيض من الحفلات والمآدب والمواكب الباهرة، وأن تنثر عليها ما استطاعت من دواعي البهجة والمرح، وذلك لكي تكسب ولاء الناس وعرفانهم وتأييدهم لها.
#يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55