اذكروا الله كثير واستغفروا كثير❤️
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
#السيرة_النبوية :العهد المدني
المحـ15ــاضرة:[ قيام الدولة الإسلامية ]
∫∫ الــحـ144ـلـقـة ∫∫
____
💎 كيفية بناء بيت النبي ﷺ في المدينة:
هناك موقف لطيف حصل من الرسول ﷺ بعد قرار بناء المسجد في هذا المكان، أنتم تعرفون أن الرسول ﷺ قال عن الناقة:(دعوها فإنها مأمورة)، وبذلك حُدد مكان المسجد النبوي، وفي هذا الوقت لم يكن النبي ﷺ قد سكن المدينة المنورة، ولم يبن له بيتاً، فأين يسكن ﷺ ؟ قال: (أي بيوت أهلنا أقرب؟) لم يبحث ﷺ عن أفخم بيوت المدينة أو أقربها إلى قلبه، لكن قال: (أي بيوت أهلنا أقرب؟) أياً كانت هذه الدار، فكل ديار المسلمين داره ﷺ، بغض النظر عن أصولهم أو عرقياتهم أو عن قبائلهم، فقد يكون المسلم الباكستاني أو السوري أو الإندونيسي أو الأمريكي أقرب إلى المسلم من أخيه الذي يربطه النسب به ولا يشترك معه في العقيدة
وما أبلغ ما قاله رب العالمين لنوح عليه السلام:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}[هود:46] سبحان الله! ابنه ليس من أهله؛ لأنهما مختلفان في العقيدة، وها هو الرسول ﷺ يبحث عن أقرب بيوت أهله، مع أن الرسول ﷺ من قريش، وهؤلاء من الأوس والخزرج، وأقرب بيت كان هو بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وفيه مكث الرسول ﷺ وحدثت فيه أحداث لطيفة لا يسمح المجال بتفصيلها
استقر الرسول ﷺ في بيت أبي أيوب الأنصاري ، وظل فيه فترة من الزمن إلى أن بُني له بيت، وعندما نقول: بيت، فهذا مجاز، فالرسول ﷺ بُني له حجرة بسيطة جداً وصغيرة تفتح على المسجد، وكان كل زوجة من زوجات الرسول ﷺ لها حجرة واحدة، وفي هذه اللحظة التي أتى فيها إلى المدينة المنورة لم يكن متزوجاً إلا بالسيدة سوده بنت زمعة رضي الله عنها وأرضاها، فكانت له حجرة واحدة، وكان قد عقد على السيدة عائشة، لكن لم يبن بها بعد.
ويبدأ الرسول ﷺ في بناء دولة لا تحكم المدينة فقط، بل تحكم دولة مؤهلة لقيادة الأرض بكاملها، ولهز عروش ضخمة وممالك عظمى من هذا البناء البسيط الصغير
إن المسجد النبوي البسيط الذي بُني في ذلك الوقت لا شك أنه مجهود هائل، ولا شك أنه في ظن كثير من الناس حلم بعيد المدى ومستحيل، لكن سبحان الله! هذا الحلم تحقق وبخطوات معروفة وثابتة
إذاً:لابد لنا في هذه المجموعات من المحاضرات أن نتعرف على خطوات الرسول ﷺ:
الخطوة الأولى سبق وأن قلناه: إنها خطوة الإيمان الحقيقي اليقيني بالله عز وجل، وهذه بنيت في مكة وأول قدومه إلى المدينة ﷺ، فقد حرص ﷺ على التأكيد عليها، وعلى زرع معناها من جديد في المسجد النبوي ومسجد قباء
💎الطوائف الموجودة في المدينة المنورة وخارجها وكيفية تعامله ﷺ معها:
أول شيء فعله الرسول ﷺ بعد بناء المسجد دراسة واقع المدينة المنورة بعد الهجرة إليها.
من الذي يعيش في المدينة المنورة؟ من حول المدينة المنورة؟ من أصحاب المدينة المنورة؟ من يعادي المدينة المنورة؟ من يحايد المدينة المنورة؟
فالرسول ﷺ يبني دولة على أرض فيها الكثير من المتغيرات الهائلة، والمشاكل الضخمة، والأزمات الطاحنة.
وهكذا تعددت الطوائف التي يجب أن يتعامل معها رسول الله من أول يوم هاجر فيه، وكل طائفة لها مشاكل خاصة وحسابات مختلفة وأزمات متشعّبة، ولها أولويات تختلف كثيراً عن أولويات الطوائف الأخرى
من هي الطوائف المختلفة،حتى نعرف كيف كانت حكمة الرسول ﷺ في التعامل مع هذه الطوائف المختلفة؟
هذه الطوائف تستطيع أن تقسمها إلى ثلاث مجموعات، وسوف تظهر بعدها مجموعة رابعة خطيرة جداً في المدينة المنورة، لكن بعد سنتين من الهجرة إلى المدينة المنورة.
💎طائفة المسلمين:
المجموعة الأولى من هذه الطوائف: مجموعة المسلمين، والمسلمون هؤلاء أكثر من نوع وطائفة:
الطائفة الأولى:أهل المدينة الأصليون من المسلمين، الذين عُرفوا بعد هذا بالأنصار، هؤلاء كانوا طائفتين كبيرتين: الأوس والخزرج، وكانت هناك مشاكل كبيرة بين الطائفتين، وسننظر كيف تعامل الرسول مع هذه المشاكل.
الطائفة الثانية:طائفة المهاجرين الذين فروا بدينهم من مكة إلى المدينة بغير زاد ولا مال ولا بيوت ولا أي شيء، وكان موقفهم حرجاً جداً.
الطائفة الثالثة:طائفة المهاجرين إلى الحبشة، وعددهم كبير، وكان عددهم أكثر من (80) رجلاً وامرأة مع أولادهم وممتلكاتهم، وهم موجودون في الحبشة ولهم فيها سنوات.
الطائفة الرابعة:المسلمون في القبائل غير المكية الذين يعيشون في شبه استقرار، ولكن بعيداً عن المدينة المنورة كبعض المسلمين في اليمن، وبعض المسلمين في قبيلة غفار، وفي قبيلة أسلم، وفي غيرها من القبائل، فهم بعيدون عن المدينة المنورة، وليس لهم سند واضح في داخل المدينة المنورة،ومع ذلك هم في قبائلهم أعزة
الطائفة الخامسة:طائفة المستضعفين في مكة، الذين لم يهاجروا إلى المدينة المنورة؛ لضعفها وقلة حيلتها،
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :العهد المدني
المحـ16ــاضرة:[ مجتمع المدينة]
∫∫ الــحـ156ـلـقـة ∫∫
____
الشاهد أن الرسول ﷺ كان يحاول قدر المستطاع أن يوصل الدعوة بالتي هي أحسن إلى مشركي الأوس والخزرج، وكان يحاول تجنب الصراع قدر ما يستطيع.
لم يكن معظم المشركين في يثرب على شاكلة عبد الله بن أبي ابن سلول ، وإنما وقفوا على الحياد، وهؤلاء مارس معهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم الدعوة الإسلامية بالتي هي أحسن، ووصلوا بها إلى قلوبهم، كما حدث مع عمرو بن الجموح ، ومع غيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
إذاً: هذا كان موقف الرسول ﷺ من مشركي المدينة المنورة
___
💎 كيفية تعامل النبي ﷺ مع مشركي الأعراب والقبائل الكبرى المحيطة بالمدينة:
كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبعث للمشركين الأعراب بعض من يدعوهم إلى الإسلام، وكان يتخير أفراد قبيلتهم، فمن أخطر القبائل التي كانت حول المدينة المنورة قبيلة غفار، أرسل إليها الرسول ﷺ أبا ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه، فأتى بنصف أهلها، ودعا لها ﷺ بقوله: (غفار غفر الله لها)، واستمرت فيهم الدعوة دون أن ينتقلوا إلى داخل المدينة المنورة، كانوا في ديارهم، وكان النبي ﷺ يرسل إليهم من يعلمهم ويدعوهم إلى الله عز وجل.
وفي نفس الوقت أبرز النبي ﷺ للأعراب قوة المسلمين؛ حتى لا يغتر هؤلاء بأن المهاجرين هاجروا في حالة ضعف أو قلة إلى المدينة المنورة، فيغيرون على المدينة المنورة طمعاً فيها، فأظهر لهم قوة كما سيظهر لنا بعد ذلك، عندما كان يرسل ﷺ السرايا حول المدينة المنورة.
أما المشركون في القبائل الكبرى التي كانت حول المدينة المنورة، فقد حاول ﷺ أن يعقد معهم بعض المعاهدات، كما عقد معاهدة مع قبيلة جهينة، وهي قبيلة كبيرة في غرب المدينة المنورة، وكان هذا العقد في منتهى الأهمية؛ لأن غرب المدينة المنورة هو طريق القوافل القرشية المارة من مكة إلى الشام، فإذا أمن ﷺ قبيلة جهينة استطاعت الجيوش الإسلامية بعد ذلك التحرك في أمان في غرب المدينة، وقطع الطريق على قوافل قريش، كما سيتبين بعد ذلك.
إذاً: كانت سياسته مع القبائل الكبرى المحيطة بالمدينة المنورة محاولة عقد المعاهدات والأحلاف قدر المستطاع، تبقى مشكلة كبيرة جداً، ألا وهي مشكلة مشركي قريش، فبعض الناس يظنون أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا انتقل مسافة (500) كيلو متر عن مكة المكرمة فإن مكة هدأ بالها، ولم يعد عندها مشكلة مع المسلمين، وأنه ستهدأ الأوضاع، ولن يُطْلَبَ المسلمون في هذه البقاع البعيدة عن مكة المكرمة.
ولكن هذا ليس صحيحاً، يقول ربنا سبحانه وتعالى:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة:217]، فلابد أن المشركين في مكة سيسعون قدر المستطاع لغزو المدينة المنورة، وإخراج المسلمين منها، وللتعاون والتحالف مع أعداء المسلمين هنا وهناك لاستئصال شأفتهم تماماً، وهذا ما حدث بالفعل وبطرق مختلفة كما سنرى، وهذا الكلام كله يثبت لنا حقيقة مهمة جداً، وهي أنه لا خيار في المعركة، حتى وإن تجنب المسلمون المعركة، بل لابد أن تحدث سنة التدافع التي شرعها رب العالمين سبحانه وتعالى في خلقه وأرضه وإلى يوم القيامة، تدافع أهل الحق وأهل الباطل، حتى وإن كان أهل الحق لا يريدون أهل الباطل بسوء، لابد أن يبحث أهل الباطل عنهم ليتم اللقاء كما أراد رب العالمين سبحانه وتعالى للحرب بين الحق والباطل.
فيا ترى ماذا عمل المشركون؟ كيف خططوا؟ وكيف دبروا؟ وكيف تعاونوا؟ وكيف أثروا على مشركي يثرب هناك؟ وكيف عقدوا بعض الأحلاف مع القبائل حول المدينة المنورة؟ وكيف حاصروا المدينة المنورة؟
هذا حديث يطول، وأسأل الله عز وجل أن يجمع بيننا على الخير دائماً حتى نتناول هذا الأمر وغيره من الأمور إن شاء الله في اللقاءات القادمة.
ونسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55
#السيرة_النبوية
∫∫ الــحـ158ـلـقـة ∫∫
___
💎 #تتمة ملخص الخطوات المهمة لبناء الأمة الإسلامية:
ونحن رأينا تعامل رسول الله كيف كان مختلفاً مع كل أزمة بحسب طبيعتها، فنجد أنه انتهج نهجاً حكيماً جداً في التعامل مع النوعيات المختلفة من الأفراد والقبائل التي استلزمت المرحلة أن يتعامل معها، فمع الأوس والخزرج قام بالصلح بينهما على أساس العقيدة والدين، ومع المهاجرين قام بخطوات مرتبة منظمة لاستيعابهم في المجتمع المدني، بل وتفعيلهم في بناء الأمة، فتحول المهاجرون من عبء اقتصادي وسياسي واجتماعي على المدينة المنورة إلى قوة فاعلة تضيف إلى خير المدينة وقوتها
كذلك تعامله مع المسلمين في الحبشة حيث استقدم ﷺ بعضهم وأبقى بعضهم لحين استقرار الأوضاع
وتعامله ﷺ مع المسلمين في القبائل البعيدة عن المدينة وليسوا من أهل مكة؛ أبقاهم في قبائلهم لينشروا الإسلام فيها، ولكي يوسعوا نطاق الحركة الدعوية في الجزيرة العربية، ومع المستضعفين من المسلمين في مكة الذين لا يستطيعون الهجرة، أمرهم بكتمان الإسلام قدر المستطاع، وتجنب الصراع مع المشركين؛ لكي لا يستأصل هذا الدين، إلى أن يأتي الله عز وجل بأمره
ومع المشركين من الأوس والخزرج كانت إستراتيجيته ﷺ في التعامل مع هؤلاء هي الدعوة بالتي هي أحسن، ومحاولة ضم العناصر الطيبة منهم إلى الأمة الإسلامية، وحاول قدر المستطاع أيضاً أن يتجنب الصدام أو الصراع معهم؛ حتى لا يدخل في صراعات داخلية تضعف من بنيان الأمة الإسلامية الناشئة، ومع المشركين من الأعراب حول المدينة حاول أن يصل بالدعوة إليهم قدر ما يستطيع، ثم أظهر لهم القوة حتى لا يفكروا في الإغارة على المدينة المنورة، أو على قوافل المسلمين حول المدينة المنورة، خاصة أن قبائل العرب هذه اشتهرت بالسلب والنهب
ومع القبائل المشركة الكبرى حول المدينة عقد معاهدات ومحالفات تقوم أساساً على حسن الجوار وعدم الاعتداء، ومن هذه القبائل كما ذكرنا في الدرس الماضي قبيلة جهينة في غرب المدينة
فهذه طوائف مختلفة تعامل معها ﷺ، بقيت لنا طائفتان في غاية الأهمية:
الطائفة الأولى:هي طائفة المشركين في قريش.
والطائفة الثانية:طائفة اليهود
فالتعامل مع هاتين الطائفتين لا بد أن يوضع في خلفية الآية الكريمة المعجزة، التي لخص الله فيها قصة هاتين الطائفتين مع أمة الإسلام،
قال الله في إيجاز معجز يفسر لنا إستراتيجية هؤلاء المشركين واليهود في تعاملهم مع المسلمين،قال:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]
💎مشركو أهل مكة وكيفية تعامل النبي ﷺ:
قريش أكبر قبيلة وأعز قبيلة عربية، لها تاريخ مجيد، وليس من المعتاد في الجزيرة العربية أن تقف قبيلة في مواجهتها، بل كل القبائل تحرص على إقامة علاقات دبلوماسية قوية مع قريش؛ لأن قريشاً ترعى البيت الحرام، وتهتم بأمور الحجاج في مكة،ولها مكانة في قلوب العرب
فإذا وضعت هذه الخلفية في تحليلك فلا شك أن قريشاً لن تسكت أبداً عن الطعن الخطير الذي وجهه الأوس والخزرج لكبريائها، عندما استضافوا الرسول ﷺ وأصحابه المؤمنين
فالمسألة أصبحت مسألة كرامة وعناد عند قريش؛ حاول أكابر قريش وزعماؤها بشتى الطرق أن يقتلوا هذه الدعوة في مهدها، لكنهم لم يستطيعوا، وليس من السهل لهؤلاء الأسياد أن يسلِّموا بالهزيمة
وقريش لها علاقة قوية بالأوس والخزرج، فقد كان بينهم تعاون وتحالف وتجارة، بل كان بينهم مصاهرة وزواج، فأخوال الرسول ﷺ نفسه كانوا من بني النجار من الخزرج، ولا شك أن هجرة الرسول ﷺ إلى المدينة ستؤثر سلباً على علاقة قريش بالأوس والخزرج، وقد يتلو ذلك آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية، وستكون هناك آثار كبيرة ووخيمة على أهل مكة، فقريش تعرف أن الرسول ﷺ ذهب إلى المدينة حيث يسكن اليهود، ولو أسلم اليهود فإن هذا سيضيف قوة كبيرة جداً إلى قوة المسلمين
فاليهود لديهم سلاح وحصون وعتاد وأفراد وأموال، وقد توقع القرشيون أن يسلم اليهود؛ وذلك لأنهم أهل كتاب، يتحدثون عن الإله الواحد، ويتحدثون عن الرسل والكتب السماوية، بل إنهم يتحدثون عن ظهور نبي في هذه الفترة من الزمان، فلا يستبعد أبداً إسلامهم كما في تحليل قريش
وبالإضافة إلى كل هذه العوامل فإن المدينة المنورة تقع على طريق التجارة من مكة المكرمة إلى الشام، وأن وفود المسلمين في هذه المنطقة كقوة ودولة سيهدد مصالح قريش التجارية بقوة، وسيضرب اقتصاد مكة بضربات موجعة، فمن المستحيل أن تترك قريش دولة الإسلام هكذا دون مقاومة
من أجل ذلك كله كان من المتوقع أن قريشاً لن تنسى قصة الرسول ﷺ وهجرته للمدينة، مع أنه صار بعيداً عنها حوالي (500) كيلو متر، وهكذا تبقى السنة الإلهية الواضحة في كتاب الله العزيز قال تعالى:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة:217]
#يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ29ــاضرة:[ المسلمون بعد الأحزاب]
∫∫ الـحـ296ــلـقـة ∫∫
____
💎 #تتمة استمرار السرايا التأديبية للمناوئين والمعارضين للدولة الإسلامية الناشئة:
وفي شهر رمضان سنة (6)هـ أرسل الرسول ﷺ سرية أخرى إلى بني فزارة في منطقة وادي القرى، وكان على رأسها أبو بكر الصديق أو زيد بن حارثة رضي الله عنهما أجمعين،
وهذه السرية كانت موجهة لامرأة في هذه المنطقة اسمها أم قرفة ، فهذه المرأة أعدت فرقة من ثلاثين فارساً لاغتيال الرسول ﷺ، فلما علم الرسول ﷺ بهذه الفرقة المجهزة له أخرج لها هذه السرية الإسلامية، فقتلت هذه السرية الإسلامية هؤلاء الفرسان الثلاثين جميعاً،
وازداد نشاط المسلمين جداً في شهر شوال سنة (6) هـ، فبعث الرسول ﷺ فيه ثلاث سرايا خطيرة:
✍الأولى: كانت إلى مجموعة من المشركين من قبائل عكل وعرينة كانوا قد أظهروا الإسلام وغدروا بأصحاب الرسول ﷺ، وقتلوا منهم واحداً، وسرقوا كمية كبيرة من الإبل، فبعث لهم الرسول ﷺ سرية بقيادة كرز بن جابر الفهري رضي الله عنه واستطاع الإمساك بهم وقتلهم وتمكن من استرداد الإبل.
✍السرية الثانية: في شوال (6)هـ كذلك وكانت هذه السرية بقيادة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه، وكانت مهمتها في منتهى الخطورة، مهمتها اغتيال اليسير بن رزام أمير خيبر من اليهود، فهو من أكابر اليهود ومن الذين أخذوا يجمعون اليهود في خيبر ووادي القرى وفدك لحرب المسلمين، ولم يكتف بذلك، بل قام بجمع غطفان من جديد لحرب المسلمين، من أجل أن يعيد الأحزاب مرة ثانية، كان يريد أن يقوم بنفس الدور الذي قام به قبله حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق ،
ولكي لا تتكرر مأساة حصار المسلمين في داخل المدينة المنورة حرص الرسول ﷺ على التخلص من هذا الطاغية قبل أن يجمع هؤلاء المشركين، وبذلك يجنب المسلمين ويلات أزمة ضخمة قد تحدث، وكانت هذه السرية المكونة من ثلاثين فارساً، وتمكنت هذه السرية من قتل اليسير بن رزام ، وأمن بذلك المسلمون شر خيبر، ولكن بصفة مؤقتة؛ لأن كل اليهود في ذلك الوقت كانوا متجمعين في خيبر،
ولا شك أن العلاج النهائي لمشكلة يهود خيبر وتأليبهم المستمر على المسلمين يحتاج إلى وقفه حاسمة، ويحتاج إلى حرب فاصلة مباشرة كالتي فعلت قبل ذلك مع يهود بني قينقاع ويهود بني النضير ويهود بني قريظة، هذا هو الحل النهائي مع يهود خيبر،
لكن الرسول ﷺ لم يكن قادراً على ذلك الوقت؛ لأن وضع المدينة المنورة خطير، لا يستطيع ﷺ أن يغزو خيبر الآن دون أن يؤمن ظهره، فأخطر ما يهدد ظهر الرسول ﷺ هو غزو قريش المدينة المنورة، وبالذات أن غزوة الأحزاب لم يمض عليها سوى سنة واحدة،
وإذا خرج الرسول ﷺ بجيش الآن إلى حرب خيبر حرباً شاملة فقد يستغرق هذا الخروج إلى فترة طويلة جداً من الزمان قد تصل إلى شهور؛ لشدة بأس المقاتلين من أهل خيبر، ومناعة حصون خيبر، وبعد خيبر عن المدينة، فهو ﷺ لا يستطيع أن يترك المدينة خالية من الجند فترة طويلة غير محسوبة،
لذلك اكتفى ﷺ باغتيال رأس الفتنة ومحرك الجموع اليسير بن رزام إلى أن يصل إلى وسيلة لتأمين جانب قريش، وبعدها يفكر في قضية خيبر، وهذا عين ما سنراه بعد صلح الحديبية.
إذاً: كل هذا كان في شوال (6)هـ، وكانت هذه هي السرية الثانية في شوال.
✍السرية الثالثة والأخيرة في هذا الشهر كانت سرية خطيرة جداً، ووجهة هذه السرية كانت غريبة جداً، كانت وجهتها مكة المكرمة، وكثير من الناس لا يعرف أمر هذه السرية، خرجت هذه السرية إلى مكة المكرمة لمهمة في غاية الخطورة إنها مهمة اغتيال أبي سفيان شخصياً، وعلى رأس هذه السرية عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه وأرضاه، وأبو سفيان كان من أشد المجمعين والمؤلبين لحرب المسلمين في الأحزاب، فهو شخصية خطيرة جداً ومحورية في مكة المكرمة، وحربه معلنة ضد المسلمين، بل إنه دبر مؤامرة لقتل الرسول ﷺ قبل هذه السرية بقليل، وفشلت هذه المؤامرة، وذلك حين استأجر أبو سفيان أعرابياً لقتل المصطفى ﷺ،
وكان الرد على هذه المحاولة من أبي سفيان أن يرسل الرسول ﷺ سرية لاغتيال أبي سفيان ، فكما فشلت سرية أبي سفيان في اغتيال المصطفى ﷺ كذلك سرية الرسول ﷺ لم تستطع اغتيال أبي سفيان ، والحمد لله أنه لم يقتل؛ لأن أبا سفيان أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه.
بهذا الموقف علمت قريشاً أنها مهددة في عقر دارها، لا شك أن ذلك أفزع زعماءها جداً؛ لأن الزعماء من أهل الدنيا لا يرون أن هناك شيئاً أغلى من حياتهم وكراسي حكمهم، فهذه أهم شيء عندهم، فإذا هددوا فيها كانت بالنسبة لهم الطامة الكبرى، فهذه السرية كما ذكرنا كانت في شوال سنة (6)هـ فيكون قد مرت سنة كاملة على غزوة الأحزاب؛ لأن غزوة الأحزاب كانت في شوال (5) هـ.
#يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ30ــاضرة:[ الطريق إلى الحديبية ]
∫∫ الـحـ300ــلـقـة ∫∫
______
💎 #تتمة رؤيا الرسول دخول البيت الحرام مع اصحابه:
لذلك لم يخرج مع المسلمين إلا منافق واحد اسمه الجد بن قيس .
كذلك الأعراب حول المدينة المنورة دعوا إلى الخروج، ولكنهم جميعاً أبوا أن يخرجوا مع رسول الله ﷺ لذلك هذا الصف الذي خرج من المدينة إلى مكة هو صف خالص نقي طاهر، وعددهم ( 1400 ) مؤمن ليس فيهم إلا منافق واحد ليس له كبير الأثر في أوساط المؤمنين،
وكما هو معلوم في الغزوات السابقة أن الرسول ﷺ إذا خرج بصف مؤمن خالص كان النصر قريباً بإذن الله عز وجل، فسنرى -إن شاء الله- نتائج عظيمة جداً نتيجة خروج هذا الصف النقي من المدينة المنورة، فقد كانوا ( 1400 ) وفي رواية: ( 1500 ) صحابي،
وأخذ ﷺ معه في خروجه زوجته أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، وكان هذا الخروج في غرة ذي القعدة سنة (6)هـ بعد سنة من الأحزاب،واتجه ﷺ إلى مكة المكرمة، وفي ذي الحليفة التي هي الآن آبار علي وهو المكان الذي يحرم منه القادمون من المدينة إلى مكة، هناك في ذي الحليفة أحرم ﷺ وقلد الهدي، وكان قد أخذ معه مجموعة ضخمة من الإبل ليذبحها في مكة المكرمة، وهذا من النوافل،
فالرسول ﷺ أحرم بالعمرة ولبس لباس العمرة وبدأ بالتلبية؛ كل هذا ليدل على أنه لم يذهب إلى مكة إلا للعمرة فقط، وهو يعلم ﷺ أن هناك عيوناً كثيرة لقريش على الطريق، وهذه العيون لاشك أنها ستنقل الأخبار إلى مكة المكرمة، وهو لا يريد حرباً مع أ÷ل مكة ولم يذهب إلا للعمرة، وما رآه في الرؤيا هو فقط مجرد العمرة؛ ولذلك لم يخرج ﷺ وأصحابه إلا بسلاح المسافر، وفي طريقه ﷺ من ذي الحليفة إلى مكة المكرمة كان يلبي: لبيك اللهم لبيك. إلى آخر الدعاء.
💎توقف الرسول ﷺ وأصحابه بكراع الغميم:
وصل ﷺ في طريقه إلى منطقة تسمى كراع الغميم، وهو على بعد( 60 ) كيلو أو ( 64 ) كيلو تقريباً من مكة المكرمة، وهناك فوجئ عليه الصلاة والسلام بأن قريشاً قد جمعت جيشاً وجمعت الأحابيش، والأحابيش:هي مجموعة من القبائل كانت تتحالف مع قريش، وسميت بذلك؛ لأنهم اجتمعوا عند جبل اسمه حبشي، وعقدوا اتفاقية دفاع مشترك عن مكة المكرمة.
فهذه المجموعة من القبائل جمعتها قريش لصد الرسول ﷺ عن أداء العمرة في مكة المكرمة، مع أن العرف والقانون الدولي في ذلك الوقت يسمح للرسول ﷺ بأن يذهب إلى مكة معززاً مكرماً ممنوعاً، بل على قريش في أعرافها وفي قوانينها أن ترعى حقوق المسلمين، وأن تخدم المسلمين، وأن تسقي الحجاج، وأن تفعل كذا وكذا، لكن كل هذا ضربت به قريش عرض الحائط، وبدأت التعامل مع الموضوع بنوع من الغدر ومخالفة القوانين والعهود التي بينها وبين العرب قاطبة.
فوجد ﷺ أن هناك جيشًا يقف عند كراع الغميم يمنع المسلمين من الوصول إلى مكة المكرمة، هذا موقف خطير، فالرسول ﷺ ليس معه إلا ( 1400 ) من المسلمين وبسلاح المسافر، ويقف أمامه عند كراع الغميم جيش، ليس من قريش فقط، ولكن من قريش ومن معها من القبائل المحالفة لها
فوقف ﷺ وبدأ يأخذ الشورى بينه وبين أصحابه، ولم يترك الرسول ﷺ الشورى في موقف من المواقف، إلا في حالة ما إذا كان هناك أمر مباشر من رب العالمين سبحانه وتعالى، إذا كان أمر حل أو حرمة فهنا لا يأخذ الرسول ﷺ رأي الصحابة فيه.
فمثلاً: الخروج من المدينة المنورة إلى مكة لأداء العمرة كان عن وحي من رب العالمين سبحانه وتعالى؛ لذلك لم يجمع الرسول ﷺ أصحابه ليأخذ رأيهم: نذهب أو لا نذهب؟ مع خطورة الأمر.
إذاً: ما دام ربنا سبحانه وتعالى أمر بكذا أو نهى عن كذا فلا مناقشة ولا تردد، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا}[الأحزاب:36]،
فالرسول ﷺ إنما هو في قضية عسكرية فأخذ الشورى فيها، فقد جمع أصحابه في هذا الموقف الخطير الذي هم فيه، وشاورهم: هل نحارب هؤلاء الذين تجمعوا لنا أم نعود ولا ندخل إلى مكة؟ هل نغير على قبائل الأحابيش الخالية الآن من الرجال؛ لأن معظم جيش الأحابيش خرج للوقوف عند كراع الغميم؟
وكان ﷺ قد عرض فكرة الالتفاف حول هذا الجيش والميل على قبائلهم الفارغة من الجنود وقتلهم وسبيهم، فيكون ذلك عزة وقوة للمسلمين على الكفار، هذه كانت آراء مطروحة من الرسول ﷺ طرحها على الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؛ ليختاروا ما يناسبهم،
وعرض بعض الصحابة رضي الله عنهم آراءهم، فكان ممن تكلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، قال: الله ورسوله أعلم إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه،
يعني: رأي الصديق رضي الله عنه وأرضاه ألا نسعى لقتالهم ولا نذهب إلى قبائل الأحابيش ولا نقاتل هذا الجيش،
#يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ30ــاضرة:[ الطريق إلى الحديبية ]
∫∫ الـحـ302ــلـقـة ∫∫
_____
💎 وصول النبي ﷺ وأصحابه إلى الحديبية:
لقد أكمل ﷺ الطريق إلى مكة المكرمة إلى أن وصل إلى مكان يعرف بالحديبية، ويوجد هناك بئر، وهذا الموضع قريب جداً من مكة المكرمة، يقع بين التنعيم وبين مكة المكرمة، ويبعد التنعيم حوالي ( 5 ) كيلو من مكة المكرمة،
فهو ﷺ دخل في حدود مكة المكرمة نفسها، وأصبح الموقف شديد الحرج، ففي أي لحظة من اللحظات القادمة قد يحدث قتال عند إرادة دخول مكة المكرمة،
لكن قبل دخول مكة المكرمة حدث أمر مفاجئ، حدث أن ناقة الرسول ﷺ توقفت عن المسير، فالصحابة اجتمعوا ليدفعوا الناقة إلى القيام وإكمال المسيرة إلى مكة المكرمة، وكان الجميع متحمساً جداً لدخول مكة المكرمة، ورفضت الناقة أن تقوم،
فقال الصحابة: (خلت القصواء خلت القصواء) أي: امتنعت عن القيام وعن التقدم، فقال ﷺ: (ما خلت القصواء وما ذاك لها بخلق) يعني: ليس من خلق القصواء أن ترفض الأمر الموجه إليها، وما ذاك لها بخلق: (ولكن حبسها حابس الفيل) يعني: أنه سبحانه وتعالى أراد لها ألا تتقدم، فهو أمر من الله عز وجل للناقة.
وقوله:(حبسها حابس الفيل) يعني: الفيل الذي كان يركبه أبرهة عندما أراد دخول مكة المكرمة، لكن الله أمره ألا يدخل، فوقف الفيل ولم يستطع أبرهة أن يدفع الفيل لدخول مكة، فهذا الأمر تكرر تماماً مع الناقة النبوية.
وقد تكرر هذا الموقف مع الناقة قبل ذلك، ومن أشهر المواقف التي حدثت مثل ذلك: عند هجرة النبي ﷺ فقد ترك ﷺ الناقة تسير إلى أن استقرت في مكان ما، وقال للصحابة من الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم: (دعوها فإنها مأمورة)، فنفس الموقف يتكرر في الحديبية؛ بسبب هذا قال الرسول ﷺ كلمة مهمة جداً، وستفسر لنا هذه الكلمة أموراً كثيرة آتية بعد ذلك،
ثم قال ﷺ بعد أن أحس وشعر أن هناك وحياً واضحاً في هذه القضية، قال: (والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)،
يعني: أن الرسول ﷺ قرر أنه سيقبل بالصلح مع قريش، فهو ﷺ كان يشعر أن هناك وحياً في هذه القضية لم يكن مباشراً، لكنه فهمه من خلال وضع الناقة وعلم أنها مأمورة؛ وعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يريد قتالاً يتم بينه وبين قريش في ذلك الوقت، لذلك سيقبل ﷺ بأي خطة تعظم حرمات الله، فهو يشترط في الخطة أن تعظم حرمات الله، فلن يقبل بظلم على المسلمين، ولن يقبل بمخالفة شرعية ﷺ، فهذا أمر في غاية الأهمية.
إذاً: الرسول ﷺ كان يريد مصالحة وخطة ليس فيها قتال، وهذا أيضاً سيفسر لنا قبول الرسول ﷺ بصلح الحديبية بصورة واضحة؛ لأنه أمر مرضي له ﷺ.
وبعد بقاء المسلمين في منطقة الحديبية أرسلت قريش أحد الرسل؛ جاء لكي يحل المشكلة بين المسلمين وبين قريش، وهذا الرسول هو بديل بن ورقاء الخزاعي فهو ليس من قريش وإنما من قبيلة خزاعة، ومعروف أن قبيلة خزاعة حليفة للرسول ﷺ، والرسول ﷺ كان يحب خزاعة، وقريش لم ترسل رجلاً منهم، لم ترسل زعيماً من زعمائهم يهدد ويتوعد، لا، لأن قريشاً تريد أن تعامل الرسول ﷺ بالسلم، وبنوع من الحسنى، وبتجنب القتال قدر المستطاع،
ونحن قد نستغرب ونقول: كيف قبلت قريش العزيزة المنيعة القوية القبيلة الكبيرة المعظمة عند جميع قبائل العرب بلا استثناء، كيف تقبل هذه القبيلة الكبيرة بالجلوس مع الرسول ﷺ في طاولة المفاوضات، مع عدم الضغط المباشر على الرسول ﷺ؟
أقول: إن الذي حصل في السنة السادسة من الهجرة أثر تأثيراً كبيراً على سلوك قريش، الذي حصل من سرايا وغزوات متتالية في العام السادس من الهجرة كان فيه رفع الراية الجهاد وإظهار الهيبة الإسلامية والعزة الإسلامية في كل مكان، فكل هذا كان له تأثير سلبي واضح على نفسيات قريش، وكان له تأثير معنوي إيجابي رائع جداً عند المسلمين، مما جعل الموقف يكون بهذه الصورة.
#يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ31ــاضرة: [ صلح الحديبية ]
∫∫ الـحـ309ــلـقـة ∫∫
___________
💎موقف الرسول ﷺ وأصحابه من إشاعة مقتل عثمان بمكة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:فمع الدرس الثالث من دروس السيرة النبوية في العهد المدني في فترة الفتح والتمكين، وقد ذكرنا في الدرس السابق أن رسول الله ﷺ رأى رؤيا أنه يذهب هو وأصحابه إلى مكة المكرمة للعمرة، وأنه أخذ أصحابه وخرج متوجهاً بهم إلى مكة،
وكانت تداعيات هذا الأمر كبيرة جداً في مكة المكرمة، فقد حاول القرشيون في مكة المكرمة قدر استطاعتهم أن يمنعوا رسول الله ﷺ من دخول مكة المكرمة، ودارت بينهم مفاوضات كثيرة كما ذكرنا،
وفي النهاية أرسل رسول الله عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه سفيراً للمسلمين إلى قريش؛ ليتفاوض معهم في أمر دخول المسلمين إلى مكة للعمرة، فكان المشركون في موقف صعب،
وكما ذكرنا في الدرس السابق: أن موقف قريش مع كونها قبيلة كبيرة وعزيزة كان ضعيفاً شديد الضعف، فقد وقفت قريش حائرة مع صلابة وقوة وعزة المسلمين، وما استطاعت أن تأخذ قراراً بحرب المسلمين، وبدأت تقدم رِجْلاً وتؤخر أخرى، وترسل وسطاء الواحد تلو الآخر، ومحتارة ماذا تعمل مع الرسول ﷺ ومع أصحابه،
مع أن الرسول ﷺ وأصحابه لا يحملون معهم إلا سيف المسافر فقط، فقوتهم ضعيفة نسبياً بالمقارنة إلى قوة قريش وقبائل الأحابيش التي تتحالف مع قريش، لكن مع كل هذه المفارقات بين قوة المسلمين وقوة المشركين إلا أن المشركين حرصوا تمام الحرص على إتمام الصلح بينهم وبين المسلمين، وتجنبوا القتال.
لم يكن هذا القرار سهلاً على قريش، فقد ظلت تفكر أياماً في أمر هذا القرار وعثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه في مكة ينتظر قرار قريش.
في هذا الوقت أشيع عند المسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل في مكة المكرمة، وهذا أمر خطير ومخالف للأعراف كما تعلمون، فقتل الرسول يعتبر إهانة كبيرة جداً للدولة التي يقتل رسولها، ومخالفاً للأعراف والقوانين،
لذلك بمجرد أن وصلت هذه الإشاعة إلى المسلمين ومع أن الإشاعة لم تكن صحيحة، لكن الرسول ﷺ تعامل مع الموضوع بمنتهى الجدية، فعندما أشيع أن عثمان بن عفان قد قتل جمع الرسول ﷺ المسلمين جميعاً وعقد معهم مبايعة، وبايع المسلمون رسول الله بيعة من أعظم البيعات في تاريخ الأرض، عرفت في التاريخ ببيعة الشجرة أو بيعة الرضوان،
بيعة الشجرة؛ لأنها تمت تحت شجرة عند الحديبية، وبيعة الرضوان؛ لأن الله عز وجل صرح في كتابه أنه رضي عن أولئك الذين قاموا بهذه البيعة، قال سبحانه وتعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح:18].
لقد بايع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً على ألا يفروا، كما جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وبايع بعض الصحابة على الموت، بل بايع بعضهم على
الموت ثلاث مرات، وممن بايع على الموت ثلاث مرات
سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه كما جاء ذلك في صحيح مسلم .
إذاً: كانت هذه البيعة خطيرة، وبايع الجميع على عدم الفرار، أي: أنهم سيناجزون القوم، وسيقاتلون قريشاً ولن يفروا أبداً في هذا القتال، مع كونهم لا يحملون إلا سلاح المسافر، إنها بيعة في منتهى الأهمية، بايع جميع الصحابة إلا واحداً فقط وهو الجد بن قيس ، وهو كما ذكرنا في الدرس السابق من المنافقين.
وبعد هذه البيعة مباشرة جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه يخبر الرسول ﷺ أن القرشيين قد وافقوا على الصلح، وسيأتي رجل منهم ليفاوض رسول الله ﷺ على بنود الصلح.
💎وقفات مع بيعة الرضوان
نحتاج إلى أن نقف وقفات مع هذه البيعة العظيمة: بيعة الرضوان.
✅أولاً: هذه البيعة فيها خلاصة ما هو مطلوب من المؤمن في دنياه،{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:162]، كل شيء في حياتي لله عز وجل إلى لحظة الموت، أنا في سبيل الله عز وجل، طاعة كاملة لله ولرسوله، فأمر هذه البيعة صعب، فهؤلاء المسلمون جاءوا إلى مكة للعمرة بسلاح المسافر فقط، ولا مدد لهم من المدينة؛ لأن المدينة تبعد عن مكة قرابة (500) كيلو، ومن الطبيعي إذا قاتلوا المشركين في هذا المكان فإن المسلمين قد يقتلون؛ لأنهم يقاتلون جيشاً بعدة وعتاد وعلى بعد خطوات من المدد، وليست قريشاً فقط، ولكن معها قبائل الأحابيش الحليفة لها،
#يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ31ــاضرة: [ صلح الحديبية ]
∫∫ الـحـ314ــلـقـة ∫∫
______
حتى إن كتّاب السير يقولون: كانت خزاعة عيبة نصح لرسول الله ، يعني: موضع سر وثقة الرسول ﷺ، وكما ذكرنا من قبل أن الرسول ﷺ كان يرسل عيوناً من خزاعة، ويتحالف مع خزاعة، وكان بينها وبين بني هاشم حلف قديم جداً ومع بني عبد المطلب، ولها تاريخ طويل في هذه القضية، فقبيلة خزاعة التي تحب الرسول ﷺ لم تدخل في حلفه إلا بعد صلح الحديبية، فما بالك ببقية القبائل؟
إذاً: هذا البند فعلاً كان في صالح المسلمين، وهذا البند بالذات هو الذي سيكون سبباً بعد هذا في فتح مكة المكرمة، فأي خير جاء من ورائه.
💎إرجاع من أسلم من أهل مكة بعد صلح الحديبية لقريش وعدم إرجاع من ارتد إلى المسلمين
✅البند الرابع، وهذا البند يحتاج منا وقفة مهمة، البند الرابع: من جاء قريشاً ممن مع محمد ﷺ هارباً منه لم يرد إليه، ومن أتى محمداً ﷺ من غير إذن وليه هارباً منه رده عليهم،
يعني: من يأتي المسلمين من أهل قريش بعد صلح الحديبية مسلماً يرجعونه إلى أقاربه، إن كان أقاربه يرفضون إسلامه، ومعلوم أن كل المشركين سيرفضون إسلام أهل مكة.
إذًا: هذا البند يقضي أن كل مسلم جديد بعد صلح الحديبية سيرجع مرة أخرى إلى مكة المكرمة، وعلى الناحية الأخرى إذا ارتد أحد المسلمين وذهب إلى مكة لا تعيده مكة إلى المسلمين.
هذا البند في ظاهره في صالح القرشيين، لكن تعالوا نحلل هذا البند، هذا البند يتكون من جزأين:
📌الجزء الأول: من يهرب من الصف المسلم إلى الصف الكافر، هل يريده المسلمون؟ لو أن شخصاً من المسلمين ارتد وقرر أن يكون في صف قريش هل نتمسك به؟ هل نجبره على البقاء في المدينة المنورة وهو كاره للإسلام والمسلمين؟
واضح جداً أننا لسنا بحاجة إليه، بل لو كان هذا البند غير مكتوب في المعاهدة كل من يريد أن يرتد من المسلمين سيبطن هذه الردة ولن يظهرها؛ لأنه خائف من أن ترجعه قريش إلى المسلمين؛ لذلك هذا البند يسمح لكل من في قلبه مرض أن يظهر هذا المرض، ويتخلص منه المسلمون، وقد ذكرنا الآية قبل هذا أكثر من مرة، قال الله عز وجل في كتابه:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}[التوبة:47]،
يعني: المنافقين، فأنا لماذا أدع المنافق داخل المدينة المنورة يدل على عوراتي، وينقل أخباري إلى المشركين، ففي بقاء أهل النفاق خطورة شديدة على المسلمين، والمسلمون ليسوا في حاجة إلى من يبقي معهم بجسده وهو ليس معهم بقلبه، من أجل هذا فالتخلص منه أفضل.
إذاً: هذا الجزء من البند الرابع في صالح المسلمين.
📌الجزء الثاني هو الذي فيه سلبية واضحة: أي واحد من أهل مكة بعد صلح الحديبية جاء إلى المسلمين مسلماً، سواء كان إسلامه قبل صلح الحديبية أو بعده، فإن على المسلمين أن يردوه إلى مكة المكرمة، يردونه إلى أهله من الكافرين،
ومعلوم إذا رد مسلم إلى الكفار فإنه قد يفتن في دينه، فقد يعذبه المشركون حتى يكفر بالله عز وجل، بالإضافة إلى أن المسلمين سيخسرون قوته، كان المفروض أن يضيف قوته إلى قوة المسلمين، فالمسلمون في هذه الحال لن يستفيدوا من قوته ومن طاقته.
إذاً: نستطيع أن نقول: هذه الفائدة الوحيدة التي حصلت قريش عليها في هذه المعاهدة الطويلة، فهذا البند يعتبر في صالح قريش، ولا بد أن يكون في صالحها شيء، وإلا لما تمت المعاهدة ، ومع ذلك هذه الجزئية من البند لا تخلو من فائدة للمسلمين، لكن كيف؟
نقول: المسلم الذي سيعود إلى مكة قد يصبح مصدراً للاضطراب في داخل دولة مكة، قد يدعو إلى الإسلام في داخل مكة، قد يؤثر على عقليات المشركين في داخل مكة، قد يجمع نفسه مع غيره ويصيب المشركين بأذى في داخل مكة أو في خارجها، بل قد يخفي إسلامه ويدل على عورات المشركين، ويحدث فتناً في داخل المشركين، فهو لا يقبل دينهم ولا يقبل عبادتهم، فيكون خطراً حقيقياً على المشركين، وهذا عين ما رأيناه بعد ذلك، يعني: حتى هذه الجزئية من هذا البند التي هي في صالح المشركين فيها خسارة للمشركين أيضاً.
هذه هي بنود صلح الحديبية الأربعة، تعالوا نراجع هذه البنود الأربعة سنجد أنها في الغالب في صالح المسلمين على حساب قريش، وفيها فوائد جمة ومزايا عميقة جداً،
سبعة أثمان المعاهدة في صالح المسلمين، والجزئية الوحيدة التي تمثل ثمن المعاهدة التي في صالح المشركين في صالح المسلمين أيضاً، ولكن بخسارة، فأي فائدة لا تخلو من خسارة، هذا هو صلح الحديبية، وهذه هي قيمة هذا الصلح الكبير، وهذا هو الصلح الذي سيكون له نتائج غيرت ليس فقط وجه الجزيرة العربية، ولكن وجه العالم.
#يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية
∫∫ الــحـ324ـلــقـة ∫∫
_
💎 موقف النبي ﷺ من هجرة أبي بصير إلى المدينة بعد صلح الحديبية:
جاء من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة مهاجراً إلى الله ورسوله رجل اسمه أبو بصير رضي الله عنه وأرضاه، وأبو بصير من ثقيف، لكنه كان يعيش في داخل مكة المكرمة حليفاً لقريش، وأبو بصير أسلم بعد صلح الحديبية أو قبيل صلح الحديبية، وهرب من مكة المكرمة ووصل إلى المدينة المنورة، وطلب اللجوء إلى رسول الله
وبمجرد أن خرج من مكة علمت قريش بخروجه فأرسلوا رجلين وراءه إلى الرسول ﷺ، وقالوا: هذا داخل في بند المعاهدة، المعاهدة تقول: إنه من أتى إليكم من أهل مكة مسلماً فعلى رسول الله أن يرده إلى المشركين، وهذا يجب أن ترده،
هذا موقف صعب جداً على رسول الله، ومع ذلك تعامل الرسول ﷺ مع الموقف بنفس العقل الذي تعامل به مع موقف أبي جندل قبل ذلك، فأعاد أبا بصير إلى الرجلين، وقبل ﷺ أن يعود مرة ثانية إلى مكة مع مدى المأساة التي كان يشعر بها، لكن هذه معاهدة، ورجع أبو بصير مع الرجلين،
وعند ذي الحليفة جلس الثلاثة ليستريحوا قليلاً في طريق السفر، فقام أبو بصير وأخذ سيف أحد المشركين وقتل به أحدهما، وهرب المشرك الثاني جهة المدينة المنورة؛ لأنه سيجد العدل عند رسول الله،
فلما رآه الرسول ﷺ من بعيد قال: (لقد رأى هذا ذعراً) يعني: هذا الرجل خاف من شيء خطير جداً، فلما انتهى إلى النبي ﷺ قال: (قتل والله صاحبي، وإني لمقتول) يعني: أبو بصير قتل صاحبي وسيلحقني بعد قليل،
فجاء أبو بصير يجري خلف هذا المشرك، ووصل إلى النبي ﷺ فقال: (يا نبي الله! قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم)، يعني: أنت عملت الذي عليك، وفيت بالعهد وأرجعتني إلى المشركين، لكن أنا هربت من المشركين، فالآن أنا لست داخلاً في دولتك، أنا لست فرداً من أفراد المدينة المنورة، أنا لا ينطبق علي الآن العهد، قد أوفى الله ذمتك،
فلما سمع منه هذه الكلمات؛ قال ﷺ كلمة عجيبة، قال: (ويل أمه! مسعر حرب لو كان معه أحد)، فقوله: (ويل أمه) هذه كلمة تقال عند المدح، يعني: هذا الرجل فعل أمراً عظيماً، ما كان يتصور أحد أن يأتي هذا الفعل منه، (ويل أمه! مسعر حرب لو كان معه أحد)، يعني: هذا سيؤجج الحرب في المنطقة، لو كان معه أحد يشاركه في ذلك.
وفي هذا إشارة واضحة لـأبي بصير أن: استعن بمن معك من المستضعفين المسلمين، فأنت وحدك لن تعمل شيئاً، لكن اجعل قوتك مع المسلمين لتقدروا على فعل شيء، ورد رسول الله أبا بصير مرة ثانية.
فخرج أبو بصير هارباً بنفسه خارج المدينة المنورة، وقعد على طريق القوافل المتجهة من مكة المكرمة إلى الشام، وكلما مرت عليه قافلة اعترض طريقها يقتل منها من استطاع قتله ويأخذ من غنائمها ما استطاع، وعلم المسلمون المستضعفون في داخل مكة المكرمة وفي غيرها بمكان أبي بصير ، فهربوا إلى أبي بصير ، وبدأ أبو بصير رضي الله عنه يكون عصابة من الرجال، حتى صارت مجموعة كبيرة من الرجال تعترض طريق القوافل المكية،
وهذا الفعل أحدث أزمة كبيرة جداً في مكة، مما جعلهم يأتون رسول الله ويناشدونه الرحم ويطلبون منه أن يضم أبا بصير وأصحابه إلى المدينة المنورة، وأن يلغي هذا البند من صلح الحديبية: أن يرد من جاء مسلماً إلى مكة، بل يقبل المسلمين من مكة ولا يعيدهم إليها مرة أخرى، وهذا هو البند الذي كان مشكلة عند الصحابة، ففي أيام قليلة بعد صلح الحديبية يلغى هذا البند من المعاهدة، وأصبحت المعاهدة خالصة لصالح المسلمين، وأصبحت فتحاً مبيناً حقيقياً للمسلمين.
💎الآثار الإيجابية المترتبة على معاهدة صلح الحديبية:
تعالوا ننظر إلى معاهدة صلح الحديبية بعد أيام من حدوثها، تعالوا لننظر الخير الذي جاء من ورائها، فأصدق تصوير لها وأفضل تعبير لها هو ما اختاره لها رب العالمين:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح:1]، فهذا الفتح المبين له دلالات كثيرة جداً أعددت منها عشرة:
✅أولاً: وضوح إيمان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ويكفي أن الله أنزل فيهم قرآناً، قال الله سبحانه:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:4] سبحان الله! فالله شهد لهم بالإيمان وزيادة الإيمان بعد هذا الحدث العظيم: صلح الحديبية.
✅الأمر الثاني: من أعظم ثمرات صلح الحديبية: هو اعتراف قريش بالمسلمين كقوة ودولة، وهذا الاعتراف جاء من قريش وهي أعظم قبيلة عربية، فالميلاد الرسمي للدولة الإسلامية في الجزيرة العربية هو صلح الحديبية؛ لأنه بعد هذا الاعتراف من قريش بدأت معظم القبائل الموجودة في المنطقة تعترف بالمسلمين، بل بدأت الدول في العالم تعترف بالمسلمين كدولة.
إذاً:هذا من أعظم ثمرات صلح الحديبية فعلاً، وكل الآثار التي ستأتي بعد هذا مترتبة على كون المسلمين أصبحوا دولة حقيقية معترفاً بها في المنطقة.
#يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية
∫∫ الــحـ325ـلــقـة ∫∫
__
💎 #تتمة الآثار الإيجابية المترتبة على معاهدة صلح الحديبية:
✅الأمر الثالث:هو الفتح المبين في انتشار الإسلام في الجزيرة العربية، فالذين أسلموا في هاتين السنتين بعد صلح الحديبية وإلى فتح مكة من سنة (ست) أو أواخر سنة (ست) إلى أواخر سنة (ثمان) من الهجرة أكثر من الذين أسلموا خلال (تسع عشرة) سنة كاملة من الدعوة
فالدعوة الإسلامية أخذت (ثلاث عشرة) سنة في مكة المكرمة و(ست) سنوات بعد ذلك في المدينة المنورة إلى أن أتى صلح الحديبية، فالذين أسلموا في تسع عشرة سنة لا يتجاوزون (ثلاثة آلاف) شخص
بينما الذين أسلموا بعد هذا من أواخر سنة (ست) من الهجرة إلى فتح مكة خلال سنتين فقط قرابة (سبعة آلاف) شخص؛ لأن الرسول ﷺ دخل مكة المكرمة عام الفتح بجيش قوامه (عشرة آلاف) مقاتل، غير النساء والصبيان الذين كانوا معهم، وكان المسلمون في صلح الحديبية (ألفاً وأربعمائة) شخص، وسائر الـ(ثلاثة آلاف) كانوا بالمدينة
إذاً:تصور مدى الفتح المبين في سنتين فقط، تضاعف العدد ووصل إلى (عشرة آلاف) مقاتل، فهذا فعلاً فتح مبين.
✅الأمر الرابع:بعد صلح الحديبية مباشرة اطمأن الرسول ﷺ إلى استقرار الأوضاع في المدينة المنورة، فأرسل إلى المسلمين الموجودين في الحبشة؛ لأن بعض المسلمين كانوا قد هاجروا إلى الحبشة في العام السادس من البعثة النبوية، وقعدوا في الحبشة (سبع) سنوات كاملة حتى الهجرة و(ست) سنوات كاملة من أيام المدينة المنورة
يعني:(ثلاث عشرة) سنة كاملة في داخل الحبشة لم يرسل إليهم رسول الله، لكن بعد صلح الحديبية مباشرة وجد الرسول ﷺ أن الفرصة أصبحت مواتية ليستفيد من جهود وطاقات المسلمين الموجودين في الحبشة
فأرسل إليهم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه ليستقدم هؤلاء، وبالفعل جاءوا مباشرة ووصلوا إلى رسول الله وهو في فتح خيبر
إذاً:الأمر الرابع:أضيفت إلى قوة المسلمين في المدينة المنورة قوة المسلمين الذين كانوا في الحبشة بعد غياب ثلاث عشرة سنة عن رسول الله.
✅الأمر الخامس:قدوم المسلمين من القبائل المختلفة الأخرى، فمسلمو اليمن بدءوا يقدمون إلى المدينة، مسلمو بني حنيفة، ومسلمو بني كلب، ومسلمو بني كذا كذا، كل مسلمي قبائل العرب بدءوا يتحركون منها إلى المدينة المنورة، وقبل ذلك كان ﷺ يأمر المسلمين أن يمكثوا في قبائلهم ولا يقدموا إلى المدينة المنورة؛ لأنهم كانوا يقومون بالدعوة في قبائلهم، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أن الوضع في داخل المدينة المنورة لم يكن مستقراً قبل ذلك، أما الآن بعد صلح الحديبية فقد فتحت الأرض للمسلمين فزادت قوتهم بعد هذا الصلح
✅الأمر السادس:تعاهدت قبائل كثيرة مع رسول الله بعد صلح الحديبية، وما كانت هذه القبائل تجرؤ على هذا الأمر قبل هذا الصلح، وأول هذه القبائل قبيلة خزاعة، وبعدها بدأت القبائل تتوافد على المدينة المنورة
✅الأمر السابع:هو أمر خطير جداً وغريب جداً، وهو بداية المراسلات النبوية من رسول الله إلى عموم زعماء وقادة العالم في كل مكان، فقد راسل كسرى فارس، وراسل قيصر الروم، وراسل زعماء العرب في كل مكان يدعوهم إلى الدخول في هذا الدين الجديد وهو الإسلام
وقبل صلح الحديبية ما أرسل رسول الله رسالة واحدة إلى زعماء العالم، فهذا يدل على التغير الهائل في مسار الدعوة، والانطلاقة العظيمة للإسلام بعد صلح الحديبية، أي فتح هذا؟! إنه فتح مبين فعلاً
✅الأمر الثامن أيضاً في غاية الأهمية:بدأ صناديد مكة وزعماؤها يفكرون جدياً في الإسلام، ومن أوائل من أسلم بعد صلح الحديبية ثلاثة من أعظم قواد مكة، وأصبحوا بعد ذلك من أعظم قواد المسلمين: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين،
وخالد بن الوليد كان إضافة هائلة لقوة الإسلام والمسلمين، وقد ظل خالد بن الوليد عشرين سنة تقريباً في الكفر يحارب الإسلام والمسلمين، والآن بعد صلح الحديبية بدأ خالد بن الوليد يفكر جدياً في أمر الإسلام،
إذاً:أسلم خالد بن الوليد وضم جهده إلى المسلمين، ومعلوم ما وقع على يده بعد ذلك من الفتوحات بعد إسلامه، فتصور مدى الإضافة التي أضافها رضي الله عنه إلى المسلمين بعد إسلامه.
وكذلك عمرو بن العاص، ففلسطين بكاملها ومصر بكاملها فتحت على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه .
✅الأمر التاسع:تفرغ رسول الله لليهود، فقضية خيبر كانت تشغل ذهن رسول الله، لكنه لم يكن مستطيعاً أن يتوجه إليهم بقوته وجيشه مع وجود الحرب والخلافات المستمرة بينه وبين قريش؛ لكن بعد صلح الحديبية أمن ﷺ جانب قريش، ومن ثم انطلق إلى خيبر.
✅الأمر العاشر والأخير -وهو مهم جداً-:وقوع هزيمة نفسية قاسية لقريش هيأتها نفسياً بعد ذلك للتسليم التام لرسول الله، وكانت بدايات تفكير القرشيين في التسليم للرسول ﷺ، وفتح أبواب مكة في صلح الحديبية، هذا هو الأمر العاشر والأخير، فتلك عشرة كاملة.
#يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ34ـاضرة: [ فتح خيبر ]
∫∫ الــحـ342ـلـقـة ∫∫
____
💎 #تتمة أسباب فتح خيبر
وما غزوة الأحزاب عنه ببعيد، لأنه قد يجتمع الناس من جديد لمحاصرة المدينة واقتحامها، فالرسول لا يستطيع أن يترك المدينة المنورة بدون جند، وخاصة أن حصون خيبر كانت شديدة التحصين والقوة، وأعداد اليهود كبيرة جداً، وتوقع الرسول ﷺ أن حرب خيبر تحتاج إلى وقت طويل، فلذلك لم يستطع أن يترك المدينة،
فانتظر حتى تأتي الفرصة المناسبة، وهو لم ينس أهل خيبر ولم يقلل من شأنهم، وإنما أجل أهل خيبر إلى الوقت المناسب، وهذا الوقت الذي انتظره الرسول ﷺ لم يضيعه،
بل قام بحملات تأديبية لقبائل غطفان وغيرها من القبائل التي تحزبت ضد المسلمين، وكان ما يميز كل هذه الحملات أنها كانت سريعة وخاطفة، وليست بالقوة العسكرية الإسلامية الكاملة، كل هذا خوفاً من هجوم قرشي مباغت على المدينة المنورة، وكانت هذه الاستراتيجية سارية وبنجاح حتى صلح الحديبية،
لكن بعد صلح الحديبية تغيرت الأوضاع، فقد أمن الرسول ﷺ من حرب قريش، ووضعت الحرب بين الدولتين لمدة عشر سنوات كاملة؛ لذلك أول ما أتم الرسول ﷺ صلح الحديبية استغل الهدنة التي عقدها مع قريش في تأديب هؤلاء اليهود الغادرين
💎أهداف سرعة خروج الرسول ﷺ إلى خيبر:
خرج رسول الله ﷺ وأصحابه إلى خيبر بعد أقل من شهر من عودته من صلح الحديبية في محرم سنة سبع، وكانت هذه السرعة لأهداف، منها: أنه يريد حفظ كرامة الأمة الإسلامية بالرد على اليهود الغادرين.
ومنها: أنه لا يأمن غدر قريش وحلفائها؛ من أجل ذلك بادر إلى هذه الخطوة قبل أن تفكر قريش في الغدر أو تستعد له.
ومنها: أن خبر صلح الحديبية وصل حتماً إلى يهود خيبر، وقد يتوقعون هجوماً من المسلمين، لذلك كلما كان أسرع كان أفضل قبل أن يستعد اليهود.
ومنها: أنه أراد أن يرفع معنويات المسلمين المنكسرة بعد صلح الحديبية، فهم لم يكونوا قد رأوا الخير الذي ترتب على صلح الحديبية، فأراد ﷺ أن يعوضهم بهذا الفتح القريب.
وفوق كل هذه الأهداف أن رب العالمين سبحانه وتعالى كان قد بشر المؤمنين أن هناك مغانم كثيرة سيحققونها بعد صلح الحديبية، كما جاء في سورة الفتح التي نزلت مباشرة بعد الصلح، ولعل هذه الغنائم تكون غنائم خيبر، وقد كان كما قال الله عز وجل في سورة الفتح:{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ}[الفتح:20].
فقوله تعالى: (مَغَانِمَ كَثِيرَةً) هي مغانم خيبر وغير خيبر من الفتوحات الإسلامية التي جاءت بعد هذا الصلح العظيم.
وقوله: (هَذِهِ) يعني: صلح الحديبية
💎سبب عدم قبول الرسول ﷺ خروج المنافقين معه إلى خيبر:
كانت هناك مشكلة كبيرة جداً، وهي أن الرسول ﷺ كان خائفاً من خيانة المنافقين داخل المدينة المنورة، وكما ذكرنا أن المنافقين يتعاملون مع اليهود، والعلاقة بينهم كانت حميمة من أيام بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، والآن ثبت أنهم يتعاملون مع يهود خيبر، فالرسول ﷺ لا يريد أن يخرج معه المنافقون في هذا الجيش، فماذا يفعل؟
هو لا يستطيع أن يقف ويقول: المنافق لا يخرج؛ لأن النفاق أمر قلبي، لكن الرسول ﷺ أعلن أنه لا يخرج إلى قتال أهل خيبر إلا من شهد صلح الحديبية، وبذلك يضمن أن كل من شارك في هذا الفتح سيكون من المؤمنين؛
لأن هذه المجموعة التي شاركت في صلح الحديبية جميعاً مؤمنون كما قال الله عز وجل عنهم:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح:18]، فخرج الرسول ﷺ بألف وأربعمائة مقاتل، وهم الذين كانوا معه في صلح الحديبية.
وكما هو معلوم إذا رأينا الصف المؤمن خالصاً نقياً مؤمناً؛ فإن الله عز وجل يمنحه النصر والتمكين.
فخرج هذا الجيش العظيم بهذه الروح الطيبة المتفائلة، ولنتذكر أن ألف وأربعمائة مقاتل سيحاربون أعداداً ضخمة هائلة؛ لأن أعداد اليهود كانت أضعاف أضعاف الجيش الإسلامي، ومع ذلك كانوا خارجين بتصميم ويقين على أن النصر من عند الله سبحانه وتعالى، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة:249].
وكما توقع الرسول ﷺ فقد أرسل المنافقون إلى يهود خيبر يخبرونهم بقدوم الرسول ﷺ إلى خيبر، بل وشجعوهم على قتال الرسول ﷺ، وقالوا لهم: لا تخافوا منهم؛ فإن عددكم وعدتكم كثيرة، وقوم محمد شرذمة قليلون عزل لا سلاح معهم إلا القليل.
يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ37ـاضرة: [ الطريق إلى مكة ]
_
💎 #تمهيد
هناك أحداث كثيرة هيأت للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتح مكة، من أهمها اعتداء بني بكر على قبيلة خزاعة المحالفة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومعاونة قريش لبني بكر، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن اتخذ القرار لفتح مكة؛ اغتناماً لهذه الفرصة السانحة بنقض قريش عهدها بمعاونتها لبني بكر.
💎 أهم العنواين الرئيسية:
-موقف الرسول ﷺ من قبيلة قضاعة التي اعتدت على أصحابه رضي الله عنهم
-سبب إختيار الرسول ﷺ لعمرو بن العاص لقيادة الجيش في غزوة ذات السلاسل
-عبقرية عمرو بن العاص في قيادة الجيوش
-إرسال الرسول ﷺ عمرو بن العاص إلى ملك عمان وأخيه لدعوتهما إلى الإسلام
📌-سنن التغيير والنصر والتمكين المستنبطة من فتح مكة
١-حكمة الله تعالى في تقدير الأمور بأزمانها
٢- مجيء التغيير والنصر والتمكين للمسلمين من حيث لايحتسبون
٣- مجيء النصر والتمكين للمسلمين من حيث يكرهون
٤- طول فترة الإعداد وقصر فترة التمكين
📌- موقف الرسول ﷺ من إعتداء بني بكر على خزاعة
١- الوضع السياسي والعسكري للمسلمين
٢- الوضع العسكري لقريش
٣- تناقص أعداد المسلمين وضعف شوكتهم
٤- الوضع القانوني والشرعي للمسلمين إزاء قريش
٥- رفع المسلمين للظلم عن المظلومين واجب أخلاقي وقانوني وسياسي
-وقفة مع قرار الرسول ﷺ فتح مكة
#يتبع...
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ37ـاضرة: [ الطريق إلى مكة ]
∫∫ الـحـ381ـلـقـة ∫∫
_
💎 إرسال الرسول ﷺ عمرو بن العاص إلى ملك عمان وأخيه لدعوتهما إلى الإسلام
بعد غزوة ذات السلاسل ارتفعت ثقة الرسول ﷺ جداً بصدق وذكاء وأمانة وقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه، فأرسله ﷺ إلى مهمة أخرى عظيمة جداً، وهي مهمة السفارة إلى دولة عمان، وكانت عمان دولة مشركة في ذلك الوقت، وكان يحكمها رجل اسمه جيفر وأخوه عباد ، والاثنان كانت لهما سيطرة على منطقة واسعة من الأراضي في عمان وما حولها، فأرسل الرسول ﷺ عمرو بن العاص إليهما يدعوهما إلى الإسلام وإلى الانضمام إلى الدولة الإسلامية
وبعد حوار طويل مع جيفر وعباد وبحكمة شديدة وذكاء شديد من عمرو بن العاص رضي الله عنه استطاع أن يقنع عباداً وجيفراً بالإسلام وبالفعل أسلما، بل وأسلم شعبهما بالكامل، ودخلت دولة عمان بكاملها في دولة المسلمين،
ولم يكتف الرسول ﷺ فقط بجعل عمرو بن العاص سفيراً منه إلى جيفر وعباد ، بل عينه جامعاً للزكاة هناك، وكان عامل رسول الله ﷺ هناك في بلاد عمان، مع تثبيت جيفر وعباد على زعامة البلاد،
يعني: وثق الرسول ﷺ في عمرو رضي الله عنه، وجعله جامعاً للزكاة من تلك البلاد، ولم يكن من السهل أبداً أن يقبل الرسول ﷺ بولاية إنسان إلا إذا اطمأن تماماً إلى دينه وإلى كفاءته رضي الله عنه ورضي الله عن الصحابة أجمعين.
فهذه هي قصة عمرو بن العاص في بداية إسلامه.
إذاً: كان الوضع الإسلامي في أوائل رجب سنة (8) هـ في غاية الاستقرار، وفي رهبة وهيبة، وفي انتصارات متكررة، وفي صورة جديدة جداً لدولة ناشئة في المدينة المنورة، تبسط سيطرتها على أطراف واسعة من الجزيرة العربية.
هذه الأحداث كانت نهاية لفترة معينة، وستبدأ الآن فترة جديدة من أحداث السيرة النبوية، وهي كما ذكرت في أول هذه المحاضرة مقدمات فتح مكة.
عندما نأتي لنتكلم عن فتح مكة لا بد أن نعلم أن فتح مكة يعتبر لحظة فارقة حقيقية في تاريخ المسلمين، بل في تاريخ الأرض، حتى إنه إذا ذُكر الفتح معرفاً هكذا (الفتح) عُرف أنه فتح مكة، مع أن كل انتصارات المسلمين كانت فتحاً، فانتصار المسلمين على أهل خيبر كان فتحاً، وعلى الرومان في مؤتة كان فتحاً، وعلى المشركين في بدر كان فتحاً، فكل هذه كانت فتوحات من رب العالمين،
لكن إذا ذُكر الفتح معرفاً هكذا (الفتح) عُرف أنه فتح مكة، وهو أمر ليس بعده شيء آخر، حتى إن النبي ﷺ كان يقول: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)
يعني: قبل الفتح يمكن للناس أن تهاجر إلى المدينة المنورة، وبعد الفتح انتهت الهجرة، ولكن جهاد ونية،
يقول الله سبحانه وتعالى:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد:10]
أي: أن ما كان قبل الفتح شيء وما كان بعد الفتح شيء، فإنفاق قبل الفتح شيء وإنفاق بعد الفتح شيء آخر، وقتال قبل الفتح شيء وقتال بعد الفتح شيء آخر.
ما معنى الفتح؟
معناه: التمكين لدين رب العالمين سبحانه وتعالى، ومعناه: النصر والسيادة والعلو في الأرض.
💎سنن التغيير والنصر والتمكين المستنبطة من فتح مكة
أنا أريد أن أستغل هذا الحدث لأتكلم معكم عن بعض سنن التغيير وسنن النصر والتمكين في الأرض، وجميعها سنستخلصها من فتح مكة.
💎حكمة الله تعالى في تقدير الأمور بأزمانها:
السنَّةُ الأولى: هو أن الله عز وجل لا يعجل بعجلة عباده، وانظروا مرت (21) سنة من أصل (23) سنة من عمر البعثة بكاملها واللات والعزى ومناة وهبل تعبد من دون الله عز وجل في داخل مكة المكرمة.
البعض كان يتمنى ويقول: يا ليت مكة فُتحت مبكراً، والرسول ﷺ حكم الدولة الإسلامية الواسعة فترة طويلة من الزمان؛ لنرى فعله وحكمه وأثره ﷺ على العالمين وهو ممكن في الأرض، لكن لو حدث هذا فقد تكون مخالفة للسنة الإلهية، فهذا لا يكون أبداً: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}[فاطر:43].
فرب العالمين سبحانه كان قادراً أن يفتح مكة من أول لحظات الدعوة، وأن يجعل أهل مكة جميعاً مؤمنين من أول لحظات الدعوة، وعلى الأقل بعد سنة أو سنتين من بناء الدولة في المدينة المنورة، لكن هذا الانتظار الطويل؛ لكي نعلم جميعاً أن الله عز وجل لا يعجل بعجلة عباده.
وهذا الموضوع في الحقيقة يحتاج إلى محاضرة خاصة، إن شاء الله سنفرد له محاضرة بعنوان: استعجال النصر، وسنتكلم فيها عن مشكلة العجلة التي عند المسلمين في رؤية التمكين والسيادة لدين الله عز وجل في الأرض.
وتغيير المنكر يحتاج إلى وقت وإلى حكمة ويحتاج إلى تدرج، وهكذا رأينا في السيرة النبوية، وهذه أول سنة من السنن الثوابت.
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ37ـاضرة: [ الطريق إلى مكة ]
∫∫ الـحـ382ـلـقـة ∫∫
_
💎مجيء التغيير والنصر والتمكين للمسلمين من حيث لا يحتسبون
السنة الثانية:يأتي التغيير ويأتي النصر ويأتي التمكين من حيث لا يحتسب المسلمون، أي: أنه لو راود المسلمين حلم أن يفتحوا مكة كيف سيفكّرون في هذا الأمر؟
من المؤكد أنهم سيضعون سيناريو لهذا الأمر، ولو وضع المسلمون ألف سيناريو للتغيير ولفتح مكة سيأتي التغيير بالسيناريو رقم (1001)
أي:أن هناك سيناريوهات متوقعة لكي نفتح مكة، مثلاً: أن تخالف قريش عن طريق غزوها المدينة المنورة، فيرد المسلمون بحرب على مكة المكرمة، أو تحاول قريش قتل الرسول ﷺ أو تتعدى قريش على قافلة إسلامية، أو تنتهي السنوات العشر سنوات الهدنة فيحدث بعدها قتال ويدخل المسلمون مكة..!
فهناك افتراضات كثيرة جداً، لكن لم يحدث الفتح بأي أمر من هذه الأمور، ولا بأي شيء خطر على ذهن أي مسلم، لكن حصل شيء غريب جداً وهو أن قبيلة مشركة أغارت على قبيلة مشركة أخرى فتم الفتح للمؤمنين، سبحان الله ما علاقة هذا بهذا؟
إذاً: هذا الذي حصل فعلاً في فتح مكة، ولنأتي لنراجع الأحداث:
في صلح الحديبية كان من بنود الصلح البند الثالث في الصلح هو: أنه إذا أرادت قبيلة أن تنضم إلى حلف المسلمين انضمت، وإذا أرادت قبيلة أن تنضم إلى حلف قريش انضمت
فبعد انتهاء المعاهدة دخلت خزاعة في حلف الرسول ﷺ، ودخلت بنو بكر في حلف قريش، وهذا الدخول لهاتين القبيلتين في قضية المعاهدة هو الذي كان سبباً في فتح مكة المكرمة
أي: أن القضية كانت بين المسلمين وبين قريش، فخزاعة وبنو بكر ليس لهما أي دخل في القضية، ومع ذلك دخولهما في الحلف المعاهدة هو الذي سيؤدي للفتح كما سنرى
ودخول خزاعة في حلف الرسول ﷺ أمر يحتاج إلى وقفة؛ لأن الله سبحانه وتعالى دفع خزاعة دفعاً للدخول في حلف الرسول ﷺ، وخزاعة قبيلة مشركة، نعم هناك علاقات قديمة حميمة بين خزاعة وبين بني هاشم، لكن كان من المتوقع أن تدخل خزاعة في حلف المشركين من بني هاشم، وليس في حلف المسلمين من بني هاشم؛ لأن خزاعة مشركة دينها كدين قريش، فلماذا تترك بني هاشم المشركة وتتحالف مع بني هاشم المسلمة المتمثلة في الرسول ﷺ؟
هذا أمر عجيب فعلاً! وهذا الدخول العجيب لخزاعة مع حلف المسلمين هو الذي سيؤدي بعد ذلك إلى نتائج كبيرة جداً منها فتح مكة
وعندما نراجع قصة القبيلتين اللتين دخلتا في المعاهدة نجد أن قبيلة بني بكر وقبيلة خزاعة كان بينهما ثأر قديم، ولعل هذا الثأر هو الذي دفع بني بكر إلى الدخول في حلف قريش
فعندما دخلت خزاعة في حلف المسلمين دخلت بنو بكر في الحلف المعاكس؛ لتكون ضد خزاعة، مع أن العلاقة بين بني بكر وبين قريش ليست على أفضل ما يكون، بدليل أن قريشاً عندما خرجت من مكة المكرمة لحرب المسلمين في موقعة بدر كانت تخشى من غزو بني بكر لمكة المكرمة، ثم ظهر لهم الشيطان في صورة سراقة بن مالك يقول لهم: إني جار لكم من كنانة، وكنانة تشمل بني بكر، فالقصة معقدة جداً، وأحداث القصة فعلاً لا يمكن أن تفسر إلا أن الله عز وجل أراد لها أن تتم على هذه الصورة
ومع أن العلاقة بين بني بكر وبين قريش معقدة إلا أنها دخلت في حلفها، وخزاعة مع أنها مشركة إلا أنها دخلت في حلف المسلمين، وهذا سيؤدي إلى شيء معين كما سنرى
وبنو بكر التي نتحدث عنها ليست قبيلة بني بكر بن وائل المشهورة؛ لأن بني بكر بن وائل هذه هي قبيلة من قبائل ربيعة، بينما بنو بكر التي نتحدث عنها هي بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة، وهي من مضر
وكان بين بني بكر وبين خزاعة خلاف قديم جداً وثأر طويل، وهناك ضحايا قتلتهم خزاعة من بني بكر، وبعد مرور سنوات وسنوات على هذه الجريمة التي قامت بها خزاعة في حق بني بكر تذكرت بنو بكر ثأرها مع خزاعة، فأرادت أن تنتقم، وكان هذا بعد صلح الحديبية، فأغارت بنو بكر على خزاعة وقتلت منهم رجالاً بعد صلح الحديبية
ومعلوم بعد المعاهدة أن من أغار على خزاعة فكأنه أغار على الدولة الإسلامية، وموافقة قريش على إغارة بني بكر على خزاعة هذا نقض صريح لمعاهدة صلح الحديبية التي بينها وبين المسلمين.
ولو أن بني بكر أغارت على خزاعة قبل الحديبية لما أحدث ذلك أي نفع للمسلمين؛ لأن قبيلة مشركة أغارت على قبيلة مشركة أخرى ولا دخل للمسلمين، ولو أن هذا الأمر حدث بعد الحديبية مباشرة لعل المسلمين لم تكن لهم طاقة لغزو مكة أو فتحها، ولو ضبطت بنو بكر أعصابها ولم تخالف لما مُهّد الطريق للفتح، ولو وقفت قريش لبني بكر وعارضتها في ذلك الأمر واعتذرت للمسلمين لكان الموقف قابلاً للحل السلمي، ولكنَّ قريشاً أعانت بني بكر على حرب خزاعة في تهور عجيب.
ولعل الموقف هذا لو تكرر ألف مرة مع قريش لن تأخذ هذا الرأي، ولن تعمل هذا العمل، لكنها مدفوعة لذلك من رب العالمين سبحانه وتعالى،{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:15-16].
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ37ـاضرة: [ الطريق إلى مكة ]
∫∫ الـحـ388ـلـقـة ∫∫
_
💎 #تتمة الوضع العسكري لقريش
وهذا عثمان بن طلحة أيضاً ليس فقط من الفرسان الأشداء، ولكنه من بني عبد الدار، وحامل مفتاح الكعبة فإضافته للدولة الإسلامية إضافة في منتهى القوة، وقد رأينا عائلة عثمان بن طلحة جميعها أُبيدت حول راية المشركين في غزوة أحد تدافع عن راية المشركين، وقبيلة بني عبد الدار لها تاريخ طويل جداً في الدفاع عن حرمات قريش، والآن زعيم هذه العائلة وعميدها عثمان بن طلحة ينضم إلى المسلمين، وليس من البعيد أن جميع بني عبد الدار تنضم إلى المسلمين، فهذا يسبب اهتزازاً واضحاً جداً للصف المشرك.
إذاً: الوضع مستقر جداً للدولة الإسلامية، وفي الناحية الأخرى وجود ضعف عند قريش، ومع مرور الوقت يزداد هذا الضعف، وتقل الأحلاف، والجنود يقلون، والقادة يُفقدون ولصالح المسلمين.
💎ثالثاً: تناقص أعداء المسلمين جداً في ذلك الوقت وضعف شوكتهم:
رأينا أن اليهود انتهى خطرهم تقريباً بعد فتح خيبر، ورأينا غطفان لم ينته خطرهم فحسب، بل جاءت وفودهم تُعلن الإسلام، وتُعلن انضمامها إلى قوة المسلمين، وغطفان هي التي شاركت منذ سنتين في حصار المدينة المنورة المؤمنة، والآن سوف تشارك في حصار مكة المكرمة المشركة في ذلك الوقت.
💎رابعاً: الوضع القانوني والشرعي للمسلمين إزاء قريش:
إذا أراد المسلمون فتح مكة فالوضع سليم، ولا ينكر عليهم أحد، فهذه فرصة سانحة لفتح مكة، وقد لا تتكرر بسهولة، ولذلك لا يجب أبداً أن تُضيّع هذه الفرصة، وفتح مكة مطلب هام جداً، ومعاهدة الحديبية كانت تعوق فتح مكة، أما الآن فقد نُقضت المعاهدة، وديار المسلمين وأموالهم في داخل مكة ما زالت منهوبة، وهناك فرصة لاستعادة كل هذه الأمور المنهوبة من المسلمين، كما أن هناك فرصة لتعليم عوام الناس في داخل مكة الإسلام إذا أُزيحت الطغمة الحاكمة من كراسيها في مكة؛ ولهذا نجد عدم تفاعل الرسول ﷺ مع محاولات قريش لتجنب الحرب، فالنبي ﷺ قرر أن ينتهز هذه الفرصة الثمينة ويفتح مكة، فهذه حكمة سياسية في منتهى الروعة
💎خامسا: رفع المسلمين للظلم عن المظلومين واجب أخلاقي وقانوني وسياسي
هناك واجب أخلاقي وقانوني وسياسي على المسلمين أن يقوموا بفتح مكة وذلك لرفع الظلم عن المظلومين، فخزاعة ظُلمت ولا يجب أن تُترك هكذا دون مساعدة، ثم إن هذا الواجب ليس أخلاقياً فقط بل هو واجب شرعي وقانوني، أي: أنه فرض على المسلمين أن يساعدوا خزاعة لأن هذا التزام إسلامي مؤكد في صلح الحديبية، فكيف يتخلى عنه المسلمون، المسلمون؟ ليس لهم اختيار في ذلك الأمر ما داموا قد عاهدوا على شيء عليهم أن يفوا بعهودهم، والمعاهدة مع خزاعة على أن ينصروهم إذا انتُهكت حرماتهم، وقد انتُهكت وفي داخل الحرم، فلم لا يتحرك المسلمون؟ لا بد أن يتحركوا؛ لأن المعاهدة تقول: إن الاعتداء على خزاعة هو اعتداء على المسلمين حتى وإن كانت خزاعة مشركة
إذاً:هناك واجب شرعي قانوني على المسلمين أن يجتهدوا في رد الحق إلى أصحابه، في رد الحق إلى خزاعة، وفي رفع الظلم عنهم
وفي نفس الوقت هذا واجب سياسي هام جداً لأن كرامة الدولة الإسلامية انتهكت أيضاً؛ ولأن هؤلاء الذين قُتلوا حلفاء المسلمين وإن كانوا مشركين فلا بد لحفظ كرامة الدولة الإسلامية أن تكون الوقفة مناسبة والرسول عليه الصلاة والسلام رأى أن هذه الوقفة يجب أن تكون فتح مكة
وهنا تضافرت أمور كثيرة جداً تفيد أن الوضع مناسب جداً لفتح مكة.
وعندما نعيد هذه الأوراق ونحلل الموقف سنجد الآتي
✍أولاً:الوضع العسكري والسياسي للدولة الإسلامية ممتاز ويتقدم.
✍ثانياً:الوضع العسكري والسياسي للدولة الكافرة في مكة ضعيف ويتأخر
✍ثالثاً:الأعداء الآخرون للدولة الإسلامية استكانوا اليهود وغطفان وغيرهم.
✍رابعاً:الوضع القانوني إذا أراد المسلمون فتح مكة سليم تماماً.
✍خامساً:هناك واجب أخلاقي وشرعي وسياسي على المسلمين لصالح خزاعة لا بد من القيام به.
هذا هو الواقع الذي حلله الرسول ﷺ في لحظة واحدة، فقال: (نصرت يا عمرو بن سالم) وبدأ التجهيز لفتح مكة المكرمة
إذاً أخذ قرار فتح مكة المكرمة في هذه الظروف سيكون قراراً حكيماً يحقق عدة مصالح دعوية وسياسية وعسكرية وأخلاقية، وغير ذلك لكن هذا ليس قراراً سهلاً، بل هو من أصعب القرارات لأن مكة ليست كأي بلد مكة هي عقر دار قريش ولها تاريخ طويل وقريش ليست بالقبيلة السهلة هي أعز قبيلة في العرب والعرب جميعاً يوقّرونها وقد يغير الكثير من الناس مواقفهم إذا هُددت قريش في عُقر دارها وبالذات أن عقر دار قريش هو البلد الحرام مكة وله مكانة هائلة في قلوب جميع العرب
لقد كان القرار جريئاً جداً وقد تكون له تبعات هائلة وفي نفس الوقت كثرة التفكير والتروي أكثر من اللازم قد تضيع الفرصة، لا بد أن نأخذ قراراً حاسماً والقرار قد اتخذ فعلاً وبحسم وبقوة، فقد قرر النبي ﷺ أن يفتح مكة
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ37ـاضرة: [ الطريق إلى مكة ]
∫∫ الـحـ388ـلـقـة ∫∫
_
💎 #تتمة الوضع العسكري لقريش
وهذا عثمان بن طلحة أيضاً ليس فقط من الفرسان الأشداء، ولكنه من بني عبد الدار، وحامل مفتاح الكعبة فإضافته للدولة الإسلامية إضافة في منتهى القوة، وقد رأينا عائلة عثمان بن طلحة جميعها أُبيدت حول راية المشركين في غزوة أحد تدافع عن راية المشركين، وقبيلة بني عبد الدار لها تاريخ طويل جداً في الدفاع عن حرمات قريش، والآن زعيم هذه العائلة وعميدها عثمان بن طلحة ينضم إلى المسلمين، وليس من البعيد أن جميع بني عبد الدار تنضم إلى المسلمين، فهذا يسبب اهتزازاً واضحاً جداً للصف المشرك.
إذاً: الوضع مستقر جداً للدولة الإسلامية، وفي الناحية الأخرى وجود ضعف عند قريش، ومع مرور الوقت يزداد هذا الضعف، وتقل الأحلاف، والجنود يقلون، والقادة يُفقدون ولصالح المسلمين.
💎ثالثاً: تناقص أعداء المسلمين جداً في ذلك الوقت وضعف شوكتهم:
رأينا أن اليهود انتهى خطرهم تقريباً بعد فتح خيبر، ورأينا غطفان لم ينته خطرهم فحسب، بل جاءت وفودهم تُعلن الإسلام، وتُعلن انضمامها إلى قوة المسلمين، وغطفان هي التي شاركت منذ سنتين في حصار المدينة المنورة المؤمنة، والآن سوف تشارك في حصار مكة المكرمة المشركة في ذلك الوقت.
💎رابعاً: الوضع القانوني والشرعي للمسلمين إزاء قريش:
إذا أراد المسلمون فتح مكة فالوضع سليم، ولا ينكر عليهم أحد، فهذه فرصة سانحة لفتح مكة، وقد لا تتكرر بسهولة، ولذلك لا يجب أبداً أن تُضيّع هذه الفرصة، وفتح مكة مطلب هام جداً، ومعاهدة الحديبية كانت تعوق فتح مكة، أما الآن فقد نُقضت المعاهدة، وديار المسلمين وأموالهم في داخل مكة ما زالت منهوبة، وهناك فرصة لاستعادة كل هذه الأمور المنهوبة من المسلمين، كما أن هناك فرصة لتعليم عوام الناس في داخل مكة الإسلام إذا أُزيحت الطغمة الحاكمة من كراسيها في مكة؛ ولهذا نجد عدم تفاعل الرسول ﷺ مع محاولات قريش لتجنب الحرب، فالنبي ﷺ قرر أن ينتهز هذه الفرصة الثمينة ويفتح مكة، فهذه حكمة سياسية في منتهى الروعة
💎خامسا: رفع المسلمين للظلم عن المظلومين واجب أخلاقي وقانوني وسياسي
هناك واجب أخلاقي وقانوني وسياسي على المسلمين أن يقوموا بفتح مكة وذلك لرفع الظلم عن المظلومين، فخزاعة ظُلمت ولا يجب أن تُترك هكذا دون مساعدة، ثم إن هذا الواجب ليس أخلاقياً فقط بل هو واجب شرعي وقانوني، أي: أنه فرض على المسلمين أن يساعدوا خزاعة لأن هذا التزام إسلامي مؤكد في صلح الحديبية، فكيف يتخلى عنه المسلمون، المسلمون؟ ليس لهم اختيار في ذلك الأمر ما داموا قد عاهدوا على شيء عليهم أن يفوا بعهودهم، والمعاهدة مع خزاعة على أن ينصروهم إذا انتُهكت حرماتهم، وقد انتُهكت وفي داخل الحرم، فلم لا يتحرك المسلمون؟ لا بد أن يتحركوا؛ لأن المعاهدة تقول: إن الاعتداء على خزاعة هو اعتداء على المسلمين حتى وإن كانت خزاعة مشركة
إذاً:هناك واجب شرعي قانوني على المسلمين أن يجتهدوا في رد الحق إلى أصحابه، في رد الحق إلى خزاعة، وفي رفع الظلم عنهم
وفي نفس الوقت هذا واجب سياسي هام جداً لأن كرامة الدولة الإسلامية انتهكت أيضاً؛ ولأن هؤلاء الذين قُتلوا حلفاء المسلمين وإن كانوا مشركين فلا بد لحفظ كرامة الدولة الإسلامية أن تكون الوقفة مناسبة والرسول عليه الصلاة والسلام رأى أن هذه الوقفة يجب أن تكون فتح مكة
وهنا تضافرت أمور كثيرة جداً تفيد أن الوضع مناسب جداً لفتح مكة.
وعندما نعيد هذه الأوراق ونحلل الموقف سنجد الآتي
✍أولاً:الوضع العسكري والسياسي للدولة الإسلامية ممتاز ويتقدم.
✍ثانياً:الوضع العسكري والسياسي للدولة الكافرة في مكة ضعيف ويتأخر
✍ثالثاً:الأعداء الآخرون للدولة الإسلامية استكانوا اليهود وغطفان وغيرهم.
✍رابعاً:الوضع القانوني إذا أراد المسلمون فتح مكة سليم تماماً.
✍خامساً:هناك واجب أخلاقي وشرعي وسياسي على المسلمين لصالح خزاعة لا بد من القيام به.
هذا هو الواقع الذي حلله الرسول ﷺ في لحظة واحدة، فقال: (نصرت يا عمرو بن سالم) وبدأ التجهيز لفتح مكة المكرمة
إذاً أخذ قرار فتح مكة المكرمة في هذه الظروف سيكون قراراً حكيماً يحقق عدة مصالح دعوية وسياسية وعسكرية وأخلاقية، وغير ذلك لكن هذا ليس قراراً سهلاً، بل هو من أصعب القرارات لأن مكة ليست كأي بلد مكة هي عقر دار قريش ولها تاريخ طويل وقريش ليست بالقبيلة السهلة هي أعز قبيلة في العرب والعرب جميعاً يوقّرونها وقد يغير الكثير من الناس مواقفهم إذا هُددت قريش في عُقر دارها وبالذات أن عقر دار قريش هو البلد الحرام مكة وله مكانة هائلة في قلوب جميع العرب
لقد كان القرار جريئاً جداً وقد تكون له تبعات هائلة وفي نفس الوقت كثرة التفكير والتروي أكثر من اللازم قد تضيع الفرصة، لا بد أن نأخذ قراراً حاسماً والقرار قد اتخذ فعلاً وبحسم وبقوة، فقد قرر النبي ﷺ أن يفتح مكة
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ38ـاضرة: [ فتح مكة ]
∫∫ الـحـ393ـلـقـه∫∫
____
ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم وقد أشار عليّ بأمر صنعته، فوالله ما أدري هل يغني عني شيئاً أم لا، قالوا: فبماذا أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس ففعلت، قالوا: هل أجاز ذلك محمد ﷺ؟ قال: لا، قالوا:ويحك ما زادك الرجل على أن لعب بك، فما يغني عنك ما قلت، فقال أبو سفيان : لا والله ما وجدت غير ذلك. أي: أنه لم يكن هناك أي حل إلا أن يعمل هذا، مع أنه لن يجد فائدة،
هكذا وضعت قريش في مأزق خطير، وعلمت قريش أن هناك احتمالاً كبيراً جداً لغزو مكة المكرمة، وبدأت قريش تترقب قدوم المسلمين، وهي لا تستطيع أن تعمل شيئاً، فلم يعد من أعوانها إلا بنو بكر، ولم يعد أمامها إلا الانتظار، هذا هو الموقف في مكة.
💎استعداد الرسول ﷺ وأصحابه لفتح مكة:
أعلن الرسول ﷺ استنفاراً عاماً على كل المستويات لكل أهل المدينة المنورة، وإرسال استدعاءات للمسلمين في القبائل المختلفة، وممن أرسل إليهم غطفان، وأرسل إلى بني سليم، وإلى فزارة، وهؤلاء هم الأحزاب الذين حاصروا المدينة منذ ثلاث سنوات، والرسول ﷺ اتفق مع هذه القبائل على التلاقي عند مر الظهران، ومر الظهران على بعد حوالي (22) كيلو من مكة المكرمة، أي: أن هذه القبائل ستأتي من طرق مختلفة؛ لكي لا تستطيع عيون قريش تقدير عدد الجيش المسلم،
وفي نفس الوقت أخرج الرسول ﷺ سرية على رأسها أبو قتادة للتمويه، أرسل هذه السرية إلى اتجاه بعيد عن اتجاه مكة ؛ ليلفت أنظار القرشيين إلى أنه لا يريد مكة، وأمر ﷺ المسلمين جميعاً بالسرية التامة، وبعدم إخبار أي إنسان خارج المدينة المنورة بأمر هذا الغزو لمكة المكرمة،
ثم رفع يده إلى السماء ودعا وقال:(اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتة، ولا يسمعون بنا إلا فجأة) وبدأ الإعداد الضخم للخروج من المدينة المنورة.
في ذلك الوقت حدثت قصة نمر سريعاً على هذا الحدث، أن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه أخطأ خطأ كبيراً بإرادته بكشف سر رسول الله ﷺ لمشركي قريش، فهو أرسل إليهم رسالة يخبرهم فيها أن رسول الله ﷺ قادم إليهم، ولماذا فعل هذا؟ لأن له عائلة بمكة المكرمة وخشي عليها من بطش قريش، وليست له قبيلة كبيرة بمكة تدافع عن أسرته، فهو رجل حليف ليس من أهل مكة الأصليين
وهذا الأمر لا يبرر أبداً له هذا الخطأ الكبير، لكن هذا هو الذي حصل، ونزل الوحي يكشف للرسول ﷺ هذا الأمر، واستطاع الرسول ﷺ أن يرسل من يأتي بالرسالة التي أرسلها، وأحبطت هذه المحاولة
وهذا الصحابي لم يرتكب هذا الخطأ لأنه من المنافقين، بل هي لحظة ضعف خاف فيها على أسرته، ولذلك الرسول ﷺ عفا عنه وتجاوز عن هذا الخطأ؛ لسابق تاريخه رضي الله عنه في الإسلام
وكما هو معروف أن حاطباً رضي الله عنه من أهل بدر، ولهذا الرسول ﷺ منع عمر من إيذائه وقال له:(إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطّلع على قلوب من شهد بدراً، فقال:اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)
خرج الرسول ﷺ من المدينة وكان هذا الخروج في (10) رمضان سنة (8هـ)، واتجه مباشرة إلى مكة المكرمة، وفي الطريق بدأت البشريات تتوافد على المسلمين أولاً في طريقه وبمجرد أن خرج من المدينة المنورة لقي العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم الرسول ﷺ، ومن أحب الناس إلى قلبه ﷺ
فقد كان تأخر إسلام العباس علامة استفهام كبيرة جداً، حتى إن هناك من قال:إنه قد أسلم أيام بدر، ولم يفسّر تفسيراً واضحاً بقاءه في مكة المكرمة دون هجرة كل هذه السنوات،
وهناك من قال:إنه بقي في مكة لنقل الأخبار للرسول ﷺ، ولم يقم أحد الأدلة على ذلك، لكن الحمد لله أنه هاجر قبل أن يصل الرسول ﷺ إلى مكة المكرمة، وذلك أسعد الرسول ﷺ جداً، وسر سروراً عظيماً برؤية العباس رضي الله عنه، وانضم العباس إلى قوة المسلمين، وسيكون له دور إيجابي كما سنرى ذلك في فتح مكة
ثم أكمل الرسول ﷺ الطريق وقد زادت قوة المسلمين بـالعباس، فوجد رجلين آخرين: أبا سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية ، أحدهما ابن عم الرسول ﷺ، والآخر ابن عمة الرسول ﷺ، وهذان الرجلان كانا من أشد الناس على رسول الله ﷺ، وجاءا من مكة المكرمة إلى المدينة ليعلنا إسلامهما بين يدي الرسول ﷺ
وتخيل من شدة إيذائهما للرسول ﷺ رفض ﷺ أن يقابلهما، مع أنه ﷺ كان يفرح كثيراً بمن أتى إليه مسلماً، إلا أنه رفض في البداية مقابلتهما من شدة إيذائهما له في فترة الفترة المكية
لولا أن السيدة أم سلمة رضي الله عنها وكانت مصاحبة لرسول الله ﷺ في الفتح فتوسطت لهما عند رسول الله ﷺ، فقابلهما الرسول ﷺ وقبل منهما الإسلام بعد أن أعلنا التوبة الكاملة بين يديه ﷺ
فهذه كانت بشريات، وبدأت بشائر مكة تظهر، ومن الواضح أن أثر الخيانة التي حدثت في مكة واضطراب الوضع فيها والهزيمة النفسية عند أهلها أثرت كثيراً على معنوياتهم، فبدءوا بالتفكير بجد في قضية الإسلام.
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ38ـاضرة: [ فتح مكة ]
∫∫ الـحـ395ـلـقـه∫∫
__
💎 التقاء القبائل عام الفتح بالرسول ﷺ بمر الظهران وموقف زعماء مكة منها
وصل الرسول ﷺ إلى مر الظهران، ومر الظهران على بعد (22) كيلو من مكة المكرمة، وهناك التقت الجنود من القبائل المختلفة من قبائل فزارة ومن قبائل بني سليم ومن غطفان ومزينة وجهينة ومن المدينة المنورة.. من كل مكان، عشرة آلاف جندي، هذه هي الطاقة الإسلامية، وهذا الوضع كنفس الوضع الذي كان في غزوة الأحزاب ولكن بصورة عكسية، {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران:140] قبل الفتح بثلاث سنوات حوصرت المدينة بعشرة آلاف مشرك، والآن تحاصر مكة بعشرة آلاف مسلم، العدد هو العدد لكن شتان بين الفريقين.
أراد الرسول ﷺ لقريش هزيمة نفسية؛ لكي يدخل مكة بأقل الخسائر الممكنة، فأمر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في فكرة نبوية عبقرية رائعة أن يشعلوا النيران جميعاً، أي كل فرد منهم يشعل شعلة ويرفعها بيده، فأصبحت عشرة آلاف شعلة من النيران، فالنيران بحد ذاتها مرعبة، فإذا رآها الناس شعروا بالرهبة، وهذه الفكرة كانت مثيرة ومرعبة لأهل قريش، وشاهدوها جميعاً؛ لأن المسافة (22) كيلو بين جيش المسلمين وبين مكة فهي مسافة قريبة يستطيع أهل قريش أن يروا فيه النيران، ومع هذا كان من قريش المراقبين والجواسيس على مقربة من مر الظهران، ورأوا هذه النيران عن قرب، ومن هؤلاء أبو سفيان شخصياً، وتصور مدى الهلع والرعب عند سيد قريش وعند زعيم مكة الذي يدفعه أن يخرج بنفسه ليراقب أحوال المسلمين، وكان معه بديل بن ورقاء الخزاعي ،
وذكرنا قبل هذا أن بديل بن ورقاء كان صديقاً شخصياً لـأبي سفيان ومع أن بديلاً استغاث بالرسول ﷺ إلا أنه لم يكن يتوقع أبداً أن يأتي الرسول ﷺ بجيش يفتح مكة المكرمة عقر دار قريش، كان كل أحلامه أن الرسول ﷺ سيطلب من قريش أن تدفع دية المقتولين من خزاعة، لكن الآن يشاهد جيشاً كبيراً أتى إلى مكة المكرمة.
وهنا يأتي كلام العباس رضي الله عنه وأرضاه عن هذا الموقف العجيب، وهذا في الطبراني بسند صحيح عن العباس رضي الله عنه، فـالعباس عندما رأى عشرة آلاف جندي على أبواب مكة المكرمة، ومع ذلك فـالعباس لا يزال حديث الهجرة، بل قد يكون حديث الإسلام، وقريش قبيلة قوية جداً، وإسلامها لا شك أنه أفضل من قتلها، ثم هم الرحم والأهل والعشيرة، فأول ما رأى هذا العدد يقترب من مكة المكرمة قال: وا صباح قريش، والله لئن دخل رسول الله ﷺ مكة عنوة قبل أن يستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر.
فبدأ يبحث عمن يخبر قريشاً أن الرسول ﷺ قد جاء ليخرجوا ليستأمنوه، فهو الآن لا يدل على أسرار الجيش؛ لأن الجيش قد كشف أمره، فقد أشعل عشرة آلاف شعلة حول مكة المكرمة، فليس هناك أي نوع من التخفي، فالآن هو يريد لقريش أن تستأمن لنفسها،
فركب بغلة الرسول ﷺ وبدأ يبحث عن أي إنسان يصل بخبر إلى مكة المكرمة، فسمع همسات من رجلين يتحدثان فأحدهما كان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً ولا عسكراً، فرد عليه صوت آخر وقال: هذه والله نيران خزاعة حمشتها الحرب. أي: أن خزاعة جاءت لتنتقم لنفسها من قريش، فقال الأول: خزاعة! والله أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها،
فسمعهم العباس بن عبد المطلب فعرف الصوت فناداهما، فكان الصوت الأول أبا سفيان والصوت الثاني بديل بن ورقاء الخزاعي ، وكما ذكرنا أن بديل بن ورقاء يعيش في داخل مكة المكرمة؛ فهو لا يعرف أحوال خزاعة، وهل خزاعة جاءت بجيش أو غير خزاعة؟
المهم أن العباس رضي الله عنه لما ناداهما فعرف أبو سفيان صوته فقال: أبو الفضل ؟ -أي: العباس بن عبد المطلب - فقلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي، فقلت: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله ﷺ في الناس، وا صباح قريش والله، قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله ﷺ أستأمنه لك، فوافق أبو سفيان دون تردد؛ لأن موقفه صعب جداً فهو زعيم قريش.
فوافق دون تردد وانصاع لنصيحة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وركب خلفه على بغلة رسول الله ﷺ، وانطلق إلى الرسول ﷺ، ورجع بديل بن ورقاء إلى مكة المكرمة، وفي ذهابهما إلى الرسول ﷺ كانا كلما مرا على نار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فيقولون: هذه بغلة الرسول ﷺ، وهذا عم الرسول ﷺ،
إلى أن مرا على نار عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فقال: من هذا؟ وقام إليه فرأى العباس ووجد خلف العباس أبا سفيان ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في منتهى القوة: أبي سفيان عدو الله؟ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، فقرر عمر بن الخطاب قتل أبو سفيان
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ38ـاضرة: [ فتح مكة ]
∫∫ الـحـ397ـلـقـه∫∫
_
💎 قصة إسلام أبي سفيان ودوره في فتح مكة
لقد عرض الرسول ﷺ الإسلام على أبي سفيان بمنتهى القوة، فهو يعرض عليه الإسلام لنجاته وإلا فالأصل أن الرسول ﷺ في حل من دماء قريش؛ لأنهم خالفوا صلح الحديبية وقتلوا رجالاً من قبيلة خزاعة حليفة المسلمين
فعرض عليه الإسلام بصيغة فيها ترهيب واضح قال:(ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟) تهديد واضح، ذهب وقت الإقناع والمحاورة، والآن نحن على أبواب حرب، وأبو سفيان ليس بالرجل السهل فهو من دهاة العرب، واستطاع أن يقوّم الموقف بأسرع وقت وبصورة واقعية، ولذلك تلطّف في الحوار وأجاب بصورة تجمع بين الموافقة وعدم الاقتناع الكامل
فقال أبو سفيان :(بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً)،
وبعد مدح الرسول ﷺ لم يجاوب إجابة مباشرة قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله، ولكن قال: لو كان هناك آلهة أخرى كاللات أو هبل.. أو غيرهما لدافعت عنا
فانتقل معه الرسول ﷺ إلى النقطة الأصعب: وهي الاعتراف بنبوة الرسول ﷺ: لأن العرب ما كانوا ينكرون أن الله عز وجل هو الخالق، ولكنهم كانوا يشركون معه أصنامهم، أما قضية النبوة والرسالة فهذه كانت مرفوضة عندهم تماماً
فقال له الرسول ﷺ:(ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟) فـأبو سفيان حتى هذه اللحظة لم يقتنع بقضية الإيمان، وهو لا يريد في نفس الوقت أن يكذب وهو سيد قريش، وكان كما يقول عن نفسه: وكنت امرأ أتكرم على الكذب، وفي نفس الوقت لا يريد أن يأخذ موقفاً حاداً تكون فيه نهايته
وإنما قال أبو سفيان :(بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، هذه والله كان في نفسي منها شيء حتى الآن)، أي: أنه وإلى هذه اللحظة لم يكن مقتنعاً بنبوته ﷺ، فهو متردد، لا يتصور أبو سفيان أن تنهار مقاومته كلها في لحظة
وهنا تدخل العباس رضي الله عنه ليدرك أبا سفيان
فـالعباس مدرك صعوبة الموقف، واحتمال قتل أبي سفيان وغزو مكة وإهلاك قريش احتمال وارد جداً، وعمر بن الخطاب صرّح بذلك في اليوم الذي قبيل هذا اليوم
فقال العباس في منتهى القوة:(ويحك يا أبا سفيان أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك)، وهذا ليس إكراهاً في الدين، بل هو رحمة؛ لأن قتل أبي سفيان في هذا الموقف لا يستنكره أحد؛ فهو يسمى في أعراف الدول: بمجرم الحرب؛ لأنه دبر اغتيالاً جماعياً قبل ذلك لسكان المدينة المنورة في غزوة الأحزاب، هذا غير فتنة الناس عن دينهم طول سنوات مكة والمدينة، غير نقضه العهد مع الرسول ﷺ في صلح الحديبية، فقد أصبح حلال الدم، وهذا في عرف الجميع مقبول، وإسلامه يرفع عنه عقوبة مستحقة وله الخيار
فـأبو سفيان رجل واقعي فقد أدرك خطورة الموقف ولذلك نطق بالشهادتين مباشرة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأعلن إسلامه أمام الرسول ﷺ، والعباس رضي الله عنه صديق قديم لـأبي سفيان ، ويرى الأزمة التي وضع فيها أبو سفيان ، ويرى الانهيار الذي تعرض له
ولهذا طلب العباس من الرسول ﷺ طلباً ليخرج أبا سفيان من هذه الأزمة، فقال:(يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً)، هنا بدأ الرسول ﷺ يفكر في الأمر، ومن الواضح أن إسلام أبي سفيان كان إسلام اضطرار، فهو لم يقتنع بعد بالنبوة، ولم يشعر بالانتماء الحقيقي للنظام الجديد، فقد ينتهز أي فرصة للانقلاب على المسلمين، وأبو سفيان عظيم مكة لعدة سنوات، فإن لم ينزله ﷺ منزله فإن هذا سيؤثر سلباً لا شك على أبي سفيان وعلى أهل مكة جميعاً
ثم إن الرسول ﷺ إذا أعطى أبا سفيان شيئاً فهو سوف يستخدمه لصالح الإسلام، وسيكون أبو سفيان من رجاله وولاته بدلاً من أن يكون من أعدائه، وقد يرى ذلك بقية زعماء مكة فيطمعون في شيء من سلطان المسلمين كما أخذ أبو سفيان ؛ ولهذا الرسول ﷺ قرر أن يعطيه شيئاً
ولكن الرسول ﷺ في ذلك الوقت لا يملك مالاً كثيراً يليق بزعيم مكة، ولا يستطيع أن يعده بإمارة؛ لأنه لم يستوثق بعد من صدق إيمانه؛ لأن الظاهر أنه أسلم مضطراً، وقد يؤذي المسلمين بإمارته سواء على مكة أو غيرها
ففكر الرسول ﷺ في إعطائه شيئاً ينفع ولا يضر، قال ﷺ:(من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن) فالرسول ﷺ خصه بخصيصة تجعله مميزاً على أقرانه من أهل مكة، وهي أن داره أصبحت مأوى لأهل مكة وأماناً لهم
لكن المتدبر حقيقة في الأمر يجد أن النبي ﷺ أعطاه شيئاً بلا خسارة، هذا الشيء لا يقدم ولا يؤخر كثيراً عند المسلمين، بينما هو يكسب قلب أبي سفيان ؛لأن أي إنسان يُغلق عليه بابه سيكون في نفس الأمن الذي في دار أبي سفيان ، أي:أنه ليس هناك مزية واضحة، لكن جعل له نوعاً من الفخر والشرف الذي ينفع ولا يضر، وهنا نجد التوازن الرائع.
قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
؏ التليجرام'.-
https://t.me/gghopff55
#السيرة_النبوية :فترة الفتح والتمكين
المحـ39ـاضرة: [ إسلام مكة ]
____
💎 #تمهيد
كان يوم فتح مكة يوماً مشهوداً، وفيه من الدروس والعبر الكثير، من ذلك: احتواء الموقف، وإحقاق الحق، وإزهاق الباطل بتكسير الأصنام، وتأليف القلوب، والصفح والعفو عن ألد الأعداء وإدخالهم في حظيرة الإسلام بالأخلاق الرفيعة العالية، وغير ذلك من المواقف العظيمة التي فعلها صلى الله عليه وسلم في يوم فتح مكة.
💎 أهم العنواين الرئيسية:
📌الخطوات التي قام بها الرسول بعد فتح مكة :
تكسير الأصنام
أذان بلال يوم الفتح على سطح الكعبة
أخلاقه ﷺ في امتلاك القلوب
📌موقف الرسول مع زعماء مكة المشركين يوم الفتح:
موقفه ﷺ مع سهيل بن عمرو
موقفه ﷺ مع صفوان بن أمية
موقفه ﷺ مع عكرمة بن أبي جهل
موقفه ﷺ مع فضالة بن عمير الليثي
موقفه ﷺ مع هند بنت عتبة
موقفه ﷺ من إجارة أم هانئ لبعض المشركين
📌بعض المواقف التي وقعت بعد فتح مكة:
موقف الرسول من المرأة المخزومية التي سرقت
موقف الرسول من خزاعه في قتلها لرجل من هذيل
موقف الرسول من إقامة وال على مكة بعد الفتح
موقف الأنصار بعد فتح مكة وماكان من الرسول تجاههم
📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
https://telegram.me/gghopff55
الكتب والمواضيع والآراء فيها لا تعبر عن رأي الموقع
تنبيه: جميع المحتويات والكتب في هذا الموقع جمعت من القنوات والمجموعات بواسطة بوتات في تطبيق تلغرام (برنامج Telegram) تلقائيا، فإذا شاهدت مادة مخالفة للعرف أو لقوانين النشر وحقوق المؤلفين فالرجاء إرسال المادة عبر هذا الإيميل حتى يحذف فورا:
alkhazanah.com@gmail.com
All contents and books on this website are collected from Telegram channels and groups by bots automatically. if you detect a post that is culturally inappropriate or violates publishing law or copyright, please send the permanent link of the post to the email below so the message will be deleted immediately:
alkhazanah.com@gmail.com