دروس وعبر في قيام وسقوط الدولة العثمانية
{الـحـ11ـلـقـة}
〰〰〰〰〰〰〰
💫النفوذ الزائد للإنكشارية وتسلطهم على السلاطين
من النتائج الطبيعية لضعف الولاة ظهور بؤر قوة تحاول استغلال نفوذها، وبسط سيطرتها، وكان من مراكز القوة في الدولة العثمانية فرقة الإنكشارية العسكرية، والتي هي أحد أهم أقسام الجيش العثماني، وقد سبق الإشارة إليها بإيجاز، حيث كانت أحد الدعائم التي تمَّ الاعتماد عليها في الجهاد والتوسع في مرحلة قوة الدولة العثمانية، وكانت لهم صلاحيات واسعة، وفي حين كانت كل فرقة من الجيش تابعةً للوالي الذي يحكم الإمارة الموجودين فيها، وتأخذ أوامرها منه، كان اتصال قيادات الإنكشارية بالصدر الأعظم بشكل مباشر.
ولما كانت الإنكشارية هم عماد الجيش، فقد أحرزوا انتصارات عظيمة، وأُعطيت لهم امتيازات، وقدِّمت لهم إقطاعات، فمالوا إلى حياة الدعة والراحة، وبدأت علامات الضعف تظهر على الجيش، وأصبح الإنكشاريون لا يخرجون للقتال إلا إذا خرج السلطان معهم، وهذه بداية التذمر، وأصبحوا يتدخلون في اختيار السلطان وفي شؤون الحكم؛ وقد أدَّى ذلك إلى تحوُّل الإنكشارية إلى عنصر شغب وفوضى، بعد أن توقفت الفتوحات، واقتصر دورهم على أعمال التمرد والعصيان، والاعتداء على الأموال والأرواح، وزاد الأمر سوءًا أن الجيش الإنكشاري أصبح يتدخل في السياسة وشؤون الحكم.
عدم الاهتمام بالعلم وضعف العلماء
سبق أن ذكرنا أن من مقومات قيام الدولة العثمانية ونهضتها وقوتها قيامها بواجبها نحو العلم والعلماء واحترامهم وتقديرهم، بل كان كل سلطان يختار لأبنائه من يعلمهم ويربيهم على الربانية، وكانوا يهتمون ببناء المعاهد العلمية التي تخرِّج العلماء والقادة والمتخصصين في كافة مجالات الحياة؛ لذا فعندما زهد الحكام في العلم، ولم يعرفوه له مكانته، ولا لحامليه قدرهم، وضعف الاهتمام بمعاهد العلم، وأصبح الشغل الشاغل هو السلطة والشهوات والملذات، قاد ذلك كله إلى ضعف الدولة وتفكك أواصرها، والإذن بسقوطها.
لقد أخلد العلماء في آخر الدولة العثمانية إلى الأرض، واتبعوا أهواءهم، وضعفوا عن القيام بواجباتهم، فكانوا بذلك قدوة سيئة للجماهير التي ترمقهم وترقبهم عن قرب، ولقد غرق الكثير منهم في متاع الدنيا وأترفوا فيها، وكُمِّمت أفواهُهم بدون سيف أو سوط، ولكن بإغداق العطايا عليهم من قبل الباشوات والحكام.
وتوفرت عدة عوامل أُصيبت بسببها العلوم الدينية خاصة بالجمود والتحجر، من هذه العوامل الاهتمام بحفظ المختصرات فحسب، وذلك دون الرجوع إلى أمهات الكتب؛ مما أضعف ملكة الاستنباط والفهم، وأصبح الفقهاء منهم ينقلون أقوال من سبقهم، ويختصرون مؤلفاتهم في متون موجزة، ويأخذون هذه الأقوال مجردة عن أدلتها من الكتاب والسنة، مكتفين بنسبتها إلى أصحابها.
ومن العوامل التي ساعدت على التأخر العلمي أيضًا كثرة الحواشي والتقريرات؛ فقد كانت تلك من الأغلال التي كبلت العقول، وأدَّت إلى جمود العلوم عبر قرون عديدة، وكانت توجد بعض الحواشي والشروح المفيدة، ولكنها لا تكاد تُذكر، وكانت مناهج التعليم في تلك الفترة بعيدة كل البعد عن ذلك المنهج الإسلامي الأصيل.
كما كان من عوامل تدهور العلوم الشرعية في تلك الفترة أيضًا التساهل في منح الإجازات، فكانت تُعطى في العصر المتأخر للدولة العثمانية جزافًا، إذ كان يكفي أن يقرأ الطالب أوائل كتاب أو كتابين مما يدرسه الأستاذ حتى ينال إجازة بجميع مروياته، وكان ذلك التساهل من الأمور التي شغلت المسلمين عن تحصيل العلوم كما ينبغي، وأضحى الهدف الكبير عند كثير من المنتسبين إلى العلم حيازة أكبر عدد من هذه الإجازات الصورية التي لم يكن لها في كثير من الأحيان أي رصيد علمي في الواقع..كما أصبحت المناصب العلمية في أواخر الدولة تؤخذ بالوراثة، مثلها مثل الدور والضياع والأموال.
💫الامتيازات الأجنبية
لقد منحت الاتفاقات الأجنبية الدولَ الأوروبية امتيازاتٍ وحقوقًا للتدخل في شؤون الدولة عن طريق رعايا من النصارى، وأصبحت هذه الاتفاقيات ملزمة للحكام، ونجم عنها خروج الرعايا الأجانب عن طاعة أوامر الدولة مما سبَّبَ ضعفًا للدولة، وأحيانًا قيام حركات تمرد وثورات.
وفي أواخر أيام الدولة العثمانية صارت دول أوروبا النصرانية تتدخل في شؤونها تحت زعم حماية الامتيازات، وللدفاع عن نصارى الدولة الذين كانوا يُعَدُّون رعايا للدولة الأجنبية، وخاصة في بلاد الشام..وعندما تحصَّلت هولندا على الامتيازات، استغلت ذلك في نشر الدخان داخل ديار المسلمين، وبدأ تعاطيه من قبل الجنود، فأصدر المفتي فتوى بمنعه، فهاج الجند، وأيدهم الموظفون، فاضطر العلماء إلى السكوت عنه.
يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55