في الثامن والعشرين من شهر رمضان عام 92 هجرية، وقعت معركة طاحنة بين جيش المسلمين بقيادة طارق بن زياد، وجيش القوط الغربيين على ضفاف نهر وادي لكة - نهر جوادليتي بالإسباني، وبعد ثمانية أيام من القتال انتهت المعركة بانتصار المسلمين وفتح بلاد الأندلس، وشهد العالم لبطولات قيادة جيش المسلمين وفكره في إدارة المعركة، التي بسطت راية الإسلام في دول أوروبا.
كان يسكن منطقة شبه جزيرة «أيبيريا» تشمل إسبانيا والبرتغال خليط من القبائل الجرمانية والرومانية، مثل قبائل السيوف والآلان والوندان، وظلوا يعيشون في هذه المنطقة لسنوات عديدة حتى سنة 410 ميلادية، حيث تغلبت قبائل القوط الغربية التي كانت تسكن جنوب فرنسا على هذه القبائل الجرمانية والرومانية، وانفردت بحكم البلاد.
📍بلاد المغرب
وفي تلك الأثناء كان القائد الإسلامي موسى بن نصير يتولى قيادة الفتوحات الإسلامية لبلاد المغرب، حيث استطاع أن يبسط راية الفتح الإسلامي حتى آخر بلاد المغرب، ووصل لضفاف المحيط الأطلنطي، ولم يبق هناك بلد لم يفتحه المسلمون إلا منطقة «سبتة» الحصينة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وكانت سبتة محكومة من قبل القوط في إسبانيا وعليها والٍ من عندهم اسمه «يوليان»، وبدأ موسى بن نصير التوجه للضفة الأخرى حيث بلاد إسبانيا.
📍حرب أهلية
وتزامن الفتح الإسلامي لبلاد المغرب أيام موسى بن نصير مع ثورة كبيرة بإسبانيا قام بها أحد رجال الملك «وامبا» القوطي، واسمه «رودريجو»، فاستولى على الملك، وطرد وامبا من الحكم، فثار أنصار «وامبا» ضده وبدأت حرب أهلية طاحنة بإسبانيا، وكان يوليان والي سبتة من مؤيدي الملك المخلوع وامبا، وكان من أشد الناس عداوة لرودريجو لقيام الأخير باغتصاب ابنة يوليان التي كانت تعمل في بلاط الملك المخلوع لذلك لجأ وامبا إليه، وأقام عنده بسبتة فترة من الزمن، وكان رودريجو خلالها قد أحكم قبضته بالحديد والنار على مقاليد الأمور بإسبانيا، وكان رجلاً طاغية سفاكاً للدماء، مما دفع وامبا لأن يفكر في الاستعانة بقوة المسلمين الناشئة بالمغرب، وبالفعل فوض واليه يوليان في التفاوض والاتصال بالمسلمين لهذا الغرض، وبالفعل اتصل بطارق بن زياد والي مدينة طنجة وعرض عليه تسليم سبتة مع إشارة بفكرة فتح الأندلس، ورفع طارق الأمر لقائده موسى بن نصير الذي رفعه بدوره لأمير المؤمنين الوليد بن عبدالملك، فأرسل إليه الوليد يقول له: «اختبرها بالسرايا، ولا تغرر بالمسلمين».
📍أبطال البربر
وبعد وصول أمر الخليفة بدأ موسى بن نصير يحضر لغزو الأندلس، فأرسل أول دورية استطلاعية يقودها بطل من أبطال المسلمين واسمه طريف بن مالك، ومعه مئة فارس وأربعمائة رجل، فجاز البحر في أربعة مراكب مبحراً من مدينة طنجة حتى نزل أرض الأندلس في منطقة عرفت بعد ذلك بجزيرة طريف، وكانت هذه السرية أول أقدام مسلمة تطأ أرض الأندلس، وقد استطاعت هذه السرية أن تحقق انتصاراً سريعاً، ثم عادت سالمة من دون أن تخسر رجلاً واحداً مما أظهر سهولة الفتح.
وفي شهر رجب سنة 92هـ قرر موسى بن نصير التحضير لفتح الأندلس، فجهز جيشاً من العرب والبربر يقدر بسبعة آلاف مقاتل يقودهم طارق بن زياد، فعبر البحر من مدينة سبتة وفي سفن يوليان الذي اتفق معه على حرب رودريجو نظير أملاك وإقطاعات كبيرة بالأندلس، وبالفعل وصل المسلمون إلى الشاطئ المقابل لسبتة على أرض الأندلس في المنطقة الصخرية التي عرفت بجبل طارق.
📍انتصارات
ومن جبل طارق انطلقت جيوش المسلمين لفتح بلاد الأندلس، وتوالت الانتصارات، ففتح المسلمون مدينة قرطاجنة واستولى طارق على الحصون والقرى المجاورة لقرطاجنة، وأقام قاعدة حربية في موضع يقابل الجزيرة الخضراء.
وقرر رودريجو أن يوقف حربه ضد خصومه، وقرر توحيد الصفوف من أجل التصدي لغزو المسلمين لبلاده، واستطاع أن يحشد جيشاً كبيراً يقدر بمئة ألف مقاتل وتوجه به نحو الجزيرة الخضراء، فكتب طارق إلى موسى بن نصير يطلب منه الإمدادات، فأرسل له مدداً يقدر بخمسة آلاف مقاتل يقودهم طريف بن مالك؛ فأصبح الجيش الإسلامي اثنى عشر ألفاً ويقود الجميع طارق بن زياد.
📍التسمية العربية
وفي 28 رمضان سنة 92 هـ التقى الجيشان على ضفاف نهر وادي لكّة، ومنه جاءت التسمية العربية للمعركة التي استمرت قرابة ثمانية أيام، وانتهت بهزيمة ساحقة للقوط الغربيين، وفروا من أرض المعركة، واستمر زحف جيش طارق بن زياد، وفتحت المدن الواحدة تلو الأخرى، حتى وصل إلى مدينة طليطلة عاصمة القوط الإسبان.