قناة

فيلق القدس الإلكتروني Force Electronic Quds

فيلق القدس الإلكتروني Force Electronic Quds
9.9k
عددالاعضاء
38
Links
Files
8
Videos
65
Photo
وصف القناة
《وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ》 فريق سيبراني إسلامي حر، لا نتبع لأي جهة ونعمل على مُناصرة المسلمين في كل مكان ونحارب العدو الصهيوني بالصاروخ الرقمي. contact us : @ForceElectronicQuds_bot #فيلق_القدس_الإلكتروني
#قصة_دولة_المماليك { الـحـ23ـلـقـة} 〰〰〰
#قصة_دولة_المماليك
{ الـحـ24ـلـقـة}
〰〰〰〰〰〰〰
💎المنصور قلاوون

اعتلى السلطان المنصور قلاوون عرش السلطنة في مصر سنة 678هـ/ 1279م، وبعد أن وطَّد دعائم حكمه بدأ في مواصلة جهاد الظاهر بيبرس ضد الصليبيين. وكانت بقايا الوجود الصليبي تتمثل في إمارة طرابلس، وبقايا مملكة بيت المقدس اللاتينية التي اتخذت من عكا عاصمة لها، كما كان حصن المرقب بأيدي الفرسان الإسبتارية، وطرطوس بأيدي فرسان الداوية.

وفي سنة 684هـ/ 1285م شنَّ الجيش المصري هجومًا ناجحًا على حصن المرقب، وانتزعه من فرسان الإسبتارية. وكانت كل الشواهد تدل على أن نهاية الوجود الصليبي في المنطقة العربية قد اقتربت. وفي سنة 686هـ/ 1287م أرسل السلطان المنصور قلاوون جيشًا استولى على اللاذقية، آخر ما تبقى من إمارة أنطاكية الصليبية التي حررها بيبرس.وبعد ذلك بسنتين خرج السلطان بنفسه على رأس جيش ضخم فرض حصارًا على طرابلس لمدة شهرين واستولى عليها في إبريل سنة 1289م، ثم تلتها بيروت وجبلة، وانحصر الصليبيون في عكا وصيدا وعثليت.

💎تصفية الصليبيين

كان لا بد من تصفية الوجود الصليبي في المشرق الإسلامي بعد أن استمرَّ ما يقرب من مائتي عامٍ، وبعد أن وهنت قوته بفعل المقاومة الإسلامية، وجهود الحكام المسلمين المجاهدين، وبالفعل تم تصفية الوجود الصليبي في بلاد الشام في عهد الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون (689- 693هـ/ 1290- 1293م)؛ حيث كانت بعض أملاك للصليبيين في الشام لا تزال قائمةً، منها على سبيل المثال: (عكا) التي اتجه إليها المنصور بن قلاوون وضرب عليها الحصار، واستطاع فتحها في السابع عشر من جُمادَى الأولى عام 690هـ/ شهر أيار عام 1291م، وكان هذا بمنزلة الضربة القاضية التي نزلت بالصليبيين في بلاد الشام، إذ لم تقم لهم بعد ذلك قائمة.

💎الحملة علي صور
أرسل السلطان جيشًا إلى (صُور) بقيادة الأمير سنجر، الذي استطاع أن يدخلها في شهر رجب من سنة دخول (عكا)، ثم ظهر جيش مملوكي بقيادة الأمير الشجاعي أمام (صيدا) الذي استطاع أن يدخلها في 15من رجب، ثم بعد ذلك فتح (بيروت)، وما لبث السلطان أن فتح (حيفا)، ولم يبقَ إلا موضعان: أنطروس وعثليث، ولكن حامية كلٍّ منهما لم تكن قادرة على الصمود، فجاءت حامية أنطروس في (5 من شعبان - 3 آب)، ومن عثليث في (16 من شعبان- 14 من آب)، ولم يعد بحوزة الداوية سوى الحصن الواقع في جزيرة أرواد، فظلُّوا محافظين على موقعهم هذا طيلة اثني عشر عامًا، ولم يغادروا الجزيرة إلا في عام (703هـ/ 1303م).

وظلَّت الجيوش المملوكية بعد طرد الصليبيين، تجوب الساحل من أقصاه إلى أقصاه بضعة أشهر في خطوة وقائية، تدمر فيها كلَّ ما تعتبره صالحًا لنزول الصليبيين إلى البر مرة أخرى والتحصن فيه من جديد.

💎المماليك الثانية المعروفة بالبرجية
(784 – 923 هـ/ 1382 – 1517م)

💎ظهور المماليك الجراكسة:

ينتمي المماليكُ البرجية إلى العنصرِ الجركسي الذي يعيشُ في بلادِ الكُرْج - (بضمِّ أوله وسكون ثانيه كما ذكره ياقوت) - وهي المنطقةُ الواقعة شمال أرمينية، بين البحرِ الأسود وبحر الخزر، وتُعرفُ اليومَ بجمهوريةِ جورجيا في منطقةِ القوقاز.

وكان الرَّقيقُ الجراكسة كثيرين في الأسواقِ في ذلك الحين (النِّصف الثاني من القرنِ السَّابع الهجري)؛ بسببِ كثرةِ السَّبي منهم؛ لتعرضِهم لهجماتِ مغول فارس والقبجاق، مِمَّا أدَّى إلى انخفاضِ أسعارِهم، إلى جانبِ ما يتَّصفون به من جمالِ الشَّكلِ والقوة والشجاعة، ولذلك اتَّجه السُّلطانُ المنصور سيف الدين قلاوون (678 - 689هـ/ 1279 - 1293م) إلى الاستكثارِ منهم، والاعتمادِ عليهم، وأسكنَهم في أبراجِ القلعة، ولذا عُرِفوا بالبرجية تمييزًا لهم عن المماليكِ الأتراك الذين أُسكِنوا في قلعةِ الروضة وعرفوا بالبحرية.
وقد تحدَّث العيني في "عقد الجمان"، وابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" عن تربيةِ هؤلاءِ المماليك وإعدادِهم وعَلاقتِهم بالسُّلطان قلاوون، فقال العيني: إنَّه ربَّاهم كما يربَّى أولادُهم، وكانوا عنده كبنيه أو أعز من البنين، وإنَّه جلبَهم للجهادِ والغزو، وكان يحسنُ معاملتَهم ويشفق عليهم ويفخر بهم ويقول: إنَّه لم يهتم بالإعمار والأموال قدرَ اهتمامِه بهؤلاءِ المماليك ليكونوا حصونًا منيعةً له ولأولاده وللمسلمين، وكانت قوةُ السُّلطانِ أو الأميرِ في تلك الفترة تُقاس بكثرةِ مماليكه وإخلاصهم له، وكان يعتمدُ عليهم في تحقيقِ أهدافه وتوسيع نفوذِه ومنافسةِ غيره من أمراء المماليك.
ويقول ابن تغري بردي: إنَّ عدتهم وصلت اثني عشر ألفًا، وإنهم تولَّوا مناصبَ الأمراءِ ونواب السلطنة، ومنهم من تَسَلْطن بعد ذلك.
يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55 
#قصة_دولة_المماليك { الـحـ24ـلـقـة} 〰〰〰〰〰
#قصة_دولة_المماليك
{الـحـ25ـلـقـة}
〰〰〰〰〰〰〰〰〰
💎 #تتمة

وسار الأشرفُ خليل بن قلاوون (689 - 693هـ) على نهجِ أبيه في الاستكثارِ من الجراكسة، وألزَمَهم بالنِّظامِ والطَّاعة، فكان يسمحُ لهم بالنزولِ من القلعةِ نهارًا فقط، ويلزمهم أن يبيتوا فيها.
وكان هؤلاءِ البرجية من عواملِ استمرارِ الحكم في أسرة قلاوون فترةً طويلة، وقد أدوا دورًا في الانتقامِ من قتلةِ الأشرف خليل، وتولية أخيه النَّاصرِ محمَّد برغم أنَّه كان صبيًّا في الثانيةِ عشرة.
ونتيجةً لضعفِ بيت قلاوون وتزايدِ نفوذ الجراكسة، أخذ هؤلاء الجراكسة يعملون لحسابِ أنفسِهم، فسيطروا على النَّاصرِ محمَّد وضيَّقوا عليه، حتَّى اضطروه إلى التنازلِ عن السَّلطنةِ سنة (708 هـ / 1308م)، واعتلى كبيرُهم بيبرس الجناشنكير مقعدَ السلطنة، بعد سنةٍ واحدة، فنكل بالجراكسة، وقلَّل من شرائِهم، فتضاءل نفوذهم وضعفت قوتهم.
أُتيحت الفرصةُ للجراكسةِ ليستعيدوا نفوذَهم عقبَ وفاةِ النَّاصرِ محمَّدٍ سنة (741 هـ / 1340م) ،وتولي عددٍ من أبنائه وأحفادِه الصِّغار، ولكنَّهم وجدوا منافسةً قوية من المماليك الأتراك، وتأرجحتِ السُّلطةُ بين الفريقين، ترجح كفة كلٍّ منهما حينًا، حتَّى ظهرَ فيهم الأميرُ برقوق الذي نجحَ في الاستئثارِ بالحكم، وأسَّس دولةَ المماليك البرجية.
تأسيس دولة المماليك الجراكسة (البرجية):

كان مؤسِّسُ هذه الدولةِ الأمير الجركسي برقوق بن أنص (أو أنس) العثماني، نسبةً إلى تاجرِ الرَّقيقِ الذي باعه "عثمان"، وقيل: سُمِّي برقوقًا لجحوظِ عينيه، صار من جملة مماليكِ الأمير التركي يلبغا، فلمَّا قُتِل يلبغا على يدِ السُّلطانِ الأشرف شعبان سنة (769هـ/ 1367م) شارك برقوق مع المماليكِ اليلبغاوية في الثَّورةِ على هذا السُّلطان، وتمكَّنوا من قتلِه سنة (778هـ/ 1376م)، ومهَّد ذلك لارتفاعِ شأن برقوق ورفاقِه الجراكسة.

وكان برقوق ذكيًّا ماكرًا؛ فلم يُظهرْ أطماعَه في السُّلطة، فالتحقَ بخدمة الأمير أينبك البدري وهو من المماليكِ اليلبغادية، وزيَّن له الإنفرادَ بالسلطةِ ومحاربة غيرِه من المماليك الموجودين بالشَّام، وكان هدفُه أن يُضعفَ الفريقين ويتخلَّص من أينبك، وفي الطَّريقِ إلى الشَّام أوعز برقوق لبعضِ أمراء الجند أن يتخلَّصوا من أينبك، فأحسَّ أينبك بمؤامرتِهم وفرَّ إلى الشَّام، وأصبح برقوق أحدَ الزُّعماء منذ ذلك الحين، وترقَّى في المناصبِ بسرعةٍ حتى أصبحَ كبيرَ الأمراء، وساعدتْه الظُّروفُ والأقدار في الوصولِ إلى مآربه، وكان لا يتورَّعُ عن الاستعانةِ بالأمراء، ثُمَّ يتخلَّصُ منهم خوفًا من منافستِهم.
وتعرَّض برقوق لمحاولةِ اغتيالٍ من المماليك الأتراك، لكنَّه كان حذرًا يستخدمُ العيونَ والجواسيس، فكُشِف أمرُ المتآمرين وتخلَّص منهم بالنَّفي، وعرض عليه أتباعُه أن يتولَّى السُّلطةَ فتظاهرَ بالتمنع والزُّهدِ فيها عدَّةَ مراتٍ، ثم قبلها في النِّهايةِ سنة (784هـ/ 1382م) وتلقَّب بالظَّاهر سيف الدِّين، ووضع بذلك نهايةً لحكمِ أسرة قلاوون، ودولةِ المماليك البحرية.

وقد بدأ منذ ذلك الحينِ حكمُ طائفةِ المماليك الجراكسة التي امتدَّتْ أربعًا وثلاثين ومائة سنة، وتقلَّد السَّلطنةَ منهم خمسةٌ وعشرون سلطانًا، عدا اثنين من أصلٍ رومي؛ هما: خشقدم وتمريغا.

وقد اتَّسم عهدُ الجراكسة بكثرةِ الدَّسائسِ والمؤامرات والصِّراعات المستمرة، ولكنَّه من ناحيةٍ أخرى شهد جانبًا إيجابيًّا بتشجيعِ سلاطينهم للعلمِ والأدب وبناءِ المساجد والمدارس والمؤسَّساتِ الخيرية، وكان لهم دورٌ كبير في حمايةِ بلاد الشَّام من أطماعِ الملك التتري تيمور لنك، وألحقوا به ضربةً موجعة، كما وجَّهوا ضرباتٍ أخرى للقوى الصَّليبيةِ المجاورة لهم في جزر البحر المتوسط.
سلاطين الجراكسة وأهم أعمالهم: 

بدأ الظَّاهرُ برقوق عهدَه باسترضاء المماليكِ الأتراك، حتَّى استتبَّ له الحكمُ، ثم بدأ في تقديمِ الجراكسة عليهم وإيثارِهم بالمناصب والإقطاعات دونهم، وكان من نتيجةِ هذه السِّياسة أنْ تآمر عليه الأتراكُ مع الخليفةِ العباسي في مصر المتوكل على الله، ثُمَّ خروج مدنِ الشَّام وأمرائها عن طاعتِه، وانضمَّ إليهم بعضُ المماليك الموجودين بالقاهرة، وتمكَّنوا من تنصيبِ أمير حاجي بن الأشرف شعبان سلطانًا، ونفي برقوق إلى حصنِ الكرك سنة (791هـ) بعد ستِّ سنواتٍ من حكمِه.
وسيطر على الأمورِ بعضُ أمراءِ التُّرك، وعلى رأسِهم يلبغا النَّاصري ومنطاش، وما لبث الصِّراعُ أن دبَّ بينهما مما هيأ الفرصةَ لبرقوق ليجمعَ أنصارَه ويستولي على حكم الشَّام ثم مصر، وفرح به عامَّةُ أهلِها وخاصتهم، وخرجوا لاستقبالِه وفرشوا له الحريرَ في الطُّرقِ، وجدَّدوا له البيعةَ في القلعةِ سنة (792هـ/ 1389م) بعد أقل من سنةٍ من عزلِه، وتمكَّن من التخلُّصِ من معظمِ أعدائه ومناوئيه، وقضى على ثورةِ العربان في مصر والشَّام.
يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55 
#قصة_دولة_المماليك {الـحـ25ـلـقـة} 〰〰〰〰〰〰〰
#قصة_دولة_المماليك
{الـحـ26ـلـقـة}
〰〰〰〰〰〰〰
💎 تتمة..

ونجحَ برقوق قُبَيْل وفاتِه سنة (801هـ/ 1399م) في أخذِ البيعة لابنِه فرج، وكان في العاشرةِ من عمره، وشكَّل له مجلسَ وصايةٍ من قادة المماليك، وكثرت الفتنُ في عهدِ السُّلطان فرج، وخرج عليه الأمراءُ في مصر وفي الشَّام، وحاول التَّصدي لها لكنَّه هُزِمَ قرب دمشق وقُتِل سنة (815هـ/ 1412م).

وبعد شهورٍ تقلَّد السلطنةَ المؤيدُ شيخ بن عبد الله المحمودي، نسبةً إلى محمود شاه الأزدي الذي باعه للسُّلطان برقوق، فأعتقَه واستخدمه، واستمرَّ سلطانًا ثماني سنوات وخمسة أشهر (815 - 824هـ/ 1412 - 1421م)، وكان بصيرًا بالحروبِ سفَّاكًا للدِّماء، وكان محبًّا للشِّعرِ والموسيقى، يقرضُ الشعرَ، ويضعُ الألحان، وقُبيل وفاتِه أوصى لابنِه أحمد، وكان رضيعًا دون السنتين، ولكنَّ المماليكَ لم يؤمنوا بمبدأ الوراثة، بل كان الحكمُ عندهم للأقوى، فتنافسوا على السُّلطةِ إلى أنْ آلتْ في النِّهاية إلى الأشرفِ برسباي الذي قضى فيها ستةَ عشر عامًا (825هـ - 841هـ/ 1422م - 1437م) حقَّق فيها الاستقرارَ والقوة لدولتِه، وقام بغزواتٍ إلى جزيرة قبرص كما سيأتي ذكرُه، ولكنَّه في سبيلِ ذلك ضاعفَ الضَّرائبَ والمكوس على الأهلين، مِمَّا أثار سخط الرَّعيةِ والمؤرخين عليه، برغم ما قام به من إصلاحٍ وجهاد وعمران، وقال عنه المقريزي: "وله في الشُّحِ والبخل والطَّمع أخبارٌ لم نسمعْ بمثلها، وشمل البلادَ الخرابُ وقلَّتِ الأموالُ وافتقر النَّاس"، وقال عنه ابن إياس في "بدائع الزهور": "كان ملكًا منقادًا للشَّريعة، يحبُّ أهلَ العلم، مهيبًا مع لينِ جانب، كفؤًا للملك، إلا أنَّه كان عنده طمعٌ زائد في تحصيلِ الأموال".

ولم يفلحْ برسباي في جعلِ المُلك وراثيًّا وحفظه في ابنه بعد وفاته، فعزله الوصي جقمق، وتولَّى السَّلطنةَ (842 - 857هـ/ 1438 - 1435م)، وكانت له محاسنُ ومساوئ، لكنَّ محاسنَه كانت أكثر من مساوئه - كما ذكر ابنُ إياس - وكان فصيحًا بالعربية مفقهًا، ولكن كانت فيه حدَّة فآذى بعضَ العلماء، واهتمَّ بالجهادِ في البحر وغزو جزيرة رودس كما سنذكر.
وعندما اشتدَّ المرضُ بالسُّلطانِ جقمق تنازلَ باختيارِه عن الحكمِ، ولم يقبلْ مراجعة في ذلك، وجمع أولي الأمر: الخليفة العباسي والقضاةَ، وقال لهم: الأمرُ لكم، فانظروا فيمن تسلطنونه، فبايعوا ابنَه المنصورَ عثمان، ثُمَّ عزلوه بعد شهرٍ ونصف.

وتولَّى بعده الأشرفُ إينال (857 - 865هـ/ 1453 - 1460م)، وفي عهدِه بدأتْ بوادرُ الضَّعفِ تظهرُ في دولة المماليك، وكان أهمها قلة الأموالِ الواردة وكثرةِ الاضطرابات الدَّاخلية، وتمرَّدَ المماليكُ الجلبان، وهم الذين كان السُّلطانُ يجلبهم كبارًا، ويجعلهم في خدمتِه، خلافًا للقاعدة التي سار عليها المماليكُ في صدرِهم الأول بشراءِ المماليك الصِّغار دون البلوغ، والقيام على تربيتِهم وتنشئتِهم فيغرسوا فيهم حبَّ أستاذِهم والالتزام بطاعتِه والإخلاص له حتَّى بعد وفاتِه، أمَّا الأجلاب فكان من السَّهلِ عليهم أن يعزلوا سيدَهم أو يتمرَّدوا على أبنائِه، وقد ثار هؤلاء الجلبان على السُّلطانِ إينال سبعَ مراتٍ خلال فترة حكمِه التي امتدَّتْ حوالي ثماني سنوات.

وقد تمرَّد المماليكُ على السُّلطانِ أحمد بن إينال برغم كفاءتِه وحسنِ سيرته، فخلعوه بعد أربعةِ أشهر، وكثُرتِ الاضطراباتُ والصِّراعاتُ، حتَّى تولى السُّلطانُ الأشرف قايتباي (872 - 901هـ/ 1468 - 1496م)، وكان يلقَّبُ بالمحمودي نسبة إلى التَّاجرِ الذي باعه للسُّلطانِ الأشرف برسباي، ثم اشتراه الظَّاهرُ جقمق وأعتقَه، وعلا شأنُه حتَّى صار أتابكًا؛ أي: قائد الجيشِ في عهد تمربغا.

وكان الأشرفُ قايتباي من أعظمِ سلاطين الجراكسة وأطولِهم عهدًا، فقد حكم تسعةً وعشرين عامًا، ظهرتْ خلالَها كفاءتُه السياسية والعسكرية، وفي عهدِه بدأ خطرُ العثمانيين الذين أسماهم المؤرِّخون "أصحاب القسطنطينية"، فأنفق كثيرًا من الأموالِ على الجيوشِ لردِّهم عن حلب وما حولها.

وشغله ذلك عن نصرةِ صاحب الأندلس، التي كانت تلفظُ أنفاسَها في غرناطة؛ عندما طلب منه الغوث لردِّ الفرنج، واكتفى بإرسالِ رسائلِ التَّهديدِ إلى ملوكِ الفرنجة عن طريق الحجَّاجِ المسيحيين والقساوسة الذين كانوا يَفِدون إلى بيت المقدس، ولم يتمكَّنْ من نجدةِ غرناطة، فسقطتْ في أيدي الأسبان، وأصبحتِ الأندلسُ مجردَ ذكرى في خواطرِ المسلمين وكتبِ التاريخ.

وقد أصاب البلادَ في عهده وباءٌ خطيرٌ سنة (897هـ/ 1492م) حصد عشراتِ الآلاف من أهلِ مصر، وهلك فيه حوالي ثلث المماليكِ، ومنهم زوجةُ السُّلطان وابنته.
يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55 
#قصة_دولة_المماليك {الـحـ26ـلـقـة} 〰〰〰〰〰〰
#قصة_دولة_المماليك
{الـحـ27ـلـقـة}
〰〰〰〰〰〰〰〰
وتعاقبَ على السَّلطنةِ بعد وفاة قايتباي سنة (901هـ/ 1496م) خمسةُ سلاطين، حكموا فتراتٍ قصيرة تتراوح بين ثلاثةِ أيامٍ وأقل من عامين، وكثر الشَّغبُ وقتل السَّلاطين، حتَّى تردَّد بعضُهم في قبولِ منصب السَّلطنة، وعندما اجتمع الأمراءُ على مبايعةِ قنصوه الغوري تمنَّع وبكى حتى أجلسوه على العرش كرهًا فقال لهم: "أقبل ذلك بشرطِ ألا تقتلوني، بل إذا أردتم خلعي وافقتكم".
وكان الأشرف قانصوه الغوري (906 - 922هـ/ 1501 - 1516م) قد تجاوز السِّتين عندما تولَّى الحكمَ فأثبت كفاءةً ومقدرة، واستطاع أن يعيدَ الأمنَ والنِّظامَ إلى البلاد، لكنَّه لجأ إلى القسوةِ في معالجةِ الأزمة المالية، فجمع الضَّرائبَ من النَّاسِ مقدَّمًا، وفرض ضرائبَ جديدة لم تكن موجودةً على الطَّواحين والمراكبِ والسُّفن والدَّواب والخدم، والأوقاف الخيرية، وضاعتِ الرُّسومُ الجمركية، ولجأ إلى غشِّ العُملةِ بخلطِها بمعادنَ أخرى أو إنقاصِ وزنِها، وصادر عددًا من أعيانِ البلاد والتُّجار، ولم يتورعْ عن مصادرةِ الخليفة العباسي المستمسك بالله!

واستخدم الغوري هذه الأموالَ في إرضاءِ الجند والاستكثار من المماليك والعمران، فأنشأ الحيَّ المعروف باسمِه "الغورية" وبنى فيه مدرسةً ومسجدًا، وعمَّر طريقَ الحجِّ وزوَّده بالاستراحات، وشقَّ عددًا من الترع، وجدَّد القلعةَ ومدينتي الإسكندرية ورشيد، كما اهتمَّ بمظاهرِ السَّلطنةِ فأفضى الفخامة على قصرِه ومطبخه ومماليكه وموكبه، ولذا اختلف المؤرِّخون في تقويم أعمالِه والحكم على تصرفاتِه، فاتَّهمه البعضُ بالسَّرفِ وزخرفة الجدارانِ والحوائط، والاهتمامِ بالمظاهر التي لا تعودُ بالنَّفعِ على المسلمين، ورأى البعضُ أنَّه اتجه إلى العمرانِ والإصلاح والنفع العام.

وفي عهدِه بدأ خطرُ الاستعمارِ البرتغالي، وخطرُ العثمانيين يتهدَّدُ الدولةَ اقتصاديًّا وعسكريًّا وسياسيًّا مِمَّا أدَّى إلى سقوطِها في النهاية كما سنذكر.

💎المماليك البرجية – صراع مع القوى الخارجية  

أولاً: مواجهة التتار:
كان تيمور لنك ملكُ التتار قد اتخذَ من مسقطِ رأسه سمرقند عاصمةً له، واتجه إلى التوسُّعِ شرقًا وغربًا يحمل معه الدَّمار والقتل والدِّماء، فاستولى على بلادِ ما وراء النَّهر وخراسان وطبرستان، وخرَّبَ مدينةَ الرها في سنة (789هـ/ 1387م)، واستولى على بغداد سنة (795هـ/ 1393م) فأكثرَ فيها القتلَ والتَّدميرَ.

ولم يجد حكَّامُ هذه المناطقِ مَنْ يلوذون به سوى المماليك، فلجأ إليهم أحمدُ بن أويس سلطانُ بغدادَ فأحسنَ إليه السُّلطان برقوق وأكرمَه، وكان أحمدُ بن أويس من أصلٍ مغولي ثم استعرب أجدادُه، وآل إليهم حكمُ العراق، ثُمَّ فرَّ أمام جيوش تيمور لنك.

ووصل تيمور إلى مشارفِ الشَّام، وطمع في الاستيلاء عليها، وأرسل كتابًا شديدَ اللهجةِ يحملُ كثيرًا من التهديد إلى السُّلطان برقوق، فقتل السُّلطانُ رسلَه واستعدَّ لحربِه، ولكن تيمور لنك شغل عنه بحروبِه في الجبهاتِ الأخرى وبخاصةٍ الهند.

وأمدَّ السُّلطانُ برقوق بنَ أويس بالجند والعتاد حتَّى مكَّنه من استردادِ ملكه بعد عامين سنة (797هـ)، وجعله نائبًا عنه، وبذلك أصبحتْ بغدادُ من الناحية السياسية تابعةً لمصر وخاضعة لسلطة المماليك.

أزعجت هذه الأنباءُ تيمور لنك فأسرعَ بالعودةِ من الهند، وفي هذه الأثناءِ تُوفي السُّلطانُ برقوق وتولَّى ابنُه فرج، وأرسل تيمور إنذارًا للمماليك بتسليمِ حلب، فقاوموه ولكنَّه هزمهم سنة (802هـ/ 1400م)، واقتحم حلبَ فخرَّبَها، وفزعت لذلك دمشقُ والقاهرة، وفرَّ كثيرٌ من النَّاس منهما خوفًا وهلعًا، ثم ازدادتْ الأمورُ سوءًا بدخول تيمور لنك دمشقَ ونهب أموالها ونقل عمَّالها وصنَّاعها المهرة إلى بلادِه سمرقند.

وأمام هذه الهزائمِ اضطرَّ السُّلطانُ الصغير فرج بن برقوق إلى قبولِ الصُّلح، ثم ما لبث تيمور أنْ تُوفي سنة (807هـ/ 1405م)، وتنازع أبناؤُه وكفى اللهُ المؤمنين قتالَهم.
يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55
عِيدَكُم مُبَارَك َوَنَسْأَلُ اللهَ الْكَرِيمِ أَنَّ يَعيدهُ عَلَيِكُم أَعْوَامًا عَدِيدَه وأَنَتُمْ تَنْعَمُونْ بِالصِحَة واَلعَافِيَة وَ تَقَبَّلَ اللهُ مَنًّا وَمِنْكم صَاَلِحْ اَلأَعْمَالْ
‏ عِيدأضحَىٰ مُبَارَكٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي شَتَّى 
بِقَاعِ الْأَرْضِ.
إلى القابضين على جمر الألم ..
إلى المستمسكين بقضيتهم رغم جور المحن ..
إلى المجاهدين الثابتين .. إلى المصلحين المجهدين .. إلى الناظرين إلى فجر العز والتمكين ولم تعمهم غشاوة الواقع الأليم ..

إلى المهجرين المشردين .. وإلى المكلومين الصابرين
إلى أهل ادلب وغزة ومأرب... العز ومن هاجر إليها من الأبطال الغر الميامين ..
إلى المرابطين في الجبهات في جبالها وسهولها ووديانها يدافعون عن دين وهوية ومقدسات الأمة الإسلامية ..

إلى أعضاء ومتابعين قناة 📚من عمق التاريخ الإسلامي📚

أضحى مبارك
وتقبل الله مني ومنكم .. واعاده الله علينا ونحن بأحسن حال إن شاء الله ..
وكل عام وانتم بخير ..
‏كل عام وأهلنا في سوريا واليمن والعراق واخوتنا العرب وفي المخيمات والمنفيين والمستضعفين والمسحوقين والمظلومين وأهالي الشهداء والمعتقلين بألف خير عسى ربي يشفي صدوركم ويجبر خواطركم وان يأتي العيد القادم واوطاننا مستردة من الظلمة الطغاة مطهرة من الأعداء الدخلاء وجميع المليشيات يارب.
#قصة_دولة_المماليك {الـحـ27ـلـقـة} 〰〰〰〰〰
#قصة_دولة_المماليك
{الـحـ28ـلـقـة}
〰〰〰〰〰〰
ثانيًا: فتح جزيرة قبرص: 
كانت قبرص بحكمِ موقعها القريب من بلاد الشَّام إحدى قواعدِ الصليبيين ومراكزِ إمدادهم الهامَّة، فلمَّا تمكَّن المسلمون من تطهيرِ بلاد الشَّام من الصليبيين أصبحت قبرصُ منطلقًا لعملياتِ القرصنةِ والتخريب ضدَّ بلاد المسلمين هي وجزيرة رودس مركز طائفة الإسبتارية، وأصبحتْ تجارةُ المسلمين مهددةً، ومعنى هذا انهيار اقتصادِ المسلمين وافتقارهم وضعفهم، مما يسمحُ للصليبيين بالتفوقِ عليهم ومعاودة غزو أراضيهم.

ولذلك عزم السُّلطانُ الأشرف برسباي (825 – 841هـ) على غزوِ هذه الجزيرة، ووجَّه إليها ثلاثَ حملاتٍ بحرية قوية في سنوات (827هـ، 828هـ، 829)، وكانت أُولاها غارات استطلاعية استكشافية، نجحتْ في إلحاقِ الهزيمة بالقبارصة، وأحرقتْ ما في سواحلِهم من سفنِ القراصنة، وعادتْ بالنَّصرِ والغنائم، وكانت الحملةُ الثانية أكثرَ قوة، فقد توغَّلتْ داخلَ قبرص، واستولتْ على بعضِ قِلاعها وأسرت كثيرًا من جنودِها، وكانت الثالثةُ أقوى الحملاتِ وأعظمها فقد استولى المسلمون على ميناءِ ليماسول، وهزموا جموعَ القبارصة وأسروا ملكَهم "جانوس" وفتحوا عاصمتَها نيقوسيا.

وعاد جندُ الله بالأسرى والملك الذَّليل، وعمتِ الأفراحُ والزينات أنحاءَ القاهرة، وأصبحتْ قبرص ولايةً مملوكية، وقَبِلَ السُّلطان برسباي الإفراجَ عن جانوس وإعادته إلى مملكتِه بشرطِ أن يكونَ تابعًا له ويحكم باسمه، وأن يلتزمَ بدفعِ الجزية، وتحقَّقَ بذلك الأمنُ والهدوء للسَّواحلِ الشَّامية والمصرية، ولتجارةِ المسلمين في البحر المتوسط إلى حدٍّ كبير.

ثالثًا: غزو ردوس: 
وبقيت رودسُ شوكةً في جنب المسلمين تؤدِّي دورَها العدواني ضدَّ الموانئ والسُّفنِ الإسلامية، حتَّى تولَّى السُّلطان جقمق (842 – 857هـ)، فاحتذى ما فعلَه برسباي في قبرص، فأرسلَ ثلاثَ حملاتٍ إلى رودس في سنوات (844هـ، 847هـ، 848هـ).

وكانتُ الحملةُ الأولى استكشافية محدودة القوة؛ خرجت من ميناء دمياط دون أنْ تحقِّقَ عنصرَ المفاجأة فاستعدَّ لها فرسانُ رودس الإسبتارية بأساطيلِهم، ووقع قتالٌ شديد على سواحلِ ردوس أبلى فيه المماليكُ بلاءً حسنًا، وقتلوا وغنموا وسبوا وقُتِل منهم اثنا عشر رجلاً وعادوا إلى دمياط.

وكانت الحملةُ الثانية بقيادةِ الأمير إينال العلائي أكثر نجاحًا، فتمكَّنتْ من تدميرِ بعض القِلاع والحصون، واضطرت إلى العودةِ قبل أن تدهمَها عواصفُ الشِّتاء، وقال المشاركون فيها: لو كنَّا جمعًا لأخذنا رودس.

كان هذا القولُ حافزًا للسلطان جقمق، فاستكثرَ من السُّفنِ والجند، وأعدَّ كثيرًا من المراكب في دار الصناعة في بولاق، وخرج الجيشُ المملوكي ومعه كثيرٌ من المتطوِّعةِ وحاصروا جزيرةَ رودس، ولكنَّها صمدتْ بقوةٍ بفضل استعدادِ أهلِها وما تلقَّوْه من مساعداتٍ وإمدادات من الدول الصليبية، وعلم المماليكُ أنَّ رودس غير قبرص، فاكتفوا بفرضِ الصُّلح عليهم وتعهَّد الإسبتارية بعدمِ الاعتداء على السُّفن والتجارات الإسلامية.

رابعًا: الكشوف الجغرافية والصراع مع البرتغاليين: 
اتخذت الحروبُ الصليبية بعد فشلِها في المشرق ونجاحِها في طرد المسلمين من الأندلس شكلاً جديدًا؛ هو حركة الكشوفِ الجغرافية التي كان روَّادُها البرتغاليين ثم الإسبان، ولم يكن هدفُها علميًّا أو اقتصاديًّا بقدر ما كانت تهدِفُ إلى ضرب المسلمين في مقتل، وذلك بتدميرِ قوتِهم الاقتصادية، واكتشاف طرقٍ جديدة لتحويلِ التجارة عن بلاد المسلمين.

وقد اتخذت هذه الفتوحاتُ شكلاً عدوانيًّا، واتَّسمتْ بالقرصنةِ والاعتداء على السفن التجارية وأهالي البلاد السَّاحلية الآمنين، وكان بابا الفاتيكان يدعو إلى هذا الاتجاه ويباركُه ويشجِّعُ أصحابَه، ويصدر قراراتِ الحرمان ضدَّ كلِّ مَن يتعاونُ مع المسلمين تجاريًّا واقتصاديًّا، ونسيت أوربا أنَّ ما وصلت إليه من يقظةٍ علمية وحضارية كان بسبب المسلمين في المشرقِ وجزر البحر المتوسط والأندلس وجنوبي إيطاليا وصقلية، ورأت أن تردَّ لهم الجميلَ عدوانًا وبغيًا!

وقام البرتغاليون بجهودٍ كبيرة في مجال هذه الكشوف، حتَّى نجح بحَّارُهم الشهير فاسكو دي جاما في اكتشافِ الطَّريقِ الجديدة التي تمرُّ حولَ إفريقيا، مرورًا برأس الرَّجاءِ الصَّالح (كيب تاون أي مدينة الرأس) حتَّى تصل إلى بلاد الهند وجنوب شرقي آسيا، دون أن تمرَّ ببلادِ المسلمين، وذلك في سنة (903هـ/ 1497م).

ويقولُ الأستاذ محمود شاكر موضِّحًا هدفَ تلك الكشوف: "تدَّعِي أوربا أنَّ الحافز لها في هذه الاكتشافاتِ هو تجارةُ التوابل والحصول على المال، لكنَّ هذا الادعاء لا يستندُ إلى حقيقةٍ علمية، ولا يقبلُه تحليلٌ صحيح، إنَّ حقيقةَ الدوافع التي تكمنُ وراء ذلك إنَّما كانت هي الحروب الصليبية التي كانت ولا تزالُ يحملُ التاريخُ صورًا منها".
يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55
#قصة_دولة_المماليك {الـحـ28ـلـقـة} 〰〰〰〰〰〰
#قصة_دولة_المماليك
{الـحـ29ـلـقـة}
〰〰〰〰〰
وكان البرتغاليون يسعون إلى تطويقِ المسلمين منذ عهدِ ملكِهم "حنا" الأول الذي احتلَّ "سبته" على السَّاحلِ المغربي، ووصلَ رجالُه إلى سواحلِ إفريقية الغربية وبلغ أحدُهم وهو "بارثلمي دياز" الطرفَ الجنوبي من القارة، وأسماه: رأس العواصف، ولكن ملكَ البرتغال أسماه رأسَ الرَّجاءِ الصَّالح تعبيرًا عن أملِه في تطويقِ المسلمين.

وصبغ البرتغاليون كشوفَهم بالصبغةِ الاستعمارية الصليبية، فوضعوا نُصبَ أعينِهم السيطرةَ على كلِّ المواني والبلاد التي يتاجرُ معها المسلمون، والعمل على نشرِ المسيحية بين سكَّانِها، والإفادة من كلِّ خلافٍ يقع بين القوى الإسلامية.

ودسَّ البرتغاليون أعدادًا من اليهودِ فتظاهروا بالإسلام وأتقنوا اللغةَ العربية، واندسُّوا بين المسلمين وسرقوا أسرارَهم وعلومَهم، وأمدُّوا بها البرتغاليين، ومنها خرائط البحارِ والطُّرقِ التجارية، وعرفوا أسرارَ "منطقة السكون الاستوائيَّة"، وهي سكون الرِّياح تمامًا عند خطِّ الاستواءِ وتوقف السُّفنِ الشراعية عن الحركة، وعلموا من المسلمينَ أنَّه لا يمكنُ التحركُ شمالاً إلا في الربيعِ وجنوبًا إلا في الخريفِ، وكانت هذه المعلوماتُ النادرة معروفةً لدى دولة المماليك في مصر.

وأرسل ملكُ البرتغال حملتَه البحرية المكوَّنة من ثلاثِ سفنٍ بقيادة فاسكو دي جاما فاستكملتِ اكتشافَ هذا الطريق، ووصل إلى الهندِ فلم يرحب به أميرُ كلكتا، فأعدَّ حملةً جديدة وعاد ليضربَ مدينتَه بالقنابل، وفي طريقِ عودتِه صادفَ سفينةً للحجَّاجِ متجهةً من الهندِ إلى مكَّةَ المكرمة، فأغرقَها في خليج عمان وقبض على ركَّابِها، وكانوا حوالي مائة فعذَّبَهم ثم أعدمهم جميعًا، ودمَّرَ ثلاثةَ مساجد وجدها في مدينة كلو في شرقي إفريقيا، وأعلنَ البرتغاليون أنَّهم سيدمِّرون الأماكنَ المقدَّسةَ في مكةَ والمدينة، ويزيلون معالِمَ الإسلام! وكان هذا أحد الدَّوافعِ التي جعلتِ العثمانيين يتجهون إلى الشَّرقِ الإسلامي لحمايةِ هذه المقدسات.

وعقد البرتغاليون محالفاتٍ مع ملكةِ الحبشة النصرانية "إليني" التي كتبتْ إلى ملكِ البرتغال"عمانويل" تقول: "السلام على نويل سيدِ البحر وقاهرِ المسلمين القساة الكفرة، لقد بلغ مسامعَنا أنَّ سلطان مصر - يقصدُ السُّلطانَ الغوري - جهَّزَ جيشًا ضخمًا ليثأرَ من الهزائمِ التي ألحقها به قوادُكم في الهند، ونحن على استعدادٍ لمواجهةِ هجماتِ الكفرة...".

واحتلَّ البرتغاليون كلكتا سنة (906هـ/ 1500م)بعد استكمالِ اكتشافهم لطريقِ رأس الرَّجاءِ بثلاث سنوات، ثم احتلُّوا بعضَ الموانئ العربيةِ؛ مثل عدن وجزيرة هرمز، كما احتلوا ميناءَ مصرع على المدخلِ الإفريقي للبحر الأحمر، وبذلك تحكَّموا في مضيقي هرمز وباب المندب، ومنعوا سفنَ المسلمين وتجارتِهم من المرور.

وتكدَّستِ السِّلعُ والحاصلات في موانئ مصر كالإسكندرية ودمياط، لا تجدُ أحدًا من التجارِ الغربيين لينقلَها إلى أوروبا أو يشتريها منهم، واستنجدَ التجارُ المسلمون وأمراءُ المسلمين في الهندِ وسواحل بلادِ الغرب بالسُّلطان المملوكي قانصوة الغوري (906 – 922هـ/ 1500 – 1516م)لينقذَهم من هذا البلاءِ، وأرسلَ الغوري تحذيرًا إلى البابا في روما موجهًا عن طريقه إلى جميع القوى الأوروبية ليمنعوا ملاَّحيهم وقراصنتِهم من التعرُّضِ للمسلمين وتجارتهم، ولكنَّ تحذيرَه لم يلقَ استجابةً لديهم، فاتخذ عدةَ خطواتٍ عملية منها: تقوية أسطولِه في البحرِ الأحمر، ومكاتبة ملوك الهند ليتحالفوا معه ضدَّ هذا الخطر.

واستعدَّ الغوري لجولةٍ حاسمة، فأعدَّ عدتَه لمعركةٍ بحرية ضدَّ البرتغاليين، وجهَّز لذلك خمسين غرابًا؛ أي: سفينة، وولَّى عليها أميرَ البحرِ حسين الكردي، ووجَّهه إلى الهند، فالتحمَ مع سفنِ البرتغاليين غربي الهند سنة (914هـ/ 1508م) فهزمهم، لكنَّهم ما لبثوا أنْ حشدوا له قواهم وأساطيلَهم، وخاضوا ضدَّه جولةً أخرى فانتصروا عليه وحطَّموا الأسطولَ المصري في موقعة "ديو" البحرية قرب جزيرةٍ صغيرة في مياه الهندِ، تحمل هذا الاسمَ وتقعُ شمالي بومباي.

وكانت هذه الموقعةُ فصلَ الخطابِ في الصِّراع المملوكي البرتغالي، ونتج عنها ضياعُ مركزِ مصر التجاري، وتحقيقُ المآربِ الصليبية في إضعافِ دولة المماليك الإسلامية من النَّاحية الاقتصادية تمهيدًا للقضاءِ عليها، وازدادتْ بعدَها جرأةُ القراصنةِ الفرنج، وتعدَّدتْ غاراتُهم على الموانئ المصرية، والسُّفنِ المملوكية عند دمياط والطينة (بين الفرماوتنيس) وغيرهما، ولم يكن في مقدورِ الغوري أن يردَّ عليهم، فلجأ إلى تهديدِ الرُّهبانِ والقساوسة الموجودين في القدسِ إذا لم يتوقفْ الفرنجُ عند اعتداءاتِهم.
وتفاقم خطرُ البرتغاليين في البحارِ الإسلامية، حتَّى قيَّضَ اللهُ لهم القوةَ الإسلامية الفتية؛ الممثَّلة في العثمانيين لتردَّهم على أعقابِهم وتحمي ديارَ الإسلام من كيدِهم.
يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55
#قصة_دولة_المماليك {الـحـ29ـلـقـة} 〰〰〰〰〰 وكان ا
#قصة_دولة_المماليك
{الـحـ30ـلـقـة}
〰〰〰〰〰〰
خامسًا: المماليك والعثمانيون: 
وفي الوقتِ الذي آذنتْ فيه شمسُ المماليك بالغروب، وترنَّحتْ دولتُهم نحو السُّقوط، ارتفع نجمٌ آخرُ في سماء المنطقة، وظهرتْ دولةٌ إسلامية فتية هي دولةُ الأتراك العثمانيين، واستطاعت أن تثبِّتَ أقدامَها في آسيا الصغرى، وتتجاوزَ البسفور فتُسقِط عاصمةَ الرُّومِ المنيعة المتأبية على الفاتحين المسلمين عبر القرونِ الماضية، وتفرض سلطانَها على كثيرٍ من بلاد أوروبا الشَّرقية، وامتدَّتْ جيوشُها حتَّى حاصرتْ أسوارَ فيينا عاصمة النِّمسا، وكانت هذه الفتوحاتُ تضفي على الدولةِ العثمانية طابعَ الجهاد، وتتعاطفُ معها قلوبُ المسلمين باعتبارِها حاملة لواءِ الجهادِ ضدَّ الغربِ الصَّليبي.

وفجأة غيَّرَ السُّلطانُ سليم العثماني وجهةَ فتوحاته من الغربِ إلى الشَّرق، واختار السيطرةَ على بلادِ المسلمين، ولعلَّ سر هذا التحولِ يكمنُ في الصِّراعِ المذهبي بين هذه الدولة السنية، وبين الدولة الصفوية الشيعية الاثني عشرية التي كانت تحكمُ إيرانَ والعراق في ذلك الوقت، فقد تحوَّلَ هذا الصِّراعُ المذهبي إلى صراعٍ عسكري، حقَّقَ فيه السُّلطانُ سليم العثماني انتصارًا كبيرًا على الشاه إسماعيل الصفوى في موقعة جالديران سنة(920هـ/ 1514م).

ونتج عن هذه الموقعةِ استيلاءُ العثمانيين على الجزيرةِ الفراتية والموصلِ وديار بكر، فأصبحوا وجهًا لوجهٍ أمام دولة المماليك، وقد استاء المماليكُ لذلك لشعورِهم بأنَّ هناك قوةً جديدة تنافسُهم في منطقةِ الشَّرقِ الإسلامي، وتحاولُ أن تقدم عليهم بعد أن كانت محصورة في الأناضول.

وكان من مصلحةِ المماليك حفظُ التوازن بين الصفويين والعثمانيين؛ حتَّى يتخوفَ كلٌّ منهما من الآخر، وينشغلَ بأمره فلا يفكرُ في غزوِ ديارِهم، وقد ذكر ابنُ إياس أنَّ السُّلطان الغوري عندما علمَ بالصِّراعِ بين العثمانيين والصفويين خرج إلى حلب ليطلعَ على جليةِ الأمر وقال: "حتَّى نرى ما يكون من أمرِ الصفوي وابن عثمان، فإنَّ من ينتصرُ منهما على غريمِه لا بدَّ أن يزحفَ على بلادِنا".

واستاء المماليكُ أكثر عندما قضى السُّلطانُ سليم العثماني سنة (921هـ/ 1515م) على إمارةِ الدلغادر التركمانية الحليفةِ لهم على أطرافِ آسيا الصغرى، واتجه السُّلطانُ الغوري إلى تقويةِ عَلاقاتِه بالصفويين، وعقد حلفًا مع الشاه إسماعيل الصفوي، وآوى إليه الأمير قاسم بن أحمد العثماني بعد أن قُتِلَ أبوه على يدِ عمِّه السُّلطان سليم.

وتزايد خطرُ العثمانيين نتيجة الحشود الضخمةِ التي عبَّأها السُّلطان سليم على حدودِ دولة المماليك، زاعمًا أنه يستعدُّ لقتالِ الصفويين، ولم يكن المماليكُ على مستوى الحدثِ الجلل، فقد كثر الصِّراعُ بينهم، وثارَ المماليكُ الجلبان ضدَّ السُّلطانِ الغوري لتأخر نفقاتِهم، مما آثار حنقَ السُّلطان، وجعله يهدِّدُ المماليكَ باعتزالِ السلطنة، وأخيرًا التفتت كلمتهم على الاجتماع لمواجهةِ العدوِّ المشترك.

وكان أميرُ حلب خاير بك متصلاً سرًّا بالعثمانيين ومتواطئًا معهم، فأرسلَ يثبِّطُ من عزيمةِ السُّلطانِ الغوري، ويقول له أنَّه تأكَّدَ أنَّ حشودَ العثمانيين موجهةٌ إلى الصفويين، وعليه ألا يخشى جانبَهم، وكانت الأحوالُ الاقتصادية ببلاد الشَّامِ سيئةً، ولا تحتملُ المزيدَ إذا قَدِمَ السُّلطان الغوري بجيشِه الجرَّار ليرابطَ فيها، وأعقب ذلك رسالةٌ ودِّية من السُّلطانِ سليم العثماني يقولُ فيها للسلطانِ الغوري: أنت والدي وأسالك الدُّعاء، وكلُّ ما يريدُه السُّلطانُ أو يراه فعلناه!

ولم تنطلِ هذه الحيلُ على السُّلطان الغوري المحنَّكِ، فواصل استعداداتِه حتى تصله باقي الإمدادات، وكتب إلى السُّلطانِ الغوري كلامًا معسولاً، وطلب منه يمده بالسُّكَّرِ والحلوى ففعل.

وبمجردِ أن وصلتْ باقي القواتِ العثمانية بقيادةِ سنان باشا كشفَ سليم القناعَ عن وجهِه وقال لرسولِ الغوري: "قل لأستاذِك يلاقينا على مرجِ دابق"، وسبقتْ تحركاتُه كلماتِه، فتقدَّم جنودُه فاستولوا على حصونِ الشَّامِ ومدنِه الحدودية؛ مثل ملطية وكركر.

وقد أخطأ السُّلطانُ الغوري لأنَّه لم يستطع أن يفرِّقَ بين أصدقائه وأعدائه، وبين المخلصين من رجالِه والخونة، فوضع ثقتَه في خاير بك وجان بردي الغزالي، وصمَّ أذنيه عن نصائحِ سيباي نائبِ الشَّام ووالي دمشق، ووضعَهُ موضعَ الاتهام والشَّكِّ، وتوهَّمَ أنَّه طامعٌ في منصب السلطنة، وعندما أمسك سيباي بتلابيبِ خاير بك وقال للغوري: "يامولاي السُّلطان إذا أردتَ أن ينصرَك اللهُ على عدوِّك فاقتلْ هذا الخائن" لم يعير قولَه اهتمامًا، وانصرف عنه.
يتبع...
قناة📚من عمق التاريخ الإسلامي📚
📲للإشتراك ؏ التليجرام'.-
https://telegram.me/gghopff55